
كتبوا في الكتب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ): اللعنة: قَالَ بَعْضُهُمْ: هي الطرد عن جميع المنافع والإبعاد عن رحمة اللَّه في الدنيا عن دينه وفي الآخرة عن ثوابه. وقال بعضهم: اللعنة هي العذاب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (١٩)
يصدون يحتمل وجهين:
يحتمل أن أعرضوا هم بأنفسهم عن دين اللَّه.
ويحتمل صرفوا الناس عن دين اللَّه، لكنه يتبين ذلك بالمصدر أنه أراد ذا أو ذا، يقال في الإعراض بنفسه: صد يصد صدودا؛ كقوله: (يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) ويقال في صرف غيره: صد يصد صدا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا): قَالَ بَعْضُهُمْ: هم بغاة على دين اللَّه بالجور.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: يبغون من النساء الميل عن دين اللَّه إلى دينهم، فذلك هو بغي العوج، كل سبيل غير سبيل اللَّه فهو عوج وبغي، كأنه يقول: يبغون سبيلا غير سبيل اللَّه.
(وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ): في الدنيا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠) أي: أُولَئِكَ لم يكونوا معجزي اللَّه في الدنيا من أن يعذبهم وينتقم منهم إن شاء. والثاني: أُولَئِكَ لم يكونوا سابقي اللَّه في الآخرة في دفع العذاب عن أنفسهم. وجائز أن يكون الآية في الأئمة منهم والجبابرة يخبر أنهم غير معجزي اللَّه فيما يريد منهم من التعذيب لهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ) هم حسبوا أن أُولَئِكَ الذين عبدوهم من دون اللَّه يكونون لهم أولياء؛ لأنهم يقولون: (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ) و (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) كانوا يطمعون في شفاعة الأصنام التي كانوا يعبدونها، أو الذين اتبعوهم يكونون لهم أولياء فأخبر أن ليس لهم أولياء على ما ظنوا وحسبوا، بل يكونون لهم أعداء؛ كقوله: (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً...) الآية، وأمثاله كثير؛ وكقوله: (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)؛ وكقوله: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا)، أي: لم يكن لهم ما طمعوا، وقوله: (سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا)، صاروا لهم أعداء على ما ذكر.
ويحتمل (وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ) أي: لا ينفعهم ولاية من اتخذوا أولياء؛

كقوله: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)، ونحوه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ): هذا يدل على أن قوله: (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وفي الأئمة الذين صرفوا الناس عن دين اللَّه؛ لأنه أخبر أنه يضاعف لهم العذاب.
وهو يحتمل وجهين:
أحدهما: لما ضلوا هم بأنفسهم، والآخر: لما صرفوا الناس عن دين اللَّه تعالى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ): قالت المعتزلة فيه بوجهين:
أحدهما: أنهم كانوا يسمعون ويبصرون، لكنه قال لا يستطيعون السمع ولا يبصرون استثقالا منهم لذلك، وهو كما يقول الرجل: ما أستطيع أن أنظر إلى فلان ولا أسمع كلامه، وهو ناظر إليه سامع كلامه، لكنه يقول ذلك لاستثقاله النظر إليه وسماع كلامه؛ فعلى ذلك الأول كانوا يسمعون ويبصرون، لكنهم كانوا يستثقلون السمع والنظر إليهم فنفى عنهم ذلك.
والثاني: كانوا لا يستطيعون السمع، أي: كانوا كأنهم لا يستطيعون السمع ولا النظر، وهو ما أخبر أنهم صم بكم عمي، كانوا يتصامون ويتعامون الحق.
وأمَّا عندنا: الجواب للتأويل الأول أنهم كانوا لا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون السماع سمع الرحمة والنظر إليه بعين الرحمة والقبول، فهم من ذلك الوجه كانوا لا يستطيعون.
والثاني: يحتمل سمع القلب وبصر القلب، وهم كانوا لا يستطيعون السمع سمع القلب وبصر القلب؛ كقوله: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) وهذه الاستطاعة عندنا هي استطاعة الفعل لا استطاعة الأحوال؛ إذ جوارحهم كانت سليمة صحيحة؛ فدل أنها الاستطاعة التي بها يكون الفعل لما ذكرنا.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (يضاعف لهم العذاب بما كانوا