
تكون الأمة، وتنبتُ وتهلك. وأصل الأمة الجماعة.
ثم قال تعالى إخباراً عما علم منهم: إنهم يقولون: إذا أخرنا عنهم العذاب. ﴿لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِم﴾: أي: ليقولن هؤلاء الكفار ما يحبه، أي: شيء يمنع الذعاب أن يأتي تكذيباً منهم به. قال الله تبارك وتعالى: ﴿أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً﴾ (أي: ليس يصرفه عنهم أحد إذا جاء وقته).
﴿وَحَاقَ بِهِم﴾: أي: نزل بهم وحل ﴿مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ﴾ وهو العذاب. وقيل: المعنى: وحل بهم عقاب استهزائهم بأنبيائهم.
قوله: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً﴾ إلى قوله ﴿على كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾.
المعنى: ولئن وسعنا للإنسان في رزقه وعيشه، ثم سلبنا ذلك منه.

﴿إِنَّهُ لَيَئُوسٌ﴾: أي قنوط من الرحمة.
﴿إِنَّهُ لَيَئُوسٌ﴾: أي: " كفور لمن أنعم عليه، قليل الشكر ".
والإنسان هنا اسم للجنس، وقيل: هو للكفار خاصة.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ﴾: أي: ولئن بسطنا له في الرزق والعيش، بعد ضيق في رزقه مسه منه ضرر ﴿لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السيئات عني﴾: أي: ذهب الضيق، والعسر عني. ﴿إِنَّهُ لَفَرِحٌ﴾: أي: مرح، لا يشكر، ﴿فَخُورٌ﴾: أي يفخر بما ناله من السعة في رزقه، فينسى صروف الدنيا، وعوارضها غرَّة منه وجرأة. ﴿الله لاَ يُحِبُّ الفرحين﴾ [القصص: ٧٦]: وهذا كله من صفة الكافر.
وقد قرأ بعض أهل المدينة " لَفَرَحٌ " بضم الرَّاء، وهي لغة، كما يقال:

رجل قطِرٌ وقُطُرٌ وحذَر وحذُرٌ. ثم استثنى. تعالى ذكره من هؤلاء قوماً ليسوا على هذه الصفة فقال: ﴿إِلاَّ الذين صَبَرُواْ﴾ أي: على الضيق والعسر وحمدوا الله على ما نالهم.
﴿وَعَمِلُواْ الصالحات﴾: أي: الأعمال التي هي طاعات.
﴿أولئك لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ﴾: أي: من الله: أي: لهم مغفرة لذنوبهم، فلا يفضحهم في معادهم.
﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾: أي: ثواب عظيم على أعمالهم، وهو الجنة.
وقوله: ﴿إِلاَّ الذين﴾ هو استثناء ليس من الأول عند الأخفش بمعنى: " لكن ". فهذا في المؤمنين، والأول / في الكافرين فهما جنسان ونوعان.
وقال الفراء: هو استثناء من أذقناه، لأن الإنسان بمعنى الناس، فهو من الأول.
ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام: ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ﴾ أي: فلعلك تتْرك بعض ما يوحى إليك يا محمد، فلا تُبلغه لمن أمرت أن تبلغه إياه.