حاله مجازاة وانتقاما قال الله تعالى ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وهذا هو المراد من قول البيضاوي وفى اختلاف الفعلين نكتة لا تخفى وفى التعبير عن ملابسة الرحمة والنعماء بالذوق الذي هو ادراك الطعم وعن ملابسة الضراء بالمس الذي هو مبدأ الوصول كأنما يلاصق البشرة من غير تأثير تنبيه على ان ما يجده الإنسان فى الدنيا من النعم والمحن كالا نموذج لما يجده فى الآخرة لَيَقُولَنَّ الإنسان ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي اى المكاره والمصائب التي ساءتنى اى فعلت بي ما اكره ولن يعترينى بعد أمثالها فان الترقب لورود أمثالها مما يكدر السرور وينغص العيش إِنَّهُ لَفَرِحٌ [شادمانست مغروريان] وهو اسم فاعل من فعل اللازم. والفرح إذا اطلق فى القرآن كان للذم وإذا كان للمدح يأتى مقيدا بما فيه خير كقوله تعالى فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ كذا فى حواشى سعدى المفتى يقول الفقير يرده قوله تعالى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً والظاهر ان كونه للمدح او للذم انما هو بحسب المقام والقرائن واعلم ان الفرح بالنعمة ونسيان المنعم فرح الغافلين والعطب الى هذا اقرب من السلامة والاهانة او فى من الكرامة قال حضرة شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة فى بعض تحريراته هو المحبوب لذاته لا لعطائه وعطاؤه محبوب لكونه محبوبا لا لنفسه ونحبه ونحب عطاءه لحبه انتهى باجمال يشير قدس سره الى الفرح بالله تعالى على كل حال فَخُورٌ على الناس بما اوتى من النعم مشغول بذلك عن القيام بحقها: قال السعدي قدس سره
چومنعم كند سفله را روزگار
نهد بر دل تنگ درويش بار
چوبام بلندش بود خودپرست
كند بول وخاشاك بر بام پست
وقال
كه اندر نعمتى مغرور وغافل
گهى از تنگ دستى خسته وريش
چودر سرا وضرا حالت اينست
ندانم كى بحق پردازى از خويش
[يعنى كى فارغ شوى از خود وبحق مشغول شوى] إِلَّا الَّذِينَ [مگر آنان كه] والاستثناء متصل صَبَرُوا على الضراء ايمانا بقضاء الله وقدره وفى الحديث (ثلاثة لا تمسهم فتنة الدنيا والآخرة المقر بالقدر والذي لا ينظر بالنجوم والمتمسك بسنتى) ومعنى الايمان بالقدر ان يعتقد ان الله تعالى قدر الخير والشر قبل خلق الخلق وان جميع الكائنات بقضائه وقدره وهو مريد لها كلها واما النظر فى النجوم فقد كان حقا فى زمن إدريس عليه السلام يدل عليه قوله تعالى خبرا عن ابراهيم عليه السلام فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ استدل بالنظر فى النجوم على انه سيسقم ثم نسخ فى زمن سليمان عليه السلام كما فى بحر الكلام وفى كتاب تعليم المتعلم علم النجوم بمنزلة المرض فتعلمه حرام لانه يضر ولا ينفع والهرب من قضاء الله تعالى وقدره غير ممكن انتهى فينبغى ان لا يصدق اهل النجوم فيما زعموا ان الاجتماعات والاتصالات الفلكية تدل على حوادث معينة وكوائن مخصوصة فى هذا العالم قال العماد الكاتب اجمع المنجمون فى سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة فى جميع البلاد
صفحة رقم 103
على خراب العالم فى شعبان عند اجتماع الكواكب الستة فى الميزان بطوفان الريح وخوّفوا بذلك ملوك الأعاجم والروم فشرعوا فى حفر مغارات ونقلوا إليها الماء والأزواد وتهيئوا فلما كانت الليلة التي عينها المنجمون للخراب بمثل ريح عاد كنا جلوسا عند السلطان والشموع تتوقد فلا تتحرك ولم نر ليلة مثلها فى ركودها ذكره الامام اليافعي وقال فى انسان العيون أول من استخرج علم النجوم إدريس عليه السلام اى علم الحوادث التي تكون فى الأرض باقتران الكواكب قال الشيخ محيى الدين بن العربي قدس سره وهو علم صحيح لا يخطئ فى نفسه وانما الناظر فى ذلك هو الذي يخطئ لعدم استيفائه النظر انتهى وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ شكرا لنعمائه الظاهرة والباطنة او السالفة والآنفة والعمل الصالح هو ما كان لوجه الله تعالى وعن عمر رضى الله عنه الشكر والصبر مطيتان ما باليت أيهما اركب يشير رضى الله عنه الى ان كل واحد من طريق الصبر والشكر موصل الى الله تعالى أُولئِكَ الموصوفون بتلك الصفات الحميدة لَهُمْ مَغْفِرَةٌ عظيمة لذنوبهم وان جمت وَأَجْرٌ ثواب لاعمالهم الحسنة كَبِيرٌ اقله الجنة كما فى تفسير البيضاوي وهو الجنة كما فى الكواشي قال سعدى المفتى وصف الاجر بقوله كبير لما احتوى عليه من النعيم السرمدي ورفع التكاليف والأمن من العذاب ورضى الله عنهم والنظر الى وجهه الكريم انتهى يقول الفقير الظاهر ان المراد بالأجر الكبير هو الجنة لان نعم الله تعالى أدناها متاع الدنيا وأعلاها رضوان الله لقوله وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ وأوسطها الجنة ونعميها فاذا وصف الرضى بالاكبرية لزم ان توصف الجنة بالكبيرية قال الكاشفى [شيخ الإسلام فرموده كه در جنت نعمتى هست كه همه نعيم بهشتى در جنب آن محقر ومختصر باشد يعنى مشاهده أنوار لقاى خدا]
ما را بهشت بهر لقاى تو در خورست
بي پرتو جمال تو جنت محقرست
وفى الآيتين إشارتان. الاولى ان من ذاق طعم بعض المقامات الالهية وشهد بعض المشاهد الربانية ثم نزع ذلك منه بشئوم خطاياه وسوء أدبه ينبغى ان لا ييأس من روح الله ولا يكفر بنعمته كأبليس بل إذا ابتلى بسدل الحجاب ورد الباب كان من شرط عبوديته ان يرجع الى ربه معترفا بظلمه على نفسه كآدم عليه السلام ليجتبيه ربه فيتوب عليه ويهديه فان من رحمة الله ونعمته على عبده انه إذا أسرف على نفسه ثم تاب ورجع الى ربه وجده غفورا رحيما. والثانية ان من ذاق برد العفو وحلاوة الطاعة ينبغى ان لا يقول صرت معصوما مطهرا مرفوع الحجاب فتعجبه نفسه فينظر إليها بنظر الاعجاب وينظر الى غيره بنظر الحقارة ويأمن مكر الله فهو فى كلتا الحالتين مذموم فى حالة اليأس وكفران النعمة وفى حالة الاعجاب بنفسه وامنه من مكر الله: قال الحافظ
زاهد غرور داشت سلامت نبرد راه
رند از ره نياز بدار السلام رفت
وقال
زاهد ايمن مشو از بازي غيرت زنهار
كه ره از صومعه تا دير مغان اين همه نيست
فالآيتان تناديان على النفس الامارة بصفاتها الرذيلة فلا بد من معالجتها وإصلاحها بما أمكن من المجاهدات أصلحها الله سبحانه وتعالى فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ- روى-
صفحة رقم 104