آيات من القرآن الكريم

أُولَٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ۘ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ۚ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

الذين موعدهم النّار، فمن يكفر بالقرآن أو بالنّبي عليه الصّلاة والسّلام، من أهل الملل كلها أو أهل الأديان كلها، فهو من أهل النّار.
٣- القرآن الكريم حقّ ثابت من عند الله، فلا يشكّنّ أحد بذلك، وليبادر إلى الإيمان بما جاء فيه. ولكن مع الأسف أكثر الناس لا يؤمنون به.
الكافرون والمؤمنون وجزاء أعمال كلّ منهم
[سورة هود (١١) : الآيات ١٨ الى ٢٤]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤)
الإعراب:
الَّذِينَ يَصُدُّونَ إما نعت للظالمين، وإما خبر لمبتدأ أي هم الذين.
ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ ما: فيها ثلاثة أوجه:

صفحة رقم 43

أ- أن تكون ظرفية زمانية في موضع نصب بيضاعف، وتقديره: يضاعف لهم العذاب مدة استطاعتهم السمع والإبصار، أي أبدا، كقوله تعالى: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ [هود ١١/ ١٠٧] أي مدة دوام السموات والأرض، أي: أبدا.
ب- أن تكون في موضع نصب، على تقدير حذف حرف الجر، وتقديره: بما كانوا، فحذف حرف الجر، فاتصل الفعل به.
ج- أن تكون ما نافية، ومعناه لا يستطيعون السمع ولا الإبصار، لما قد سبق لهم في علم الله تعالى.
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
مبتدأ وخبر.
لا جَرَمَ ردّ لكلامهم، وهو نفي لما ظنوا أنه ينفعهم. وجَرَمَ فعل ماض بمعنى كسب.
أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ في موضع نصب من وجهين: أحدهما- تقديره: كسب ذلك الفعل لهم أنهم في الآخرة هم الأخسرون، أي كسب ذلك الفعل الخسران في الآخرة. وهذا قول سيبويه. والثاني- التقدير: لا صدّ ولا منع عن أنهم في الآخرة، وحذف حرف الجر، فانتصب بتقدير حذف حرف الجر، وهذا قول الكسائي.
مَثَلًا تمييز منصوب.
البلاغة:
كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ تشبيه مرسل مجمل لوجود أداة التشبيه وحذف وجه الشبه، أي مثل الفريق الكافر كالأعمى والأصم في عدم البصر والسمع، ومثل الفريق المؤمن كالسميع والبصير.
المفردات اللغوية:
وَمَنْ أَظْلَمُ لا أحد. افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً بنسبة الشريك والولد إليه. يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ في الموقف يوم القيامة مع جملة الخلق، بأن يحبسوا وتعرض أعمالهم، والمراد: يحاسبهم ربهم. الْأَشْهادُ جمع شاهد وهم الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ، وعلى الكفار بالتكذيب.
لَعْنَةُ اللَّهِ اللعنة واللعن: الطرد من رحمة الله تعالى. يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يصرفون عن دين الله: دين الإسلام. وَيَبْغُونَها عِوَجاً يطلبون السبيل معوجة، والعوج: الالتواء.
هُمْ تأكيد للأولى. مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ أي ما كانوا معجزين لله في الدنيا أن يعاقبهم، ولا يمكنهم أن يهربوا من عذاب الله تعالى. مِنْ دُونِ اللَّهِ أي غيره.

صفحة رقم 44

أَوْلِياءَ أنصار يمنعونهم من عذابه أو عقابه، ولكنه أخر عقابهم إلى هذا اليوم ليكون أشد وأدوم. يُضاعَفُ لَهُمُ بإضلالهم غيرهم. ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ للحق. وَما كانُوا يُبْصِرُونَ أي يبصرونه، لفرط كراهتهم له، كأنهم لم يستطيعوا ذلك. خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم. وَضَلَ
غاب. يَفْتَرُونَ
على الله من ادعاء الشريك.
لا جَرَمَ حقا. قال الفراء: إنها بمنزلة قولنا: لا بد ولا محالة، ثم كثر استعمالها حتى صارت بمنزلة (حقا). تقول العرب: لا جرم أنك محسن، على معنى: حقا إنك محسن.
وَأَخْبَتُوا خشعوا وسكنوا وأخلصوا لله تعالى، وأصل الإخبات: قصد الخبث وهو المكان المطمئن المستوي. مَثَلُ صفة. الْفَرِيقَيْنِ الكفار والمؤمنين. كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ هذا مثل الكافر، وتشبيه بالأعمى لتعاميه عن آيات الله، وبالأصم لعدم استماعه كلام الله تعالى وتدبر معانيه. وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هذا مثل المؤمن لتبصره بالقرآن وسماعه له سماع تدبر وإمعان، فيكون كل واحد منهما مشبها باثنين. أَفَلا تَذَكَّرُونَ تتعظون، أصله: تتذكرون، فأدغم التاء في الذال.
المناسبة:
بعد أن تحدث القرآن عن فريقي الناس: وهما الذي يريد الدنيا وزينتها، والذي يريد الآخرة، أبان حال كل من الفريقين في الدنيا والآخرة.
وكان القصد من آية مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها ذم الحريصين على الدنيا ونسيان الآخرة، والقصد من آية أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ الرّد على منكري نبوة الرسول صلى الله عليه وسلّم والطعن في معجزاته، وأما المراد من آية وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فهو الرّد على المشركين الذين يزعمون أن الأصنام شفعاؤهم عند الله، وهذا محض الافتراء على الله تعالى، وهو داخل تحت عموم وعيد المفترين على الله تعالى.
التفسير والبيان:
يبين الله تعالى حال المفترين عليه ووصفهم بأنهم أظلم الناس، وفضيحتهم في الآخرة أمام الخلائق كلهم، فيذكر أنه لا أحد أظلم لنفسه ولغيره ممن اختلق

صفحة رقم 45

الكذب على الله تعالى، في صفته أو حكمه أو وحيه، أو زعم وجود شفعاء له بدون إذنه، أو اتخاذه ولدا من الملائكة كالعرب القائلين بأن الملائكة بنات الله، واليهود القائلين بأن عزيرا ابن الله، والنصارى القائلين بأن المسيح ابن الله.
أُولئِكَ يُعْرَضُونَ.. أي أولئك المغرقون في الكفر والشرك والافتراء على الله، يعرضون على ربهم أي يحاسبهم ربهم حسابا شديدا، ويقول الأشهاد من الملائكة الأبرار: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم وافتروا عليه، فلعنة الله على الظالمين، أي أنهم مطرودون من رحمة الله تعالى.
وبما أن العرض عام في كل العباد، فإن المراد به هنا عرض خاص وهو العرض بقصد افتضاحهم، فيحصل لهم الخزي والنكال في أسوأ حال، والعرض يكون على الأماكن المعدة للحساب والسؤال، أو على من شاء الله من الخلق بأمر الله تعالى، من الملائكة والأنبياء والمؤمنين.
والآية مثل قوله تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ. يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ، وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ، وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر ٤٠/ ٥١- ٥٢].
وروى الإمام أحمد والشيخان عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول في النجوى يوم القيامة: «إن الله عز وجل يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه، ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟
أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه قد هلك، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته. وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين»
.
الَّذِينَ يَصُدُّونَ.. إن هؤلاء الظالمين يردون الناس عن اتباع الحق

صفحة رقم 46

والإيمان والطاعة، وسلوك طريق الهدى الموصلة إلى الله عز وجل، ويحولون بينهم وبين الجنة، وَيَبْغُونَها عِوَجاً أي ويعدلون بالناس عن سبيل الله إلى المعاصي والشرك، فهم يريدون أن يكون طريقهم عوجا غير معتدلة، والحال أنهم كافرون بالآخرة أي جاحدون بها مكذبون، وأعاد لفظ هُمْ تأكيدا.
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ... إن أولئك الظالمين الصادين عن سبيل الله لا يعجزون ربهم أن يعاقبهم بالدمار والخسف كما فعل بغيرهم، بل هم تحت قهره وسلطانه، وهو قادر على الانتقام منهم في الدنيا قبل الآخرة، وليس لهم أنصار ينصرونهم من دون الله تعالى، ويحجبون عنهم العذاب، ويضاعف لهم العقاب بسبب إضلالهم غيرهم، كما ضلوا بأنفسهم، وكانوا صمّا عن سماع الحق، عميا عن اتباعه.
ونظير الآية قوله تعالى: إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ [إبراهيم ١٤/ ٤٢] وقوله سبحانه: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ [النحل ١٦/ ٨٨] وقوله صلى الله عليه وسلّم في الصحيحين: «إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته».
وعلة مضاعفة العذاب هي: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ أي لم يستمعوا إلى القرآن سماع تدبر واتعاظ، ولم يبصروا طريق الحق والخير وينظروا إلى آيات القرآن وآيات الكون، الدالة على صدق الوحي، كما قال تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ، وَالْغَوْا فِيهِ، لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت ٤١/ ٢٦] وقال: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ [الأنعام ٦/ ٢٦].
فليس المراد نفي السمع والبصر، بل المقصود أنهم وإن كانوا يسمعون ويبصرون في الظاهر، إلا أنهم ما استخدموا هاتين الحاستين استخداما صحيحا في

صفحة رقم 47

تلقي المعارف والمعلومات وتكوين العقيدة السلمية، ونظرا لعنادهم وعتوهم وكراهتهم الحق والهدى، ما كانوا يطيقون سمع آيات القرآن والتبصر بآيات الكون.
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا...
أي أولئك الموصوفون بالأوصاف السابقة خسروا أنفسهم لأنهم أدخلوا نارا حامية يتزايد سعيرها، كما قال تعالى:
مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ، كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً [الإسراء ١٧/ ٩٧] ولا موت ولا حياة فيها.
وضلّ عنهم أي ذهب عنهم الذي كانوا يفترونه من دون الله من الأنداد والأصنام، فلم تجد عنهم شيئا، بل ضرتهم كل الضرر، كما قال تعالى: وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً، وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ [الأحقاف ٤٦/ ٦] وقال سبحانه: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا، كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ، وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم ١٩/ ٨١- ٨٢].
لا جَرَمَ... حقا إنهم في الآخرة أخسر الناس صفقة لأنهم استبدلوا بنعيم الجنان ودرجاتها عذاب جهنم ودركاتها، واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن، وعن شرب الرحيق المختوم بسموم وحميم، وعن الحور العين بطعام من غسلين، وعن القصور العالية بالهاوية، وعن قرب الرحمن بغضب الديان وعقابه.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ... بعد أن ذكر تعالى حال الأشقياء أعقبه بذكر السعداء، وهم الذين آمنوا بالله ورسوله، وعملوا في الدنيا الأعمال الصالحة، فآمنت قلوبهم، وثابروا على الطاعات وترك المنكرات، وخشعوا لله وأنابوا إليه، فلهم جنات العلى ذات النعم التي لا تعد ولا تحصى، من كل ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وهم مخلدون فيها، ماكثون فيها على الدوام، لا يموتون ولا يهرمون، ولا يمرضون، ولا يخرج منهم مستقذر، وإنما هو رشح مسك يعرقون به.

صفحة رقم 48

ثم ذكر الله شبه الكافرين والمؤمنين وضرب مثلا لكليهما فقال: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ أي مثل الفريقين المذكورين اللذين وصفا سابقا وهم الكفار بالشقاء، والمؤمنين بالسعادة، كمثل الأعمى والأصم، والسميع والبصير الكافر مثل الأعمى، لتعاميه عن وجه الحق في الدنيا والآخرة، وعدم اهتدائه إلى الخير وعدم معرفته إياه، ومثل الأصم لعدم سماعه الحجج، فلا يسمع ما ينتفع به والمؤمن مثل متفتح السمع والبصر، لاستفادته بما يسمع من القرآن، ويرى في الأكوان. والسمع والبصر وسيلتا العلم والهدى، وطريقا تكوين العقل.
لا يستوي هذا وذاك صفة وحالا ومالا، أفلا تذكرون أي تعتبرون، فتفرقون بين هؤلاء وهؤلاء، وكيف لا تميزون بين هذه الصفات المتباينة؟! كما قال تعالى: لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ، أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ [الحشر ٥٩/ ٢٠] وقال سبحانه: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ، وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ، وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ، وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ، إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ، وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر ٣٥/ ١٩- ٢٢] واستعمال: أَفَلا تَذَكَّرُونَ تنبيه على أنه يمكن علاج هذا العمى وهذا الصمم.
فقه الحياة أو الأحكام:
تضمنت الآيات ما يأتي:
١- لا أحد أظلم لأنفسهم من الذين افتروا على الله كذبا، فنسبوا كلامه إلى غيره، وزعموا أن له شريكا وولدا، وقالوا للأصنام: هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
٢- ينادى بالكفار والمنافقين على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على الله، ألا لعنة الله على الظالمين، أي بعده وسخطه وإبعاده من رحمته على الذين وضعوا العبادة في غير موضعها.

صفحة رقم 49

والأشهاد المنادون بذلك: هم الملائكة، أو الأنبياء والمرسلون، والعلماء لذين بلّغوا الرسالات.
٣- إن سبب اللعنة على الظالمين وطردهم من رحمة الله إنما هو صدّ أنفسهم وغيرهم عن الإيمان والطاعة لله تعالى، وعدولهم بالناس عن سبيل الله إلى المعاصي والشرك، وكفرهم وجحودهم بالآخرة.
٤- الظالمون وغيرهم لا يعجزون الله بعقابهم في الدنيا، ولا يقدرون على الإفلات من سلطان الله وقدرته وخسف الأرض بهم، وليس لهم أنصار ينصرونهم من دون الله تعالى، وعقابهم مضاعف على قدر كفرهم ومعاصيهم بسبب إضلالهم غيرهم، وبسبب تعطيلهم قدرات السمع والبصر في استماع الحق وإبصاره.
٥- هؤلاء الظالمين خسروا أنفسهم وضاع عنهم افتراؤهم، وتبدد كل ما تعلقوا به من آمال خاسرة، وهم حقا في الآخرة أخسر الناس صفقة لاستبدالهم بنعيم الجنة بعذاب جهنم.
٦- المؤمنون المصدقون بالله ورسوله، العاملون الصالحات، الخاشعون الخاضعون المنيبون لربهم، هم أصحاب الجنة الماكثون فيها أبدا.
٧- لا تساوي إطلاقا بين المؤمنين والكافرين، كما لا تساوي بين الأعمى والبصير، ولا بين الأصم والسميع، أفلا تنظرون في الوصفين وتتعظون وتعتبرون؟! والخلاصة: إن الله تعالى وصف السعداء أهل الجنة بصفات ثلاث هي:
الإيمان، والعمل الصالح، والخشوع إلى الله تعالى ووصف الأشقياء المنكرين الجاحدين أهل النار بأربع عشرة صفة هي:
١- كونهم مفترين على الله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ

صفحة رقم 50

٢- إنهم يعرضون على الله في موقف الذل والهوان والخزي والنكال:
أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ.
٣- حصول الخزي والنكال والفضيحة العظيمة لهم: وَيَقُولُ الْأَشْهادُ: هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ.
٤- كونهم ملعونين من عند الله: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
٥- كونهم صادّين عن سبيل الله مانعين عن متابعة الحق: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.
٦- سعيهم في إلقاء الشبهات، وتعويج الدلائل المستقيمة: وَيَبْغُونَها عِوَجاً.
٧- كونهم كافرين: وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ.
٨- كونهم عاجزين عن الفرار من عذاب الله: أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ.
٩- إنهم ليس لهم أولياء يدفعون عنهم عذاب الله، فليست أصنامهم شفعاء عند الله: وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ.
١٠- مضاعفة العذاب لهم، لسعيهم في الإضلال ومنع الناس عن الدين، مع ضلالهم الشديد: يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ.
١١- تعطيلهم وسائل الإيمان والمعرفة والاعتقاد الصحيح: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ.
١٢- كونهم خاسرين أنفسهم لاشترائهم عبادة الآلهة بعبادة الله تعالى:
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ

صفحة رقم 51
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية