آيات من القرآن الكريم

أُولَٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ۘ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ۚ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ

قَالَ: أيُّهما وإنما ذكر الخير وحده لأن المعنى يُعرف: أن المبتغي للخير مُتّق للشر وكذلك قَوْل الله جل ذكره: (سَرابِيلَ «١» تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) [أي] وتقي البرد. وهو كذلك وإن لَمْ يُذكر.
وقوله: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) فيقال: مِن أصناف الكفار. ويُقال:
إن كلَّ كافر حِزْب.
وقوله: وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ [٢٠].
هم رءوس الْكَفَرة الَّذِينَ يُضلون. وقوله: (مَا كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) على وجهين. فسَّره بعض المفسرين: يضاعف لَهُم العذاب بِما كانوا يستطيعون السمع «٢» ولا يفعلون. فالباء حينئذ كَانَ ينبغي لَهَا أن تدخل، لأنه قَالَ: (وَلَهُمْ «٣» عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) فِي غير موضع من التنزيل أدخلت فِيهِ الباء، وسقوطها جائز كقولك «٤» فِي الكلام: بأحسن ما كانوا يعملونَ وأحسنَ ما كانوا يعملون. وتقول فِي الكلام: لأجزيَّنك بِما عملت، وما عملت. ويُقال: مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كانوا يبصرون: أي أضلَّهُم الله عَن ذَلِكَ فِي اللوح المحفوظ.
وقوله: (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ) [٢٢] كلمة كانت فِي الأصل بِمنزلة لا بُدَّ أنَّك قائمٌ ولا محالة أنَّك ذاهب، فجرت على ذَلِكَ، وكثر استعمالهم إيَّاها، حَتَّى صَارت بِمنزلة حقًّا ألا ترى أن العرب تَقُولُ:
لا جَرَمَ لآتينك، لا جرمَ قد أحسنت. وكذلك فسّرها المفسرونَ بِمعنى الحقِّ. وأصلها من جرمت

(١) الآية ٨١ سورة النحل.
(٢) سقط في ا.
(٣) الآية ١٠ سورة البقرة.
(٤) الأولى: كقوله تعالى. فإن الاستعمالين واردان فى الكتاب العزيز فالأول فى الآية ٩٦ سورة النحل، والثاني فى الآية ٧ سورة العنكبوت.

صفحة رقم 8

أي كسبت الذنب وجَرَّمته. وليس قول من قَالَ إنّ جَرَمت كقولك: حَقُقت أو حُقِقت بشيء وإنَّما لبس على قائله قول الشاعر «١» :

ولقد طَعنْتُ أبا عُيَيْنة طَعْنَةً جرَمت فزارةُ بعدها أن تغضبا
فرفعوا (فزارة) قالوا: نجعل الفعل لفزارة كأنه بِمنزلة حُقَّ لَهَا أو حقَّ لَهَا أن تغضب وفزارة منصوبة فِي قول الفراء أي جَرَمَتهم الطعنةُ أن يغضبوا.
ولكثرتها فى الكلام حذفت منها الميم فبنو فزارة يقولون: لا جَرَ أنك قائم. وتوصل من أوَّلها بذا، أنشدني بعضُ بني كلاب:
إن كلابًا وَالِدِي لاذا جَرَمْ لأَهْدِرَنَّ اليوم هدرًا صادقا «٢»
هدر المعنَّى ذي الشقاشيق اللَّهُمَّ «٣» وموضع أن مرفوع كقوله:
أحقًّا عبادَ الله جرأة محلق علي وقد أعييت عاد وتبعا
وقوله: وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ [٢٣].
معناهُ: تَخْشَعوا لربِّهم وإلى ربِّهم. وربَّما جعلت العرب (إلى) فِي موضع اللام. وقد قَالَ الله عزّ
(١) هو أسماء بن الضريبة. وقيل: عطية بن عفيف. وقوله: «أن تغضبا» كذا فى الأصول. والرواية:
«يغضبوا» وقبله:
يا كرز إنك قد قبلت بفارس بطل إذا هاب الكمأة وجببوا
كان كرز قد طعن أبا عيينة حصن بن حذيفة الفزاري فى يوم الحاجر فقتل به فرثاه الشاعر. وقوله: «جببوا» أي فروا ونفروا من القتال. وانظر الخزانة ٤/ ٣١٠، واللسان فى المادة.
(٢) «هدرا صادقا» كذا فى الأصول، وهو لا يستقيم فى الرجز المعروف عن العرب. وقد كتبها بعض الفضلاء «هدرا فى النعم» ولم أقف على سنده. وهدر البعير ترديد صوته فى حنجرته.
(٣) المعنى: فحل الإبل الذي حبس أو رغب عن ضرابه. والشقاشيق جمع شقشقة وهى كالرئة تخرج من فم البعير إذا هاج واغتلم. وأصله الشقاشق فزاد الياء. واللهم: الذي يلتهم كل شىء: يفتخر أنه من كلاب، وأنه سيصول في أقرانه كما يصول الفحل الهائج

صفحة رقم 9
معاني القرآن للفراء
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء
تحقيق
أحمد يوسف نجاتي
الناشر
دار المصرية للتأليف والترجمة - مصر
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
ألفاظ القرآن
اللغة
العربية