آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

(وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) أي ومن يكفر بهذا القرآن فيجحد أنه من عند الله ممن تحزبوا من أهل مكة وزعماء قريش للصدّ عنه. قال مقاتل هم بنو أمية وبنو المغيرة بن عبد الله المخزومي وآل طلحة بن عبيد الله، والذين سيتحزبون لمثل ذلك من أهل الكتاب- فإنه يصير إلى جهنم من جرّاء تكذيبه لوعيده الذي جاء فى نحو قوله «أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ».
(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أي فلا تكن أيها المكلف فى شك من أمر هذا القرآن إنه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه آتيا من ربك وخالقك الذي يربّيك بما تكمل به فطرتك، ويوصلك إلى سعادتك فى دنياك وآخرتك.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) أي ولكن أكثر الناس لا يؤمنون هذا الإيمان الكامل، أما المشركون منهم فلاستكبار زعمائهم ورؤسائهم، وتقليد مرءوسيهم وعامتهم لهم، وأما أهل الكتاب فلتحريفهم دين أنبيائهم وابتداعهم فيه.
[سورة هود (١١) : الآيات ١٨ الى ٢٤]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤)

صفحة رقم 19

تفسير المفردات
الأشهاد: واحدهم شاهد، واللعنة: الطرد من الرحمة، والصدّ عن سبيل الله:
الصرف عنه، والعوج: الالتواء، ومعجزين فى الأرض، أي لا يمكنهم أن يهربوا من عذابه، وضل: أي غاب، ولا جرم: أي حقا، وأخبتوا: أي خشعوا وخضعوا وأصله من الخبت، وهو الأرض المطمئنة.
المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه فيما سبق أن الناس فريقان: فريق يريد الدنيا وزينتها وفريق على بينة من ربه، قفّى على ذلك ببيان حال كل من الفريقين فى الدنيا وما يكون عليه فى الآخرة.
الإيضاح
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) أي لا أحد أظلم لنفسه ولغيره ممن افترى على الله كذبا فى أقواله أو أفعاله، أو أحكامه أو صفاته، أو فى اتخاذ الشفعاء والأولياء له بدون إذنه أو فى زعم أنه اتخذ له ولدا من الملائكة كالعرب الذين قالوا الملائكة بنات الله، والنصارى الذين قالوا المسيح ابن الله، أو فى تكذيب ما جاء به رسله من دينه لصدّ الناس عن سلوك سبيله.

صفحة رقم 20

(أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ، أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) أي ويوم القيامة تعرض أعمال هؤلاء وأقوالهم على ربهم لمحاسبتهم، ويقول الذين يقومون للشهادة عليهم من الملائكة والأنبياء وصالحى المؤمنين: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم بالافتراء عليه، ويفضحونهم بهذه الشهادة المقرونة باللعنة الدالة على خروجهم من محيط الرحمة.
وقد جاء فى معنى الآية قوله تعالى: «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ»
وفى حديث ابن عمر فى الصحيحين وغيرهما: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن الله يدنى المؤمن حتى يضع كنفه عليه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: رب أعرف، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى فى نفسه أنه قد هلك قال فإنى سترتها عليك فى الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته. وأما الكافر والمنافق فيقول:
الأشهاد (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ، أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) »
.
(الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) أي إن الظالمين هم الذين يمنعون الناس ويصرفونهم عن سبيل الله (وهى دينه القيم وصراطه المستقيم) ويصفونها بالعوج والالتواء لينّفروا الناس منها، والحال أنهم كافرون بالآخرة لا يؤمنون ببعث ولا جزاء.
(أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) أي إن هؤلاء الذين يصدون عن سبيل الله لم يكونوا بالذين يعجزون ربهم بهربهم منه فى الأرض إذا أراد عقابهم، بل هم فى قبضته وملكه، لا يمتنعون منه إذا أرادهم ولا يفوتونه هربا إذا طلبهم، ولم يكن لهم أنصار ينصرونهم من دونه ويحولون بينهم وبينه إذا هو عذّبهم، ويضاعف لهم العذاب من أجل ضلالهم وإضلالهم.

صفحة رقم 21

ثم بين علة هذه المضاعفة بقوله:
(ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) أي ما كانوا يستطيعون إلقاء أسماعهم إلى القرآن إصغاء لدعوة الحق، لاستحواذ الباطل على أنفسهم ورين الكفر والظلم على قلوبهم، كما حكى الله عنهم بقوله: «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ» وما كانوا يبصرون ما يدل على صدقه فى الأنفس وفى الآفاق.
وإجمال المعنى- إنهم لشدة انهماكهم فى الكفر واتباع الهوى والشهوات صاروا يكرهون الحق والهدى، فيثقل عليهم سماع ما يبينه من الآيات السمعية وما يثبته من الآيات البصرية، فهم قد ختم الله على سمعهم وعلى أبصارهم فلا يسمعون الحق سماع منتفع ولا يبصرون حجج الله إبصار مهتد.
(أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)
أي أولئك الذين هذه صفتهم هم الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من رحمة الله، بافترائهم عليه واشتراء الضلالة بالهدى، وبطل كذبهم بادعاء أن له شركاء وشفعاء يقربونهم إليه زلفى، ثم سلك بما كانوا يدعونه من دون الله غير مسلكهم إذ سلك بهم إلى جهنم وصارت آلهتهم عدما لأنها كانت فى الدنيا أحجارا أو خشبا أو نحاسا، وذلك هو ضلالهم وبعدهم عنهم.
(لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) أي حقا إنهم فى الآخرة أشد الناس خسرانا، إذ هم قد اعتاضوا عن نعيم الجنان، بحميم آن، وعن شرب الرحيق المختوم، بسموم وحميم، وظلّ من يحموم، وعن الحور العين، بطعام من غسلين، وعن قرب الرحمن، بعقوبة الملك الديان.
وبعد أن بين حال الكافرين وأعمالهم ومآلهم، بيّن حال المؤمنين وعاقبة أمرهم فقال:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) أي إن الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا فى الدنيا الأعمال الصالحة، فأتوا

صفحة رقم 22
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية