آيات من القرآن الكريم

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْخُرُوجِ عَلَى الظَّلَمَةِ وَمُنَابَذَتِهِمُ السَّيْفَ وَمُكَافَحَتِهِمْ بِالْقِتَالِ، بِعُمُومَاتٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي وُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرْنَاهَا أَخَصُّ مِنْ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ مُطْلَقًا، وَهِيَ مُتَوَاتِرَةُ الْمَعْنَى كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ لَهُ أَنَسَةٌ بِعِلْمِ السُّنَّةِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَحُطَّ عَلَى مَنْ خَرَجَ مِنَ السَّلَفِ
الصَّالِحِ مِنَ الْعِتْرَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، فَإِنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ، وَهُمْ أَتْقَى لِلَّهِ وَأَطْوَعُ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ مِنْ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَقَدْ أَفْرَطَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَالْكَرَّامِيَّةِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي الْجُمُودِ عَلَى أَحَادِيثِ الْبَابِ، حَتَّى حَكَمُوا بِأَنَّ الْحُسَيْنَ السِّبْطَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ - بَاغٍ عَلَى الْخَمِيرِ السِّكِّيرِ الْهَاتِكِ لِحُرُمِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَعَنَهُمُ اللهُ، فَيَالَلَّهِ الْعَجَبُ مِنْ مَقَالَاتٍ تَقْشَعِرُّ مِنْهَا الْجُلُودُ، وَيَتَصَدَّعُ مِنْ سَمَاعِهَا كُلُّ جُلْمُودٍ. انْتَهَى مَا فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ.
هَذَا وَإِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي عَزَاهُ إِلَى أَوَّلِ الْبَابِ هُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ " هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ لُزُومِ الْجَمَاعَةِ وَإِمَامِهِمُ الَّذِي بَايَعُوهُ وَاجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَيْهِ، أَخَصُّ مِمَّا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ عَنِ الْعُلَمَاءِ فِي أُمَرَاءِ الْجَوْرِ، وَقَدْ قَالُوا فِي مَعْنَى مَوْتِهِ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً: إِنَّهُ يَمُوتُ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لِإِمَامٍ يَلْتَزِمُهَا مَعَ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، فَيَكُونُ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْفَوْضَى لَا أَنَّهُ يَكُونُ كَافِرًا اهـ.
وَكُلُّ هَذَا فِي خُرُوجِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ أَوِ الْفِئَاتِ عَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَجَمَاعَتِهِمْ بِشَقِّ عَصَا الطَّاعَةِ، وَتَفْرِيقِ شَمْلِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ الْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ ظَالِمًا، فَإِنْ كَفَّ الْإِمَامُ عَنِ الظُّلْمِ وَلَوْ بِالْعَزْلِ فَهُوَ حَقُّ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ الَّذِينَ هُمْ مَحَلُّ ثِقَةِ الْأُمَّةِ، الَّذِينَ يُمَثِّلُونَ الرَّأْيَ الْعَامَّ فِيهَا، الَّذِينَ عَنَاهُمْ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ فِي خُطْبَتِهِ الْأُولَى عَقِبَ مُبَايَعَتِهِ: " فَإِذَا اسْتَقَمْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِذَا زُغْتُ فَقَوِّمُونِي ".
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.

صفحة رقم 153

هَذَا أَمْرٌ بِأَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ وَبِأَعْظَمِ الْأَخْلَاقِ، اللَّذَيْنِ يُسْتَعَانُ بِهِمَا عَلَى مَا قَبْلَهُمَا مِنَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِقَامَةِ وَالنَّهْيِ عَنِ الطُّغْيَانِ وَالرُّكُونِ إِلَى أُولِي الظُّلْمِ، وَلِذَلِكَ عُطِفَا عَلَيْهِمَا.
- وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ - خَصَّ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ بِالذِّكْرِ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ الْعَامَّةِ الْمُجْمَلَةِ، لِأَنَّهَا رَأْسُ الْعِبَادَاتِ الْمُغَذِّيَةِ لِلْإِيمَانِ وَالْمُعِينَةِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ، أَيْ: أَدِّهَا عَلَى الْوَجْهِ الْقَوِيمِ وَأَدِمْهَا فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ، طَرَفُ الشَّيْءِ وَالزَّمَنِ النَّاحِيَةُ وَالطَّائِفَةُ مِنْهُ وَنِهَايَتُهُ، فَطَرَفَا النَّهَارِ هُنَا الْبُكْرَةُ وَالْأَصِيلُ أَوِ الْغُدُوُّ وَالْعَشِيُّ، وَقَدْ أَمَرَنَا - تَعَالَى - فِي التَّنْزِيلِ بِالذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ فِيهِمَا: - وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ - أَيْ: وَفِي زُلَفٍ مِنَ اللَّيْلِ، جَمْعُ زُلْفَةٍ، وَهِيَ بِالضَّمِّ كَقُرَبٍ جَمْعُ قُرْبَةٍ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَتُطْلَقُ كَمَا فِي مَعَاجِمِ اللُّغَةِ عَلَى الطَّائِفَةِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ لِقُرْبِهَا مِنَ النَّهَارِ، وَقَالُوا: الزُّلَفُ سَاعَاتُ اللَّيْلِ الْآخِذَةُ مِنَ النَّهَارِ، وَسَاعَاتُ النَّهَارِ الْآخِذَةُ مِنَ اللَّيْلِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ صَلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ الْمَغْرِبُ وَالْغَدَاةُ (أَيِ الْفَجْرُ) وَزُلَفُ اللَّيْلِ الْعَتَمَةُ (أَيِ الْعَشَاءُ)، وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّ صَلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ الْفَجْرُ وَالْعَصْرُ، وَقَالَ فِي زُلَفِ اللَّيْلِ هُمَا زُلْفَتَانِ: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ، وَصَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هُمَا زُلْفَتَا اللَّيْلِ " وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى اللُّغَةِ مِمَّا قَبْلَهُ، فَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فَلَا مَعْدِلَ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ مِنْ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ فَيُبْحَثُ عَمَّنْ رَفَعَهُ، وَأَدْخَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ ; إِذْ يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى وَقْتُهَا طَرَفًا بِمَعْنَى أَنَّهُ طَائِفَةٌ وَنَاحِيَةٌ مِنَ النَّهَارِ يَفْصِلُهَا مِنْ غَيْرِهَا زَوَالُ الشَّمْسِ، وَلَكِنَّهُ طَرَفٌ ثَالِثٌ، وَاللَّفْظُ هَنَا مُثَنَّى، وَفِي سُورَةِ طه: - وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى - ٢٠: ١٣٠ فَجَمَعَ الْأَطْرَافَ بَعْدَ ذِكْرِ الطَّرَفَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ بِالْمَعْنَى، وَهُمَا وَقْتَا صَلَاتَيِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ.
وَالْأَظْهَرُ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّ ذِكْرَ اللهِ - تَعَالَى - وَتَسْبِيحَهُ الْمُطْلَقَ فِيهَا عَامٌّ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَغَيْرُهَا، وَالْآيَةُ الصَّرِيحَةُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: - فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ - ٣٠: ١٧ و١٤٨ تُمْسُونَ تَدْخُلُونَ فِي الْمَسَاءِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ، نَقَلَهُ فِي الْمِصْبَاحِ عَنِ ابْنِ الْقُوطِيَّةِ، ذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِثْلَ هَذَا فِي تَفْسِيرِ الْعَشِيِّ، وَهُوَ غَلَطٌ سَبَبُهُ اشْتِرَاكُ الْوَقْتَيْنِ بِاتِّصَالِ آخِرِ الْمَسَاءِ بِأَوَّلِ الْعَشِيِّ، وَهُوَ أَوَّلُ اللَّيْلِ حَيْثُ يَخْتَلِطُ النُّورُ بِالظَّلَامِ، فَصَلَاةُ الْمَغْرِبِ الْعِشَاءُ الْأُولَى، وَصَلَاةُ الْعَتَمَةِ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ الَّتِي يَزُولُ عِنْدَهَا الشَّفَقُ، وَهُوَ آخِرُ أَثَرٍ لِنُورِ النَّهَارِ، وَفِي مَعْنَى هَذَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: - أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ - ١٧: ٧٨ الْآيَةَ، فَدُلُوكُ الشَّمْسِ
زَوَالُهَا، أَيْ أَقِمْهَا لِأَوَّلِ وَقْتِهَا هَذَا وَفِيهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ، مُنْتَهِيًا إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَهُوَ ابْتِدَاءُ ظُلْمَتِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَالْعِشَائَيْنِ، وَأَقِمْ صَلَاةَ الْفَجْرِ.

صفحة رقم 154

إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ - الْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ قَبْلَهَا مُبَيِّنٌ لِحِكْمَتِهِ وَفَائِدَتِهِ.
وَمَعْنَاهَا: أَنَّ لِلْأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ مِنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَإِصْلَاحِهَا، مَا يَمْحُو مِنْهَا تَأْثِيرَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ وَإِفْسَادِهَا، رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ تَفْسِيرُ الْحَسَنَاتِ فِيهَا بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، زَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ: - وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ - وَلَا غَرْوَ، فَالصَّلَاةُ أَعْظَمُ الْحَسَنَاتِ، وَأَكْبَرُ الْعِبَادَاتِ الْمُكَفِّرَةِ لِلسَّيِّئَاتِ، وَلَكِنْ لَفْظُ الْحَسَنَاتِ عَامٌّ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ حَتَّى التُّرُوكِ فَإِنَّهَا عَمَلٌ نَفْسِيٌّ، وَمِنْهُ: - إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا - ٤: ٣١ وَفِي الْحَدِيثِ: " وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا " - ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ - أَيْ: إِنَّ فِيمَا ذُكِرَ مِنَ الْوَصَايَا مِنَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِقَامَةِ إِلَى هُنَا لَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّعِظِينَ الَّذِينَ يُرَاقِبُونَ اللهَ وَلَا يَنْسَوْنَهُ.
وَقَدْ فَسَّرُوا السَّيِّئَاتِ هُنَا بِالصَّغَائِرِ، وَأَيَّدُوهُ بِمَا رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ كَأَنَّهُ يَسْأَلُهُ عَنْ كَفَّارَتِهَا فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: - وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ - إِلَخْ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلِي هَذِهِ؟ قَالَ: " هِيَ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ، وَأَشْهَرُ رُوَاةِ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِغَيْرِ الْبُخَارِيِّ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْهُمْ - أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ لِلنَّبِيِّ: إِنَّنِي وَجَدْتُ امْرَأَةً فِي الْبُسْتَانِ فَفَعَلْتُ بِهَا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أُجَامِعْهَا، قَبَّلْتُهَا وَلَزِمْتُهَا وَلَمْ أَفْعَلْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَافْعَلْ بِي مَا شِئْتَ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا، فَذَهَبَ الرَّجُلُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَ اللهُ عَلَيْهِ لَوْ سَتَرَ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَتْبَعَهُ رَسُولُ اللهِ بَصَرَهُ فَقَالَ: " رُدُّوهُ عَلَيَّ " فَرَدُّوهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ: - وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ - الْآيَةَ. فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَهُ وَحْدَهُ أَمْ لِلنَّاسِ كَافَّةً؟ قَالَ: " بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً " وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ، وَهُنَالِكَ رِوَايَاتٌ أُخْرَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ
مَغْزَاهُ، وَقَدْ سُمِّيَ الرَّجُلُ فِي بَعْضِهَا بِأَبِي الْيَسَرِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا رَسُولَ اللهِ أَقِمْ فِيَّ حَدَّ اللهِ - مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ - فَأَعْرَضُ عَنْهُ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا قَالَ: " أَيْنَ الرَّجُلُ "؟ قَالَ: أَنَا ذَا، قَالَ: " أَتْمَمْتَ الْوُضُوءَ وَصَلَّيْتَ مَعَنَا آنِفًا "؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: " فَإِنَّكَ خَرَجْتَ مِنْ خَطِيئَتِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ فَلَا تَعُدْ " وَالْمُرَادُ: خَرَجْتَ مِنْ خَطِيئَتِكَ الَّتِي طَلَبْتَ تَكْفِيرَهَا بِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَهِيَ لَا حَدَّ فِيهَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي تَكْفِيرِهَا التَّوْبَةُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي يُزَكِّي النَّفْسَ، وَمِنْ أَعْظَمِهَا الْوُضُوءُ التَّامُّ وَإِقَامَةُ الصَّلَاةُ، وَقَدْ تَابَ الرَّجُلُ تَوْبَةً نَصُوحًا؛ بِدَلِيلِ طَلَبِهِ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَالتَّوْبَةُ مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ تُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ

صفحة رقم 155
تفسير المنار
عرض الكتاب
المؤلف
محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني
الناشر
1990 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية