آيات من القرآن الكريم

فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ۚ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ

إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها غذاؤها وقوتها وهو المتكفّل بذلك فضلا لا وجوبا، وقال بعضهم:
(على) بمعنى (من) أي من الله رزقها، ويدل عليه قول مجاهد، قال: ما جاء من رزق فمن الله، وربما لم يرزقها حتى تموت جوعا، ولكن ما كان من رزق فمن الله.
وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها أي مأواها الذي تأوي إليه وتستقر فيه ليلا ونهارا، وَمُسْتَوْدَعَها الموضع الذي تودع فيه أما بموتها أو دفنها، قال ابن عباس: مُسْتَقَرَّها حيث تأوي، وَمُسْتَوْدَعَها حيث تموت، مجاهد: مُسْتَقَرَّها في الرحم وَمُسْتَوْدَعَها في الصلب، عبد الله: مُسْتَقَرَّها الرحم، وَمُسْتَوْدَعَها المكان الذي تموت فيه، الربيع: مُسْتَقَرَّها أيام حياتها، وَمُسْتَوْدَعَها حيث تموت، ومن حيث تبعث.
وقيل: يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها في الجنة أو في النار، وَمُسْتَوْدَعَها القبر، ويدلّ عليه قوله تعالى في وصف أهل الجنة والنار: حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً وساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً.
كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ كل ذلك مثبت في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقها.
[سورة هود (١١) : الآيات ٧ الى ١٦]
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١)
فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ قبل أن يخلق السماوات والأرض وذلك الماء على متن الريح. وقال كعب: خلق الله ياقوتة حمراء لا نظير لها [فنظر إليها بالهيبة] فصارت ماء، [يرتعد من مخافة الله تعالى] ثمّ خلق الريح فجعل الماء [على قشرة] «١» ثم وضع العرش على الماء. وقال ضمرة: إنّ الله تعالى كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ثم

(١) في تفسير القرطبي: ٩/ ٨، على متنها.

صفحة رقم 158

خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بالحق، وخلق القلم وكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خلقه، ثم إن ذلك الكتاب سبّح الله ومجدّه قبل أن يخلق شيئا من الخلق.
لِيَبْلُوَكُمْ ليختبركم وهو أعلم أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا
روى عبد الله بن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ليبلوكم أيّكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله» [٩٢] «١».
قال ابن عباس: أيّكم أعمل بطاعة الله. قال مقاتل: أيّكم أتقى لله، الحسن: أيّكم أزهد في الدنيا زاهدا وأقوى لها تركا.
وَلَئِنْ قُلْتَ يا محمد إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ يعنون القرآن، ومن قرأ: ساحر ردّه إلى محمد (صلى الله عليه وسلم).
وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ إلى أجل معدود ووقت محدود، وأصل الأمّة الجماعة، وإنما قيل للحين: أمّة، لأن فيه يكون الأمّة، فكأنه قال: إلى مجيء أمّة وانقراض أخرى قبلها، كقوله: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ.
لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ يقولون استعجالا للعذاب واستهزاء، يعنون أنه ليس بشيء. قال الله تعالى: أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ العذاب لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ خبر (ليس) عنهم. وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي رجع إليهم ونزل بهم وبال استهزائهم وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً سعة ونعمة ثُمَّ نَزَعْناها سلبناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ قنوط في الشدّة كَفُورٌ في النعمة.
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ بعد بلاء وشدة لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي زالت الشدائد عني إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ أشر بطر، ثم استثنى فقال: إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
فإنهم إن نالتهم شدّة وعسرة صبروا، وإن نالوا نعمة شكروا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ وهو الجنة، وإنما جاز الاستثناء مع اختلاف الحالين لأن الإنسان اسم الجنس كقوله: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا.
فَلَعَلَّكَ يا محمد تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ فلا تبلّغه إياهم، وذلك أن مشركي مكة قالوا: آتنا بكتاب ليس فيه سبّ آلهتنا.
وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لأن يقولوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ ينفقه أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ يصدّقه، قال عبد الله بن أمية المخزومي قال الله: يا أيها النذير ليس عليك إلّا البلاغ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مثله مُفْتَرَياتٍ بزعمكم وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ لفظه جمع والمراد به الرسول وحده كقوله: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ ويعني الرسول.

(١) الدرّ المنثور: ٤/ ٢١١.

صفحة رقم 159

وقال مجاهد: عنى به أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ يعني القرآن وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ لفظه استفهام ومعناه أمر.
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا أي من كان يريد بعمله الحياة الدنيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ نوفر لهم أجور أعمالهم في الدنيا وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ لا ينقصون. قتادة يقول:
من كانت الدنيا همّه وقصده وسروره وطلبته ونيّته جازاه الله تعالى ثواب حسناته في الدنيا، ثم يمضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء، وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة.
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أحسن من محسن فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ في عاجل الدنيا وآجل الآخرة» «١».
واختلفوا في المعنيّ بهذه الآية فقال بعضهم: هي للكفار، وأما المؤمن فإنه يريد الدنيا والآخرة، وإرادته الآخرة غالبة على إرادته للدنيا، ويدل عليه قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها في الدنيا وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ قال مجاهد: هم أهل الربا.
وروى ابن المبارك عن حيوة بن شريح قال: حدثني الوليد بن أبي الوليد بن عثمان أن عقبة بن مسلم حدّثه أن شقي بن قابع الأصبحي حدّثنا أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا؟ قيل: أبو هريرة.
قال: فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدّث الناس، فلما سكت وخلا، قلت:
وأنشدك الله لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [عقلته وعلمته] فقال: لأحدّثنّك حديثا حدثنيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في [هذا البيت] ثم غشي عليه ثم أفاق فقال: أحدثك حديثا حدّثنيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا البيت، ولم يكن أحد غيره وغيري، ثم شهق أبو هريرة شهقة شديدة ثم قال:
[فأرى على وجهه ثمّ استغشى] طويلا ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة دعا «٢» العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية فأول من يدعو رجل جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال. فيقول الله للقارئ: ألم أعلّمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب.
قال: ماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله تعالى له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، فيقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: فلان قارئ، فقد

(١) جامع البيان للطبري: ١٢/ ١٨، وتاريخ دمشق: ٤٧/ ٢١٤. ٢١٦.
(٢) في المصدر: ينزل إلى.

صفحة رقم 160
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية