آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ

وهنا يحدثنا القرآن عن هؤلاء الذين كفروا بالله وآياته ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ولم يكتفوا بكفرهم، بل تمادوا وأرادوا أن يصدوا غيرهم عن الإيمان.
وبذلك تعدَّوا في الجريمة، فبعد أن أجرموا في ذواتهم؛ أرادوا لغيرهم أن يُجرم.
وسبق أن أنزل الحق سبحانه خطاباً خاصّاً بأهل الكتاب، الذين سبق لهم الإيمان برسول سابق على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ولكن أعماهم الطمع في السلطة الزمنية فطمسوا الآيات المبشرة برسول الله في كتبهم، وهم بذلك إنما صدُّوا عن سبيل الله، وأرادوا أن تسير الحياة معوجَّة.
يقول الحق سبحانه:
﴿قُلْ ياأهل الكتاب لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ٩٩].
وقد أرسل الحق سبحانه رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليعدل المُعوجَّ من أمور المنهج. والعوج هو عدم الاستقامة والسوائية، وقد يكون في القيم، وهي ما قد خفي من المعنويات، فتقول: أخلاق فلان فيها عوج، وأمانة فلان فيها عوج.
ويقول الحق سبحانه:
﴿الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا﴾ [الكهف: ١].
وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الله سبحانه:
﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ [هود: ١٩].

صفحة رقم 6404

أما في الأمور المحسة فلا يقال: «عِوَج»، بل يقال: «عَوَج، فأنت إذا رأيت شيئاً معوجاً في الأمور المحسة تقَول: عَوَج.
لكننا نقرأ في القرآن قول الحق سبحانه:
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً ولا أَمْتاً﴾ [طه: ١٠٥١٠٧].
وقد أوردها الحق سبحانه هنا بهذا الشكل لدقة الأداء القرآني؛ لأن هناك عوجاً حسياً يحسه الإنسان، مثلما يسير الإنسان في الصحراء؛ فيجد الطريق منبسطاً ثم يرتفع إلى ربوة ثم ينبسط مرة أخرى، ثم يقف في الطريق جبل، ثم ينزل إلى وادٍ، وأي إنسان يرى مثل هذا الطريق يجد فيه عوجاً.
أما إذا كنت ترى الأرض مبسوطة مسطوحة كالأرض الزراعية، فقد تظن أنها أرض مستوية، ولكنها ليست كذلك؛ بدليل أن الفلاح حين يغمر الأرض بالمياه، يجد بقعة من الأرض قد غرقت بالماء، وقطعة أخرى من نفس الأرض لهم تمسها المياه، وبذلك نعرف أن الأرض فيها عوج لحظة أن جاء الماء، والماء كما نعلم هو ميزان كل الأشياء المسطوحة.

صفحة رقم 6405

ولذلك حين نريد أن نحكم استواء جدار أو أرض، فنحن نأتي بميزان الماء؛ لأنه يمنع حدوث أي عوج مهما بلغ هذا العوج من اللطف والدقة التي قد لا تراها العين المجردة.
وفي يوم القيامة يأتي أصحاب العوج في العقيدة، ويصورهم الحق سبحانه في قوله:
﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الداعي لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمن فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً﴾ [طه: ١٠٨].
هم إذن يصطفُّون بلا اعوجاج، كما يصطف المجرمون تبعاً لأوامر من يقودهم إلى السجن، في ذلة وصَغَار ولا ينطقون إلا همساً.
وهنا يقول الحق سبحانه:
﴿الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ﴾ [هود: ١٩].
والسبب في صَدِّهم عن سبيل الله أنهم يريدون الحال مُعْوجاً ومائلاً، وأن يُنفِّروا الناس من الإيمان ليضمنوا لأنفسهم السلطة الزمنية ويفسدون في الأرض؛ لأن مجيء الإصلاح بالإيمان أمر يزعجهم تماماً، ويسلب منهم ما ينتفعون به بالفساد.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك:

صفحة رقم 6406

﴿أولئك لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض﴾

صفحة رقم 6407
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية