آيات من القرآن الكريم

وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ
ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ

[سورة هود (١١) : الآيات ٨٤ الى ١٠٩]

وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨)
وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣)
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨)
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١) وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣)
وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩)
وَإِلى مَدْيَنَ يعني وأرسلنا إلى قوم مدين بن إبراهيم، أَخاهُمْ شُعَيْباً بن شرون بن أيوب بن مدين بن إبراهيم.
قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ وكانوا يطفّفون

صفحة رقم 185

إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ قال ابن عباس (رضي الله عنه) : موسرين في نعمة، الحسن: الغنى ورخص السعر، قتادة: المال وزينة الدنيا، الضحاك: رغد العيش وكثرة المال، مجاهد: خصب وسعة، وغيرهم في غلاء السعر وزوال النعمة وحلول النقمة إن لم يتوبوا وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ محيط بكم فلا يفلت منكم أحد.
وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ اكتالوا بالقسط وَلا تَبْخَسُوا ولا تنقصوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قال ابن عباس: ما أبقى الله لكم من الحلال، وإيفاء الكيل والوزن خير من البخس والتطفيف «١»، قال مجاهد:
الطاعة، سفيان «٢» : رزق الله، قتادة: حظكم من ربكم، ابن زيد: الهلاك في العذاب والبقية:
الرحمة، الفرّاء: مراقبة الله وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ وإنما قال هذا لأن شعيبا لم يؤمر بالقتال.
قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا من الأوثان، قال ابن عباس:
كان شعيب كثير الصلاة لذلك قالوا هذا، قال الأعمش: يعني قراءتك أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا يعني أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء، وقرأ بعضهم: تفعل وتشاء بالتاء يعني:
تأمرك أن تفعل في أموالنا ما تشاء فيكون راجعا إلى الأمر لا إلى الترك.
قال أهل التفسير: كان هذا نهيا لهم عنه وعذبوا لأجله قطع الدنانير والدراهم. فلذلك قالوا: وأن نفعل ما نشاء إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ قال ابن عباس: السفيه الغاوي. قال القاضي: والعرب تصف الشيء بضده، للتطير والفأل كما قيل للديغ: سليم، وللفأرة: مفازة.
وقيل: هو على الاستهزاء، كقولهم للحبشي: أبو البيضاء، وللأبيض: أبو الجون، ومنه قول خزنة النار لأبي جهل: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ. وقيل: معناه الحليم الرشيد بزعمك وعند كن ومثله في صفة أبي جهل، وقال ابن كيسان: هو على الصحة أي أنّك يا شعيب لنا حليم رشيد، فليس يجمل بك شق عصا قومك ولا مخالفة دينهم، كقول قوم صالح له: يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا.
قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ حجّة وبصيرة وبيان وبرهان مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً حلالا طيبا من غير بخس ولا تطفيف، وقيل: علما ومعرفة وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ ما أريد أن أنهاكم عن أمر وأرتكبه إِنْ أُرِيدُ ما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ أي أرجع فيما ينزل بي من النوائب، وقيل: إليه أرجع في الآخرة.

(١) وهو نقص المكيال والميزان.
(٢) زاد المسير: ٤/ ١١٦.

صفحة رقم 186

وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ لا يحملنكم شِقاقِي خلافي وفراقي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ من العذاب وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ وذلك أنهم كانوا حديثي عهد بهلاك قوم لوط، وقيل: ما دار قوم لوط منكم ببعيد وَيا قوم اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ محبّ المؤمنين، وقيل: مودود للمؤمنين ومحبوبهم.
قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وذلك أنه كان ضريرا، قال سفيان: كان ضعيف البصر، وكان يقال له خطيب الأنبياء وَلَوْلا رَهْطُكَ عشيرتك وكان في عزة ومنعة من قومه لَرَجَمْناكَ لقتلناك وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا قيل: الهاء راجعة إلى الله وقيل: إلى أمر الله وما جاء به شعيب، أي نبذتموه وراء ظهوركم وتركتموه، يقال: جعلت أمري بظهر إذا قصر في أمره وأخلّ بحقه.
إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ أي تؤدتكم ومكانكم، يقال:
فلان يعمل على مكانته ومكنته إذا عمل على تؤدّه تمكن. ويقال: مكن يمكن مكنا مكانا ومكانة، إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ أيّنا الجاني على نفسه، والأخطى في فعله، وذلك قوله مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ قيل:
(مَنْ) في محل النصب أي فسوف تعلمون من هو كاذب، وقيل: ويخزي من هو كاذب، وقيل: محله رفع تقديره: ومن هو كاذب فيعلم كذبه ويذوق وبال أمره ف ارْتَقِبُوا وانتظروا العذاب إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ منتظر.
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ صيحة من السماء أخذتهم وأهلكتهم، ويقال: إن جبريل صاح بهم صيحة فخرجت أرواحهم من أجسادهم.
فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ ميتين ساقطين هلكى صرعى كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا يكونوا فِيها أَلا بُعْداً هلاكا وغضبا لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ هلكت ثَمُودُ وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ حجة بيّنة إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وخالفوا أمر موسى وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قَوْمَهُ أي يتقدمهم ويقودهم إلى النار يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ وبئس المدخل المدخول فيه.
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ العون المعان، وذلك أنه ترادفت عليهم اللعنات، لعنة في الدنيا، ولعنة في الآخرة.
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ خراب، ابن عباس: قائِمٌ ينظرون إليه، وَحَصِيدٌ قد خرب وهلك أهله، مقاتل: قائِمٌ يعني له أثر، وَحَصِيدٌ لا أثر له، مجاهد:

صفحة رقم 187

قائِمٌ: خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَحَصِيدٌ: مستأصل يعني محصودا كالزرع إذا حصد، قال قتادة:
القائم منها لم يذهب أصلا، ومنها حصيد قد ذهب أصلا، القرضي: مِنْها قائِمٌ بجدرانها وحيطانها، وحصيد: ساقط، محمد بن إسحاق: منها قائم يعني [.....] «١» وأمثالها من القرى التي لم تهلك، وَحَصِيدٌ يعني التي قد أهلكت.
وَما ظَلَمْناهُمْ بالعذاب والإهلاك وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالكفر والمعصية يظلمون فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ (مِنْ شَيْءٍ) لَمَّا جاءَ أَمْرُ عذاب رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ غير تخسير.
وَكَذلِكَ وهكذا أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ نظير قوله: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ».
إِنَّ فِي ذلِكَ لعبرة وعظة لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يعني يوم القيامة يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ قال عبد الله بن مسعود لأصحابه: إنكم مجموعون يوم القيامة في صعيد واحد تسمعون الداعي [......] «٣» وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ يشهده أهل السماء وأهل الأرض.
وَما نُؤَخِّرُهُ يعني وما نؤخّر ذلك اليوم ولا نقيم عليكم القيامة إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ أي مؤقّت لا يتقدم ولا يتأخر يَوْمَ يَأْتِ وقرئ بإثبات الياء وحذفه، وهما لغتان وحذف الياء له طريقان كالكسرة عن الياء «٤» والضمة من الواو، كقول الشاعر:

كفاك كفّ ما تليق ودرهما جودا وأخرى تعط بالسيف الدما «٥»
لا تَكَلَّمُ أي: لا تتكلم نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ نظير تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ أي: تتنزل.
قال لبيد:
والعين ساكبة على أطلائها عوذا تأجّل بالفضاء بهامها «٦»
[أي تتأجل].
فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ قال ابن عباس: فمنهم شقي كتبت عليه السعادة،
وروى عبد الله ابن دينار عن ابن عمر عن عمر، قال: لمّا نزلت هذه الآية سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا نبي الله
(١) كلمة غير مقروءة.
(٢) سورة البروج: ١٢.
(٣) كلمة غير مقروءة.
(٤) نحو: لا أدر.
(٥) لسان العرب: ١٠/ ٣٣٤.
(٦) لسان العرب: ١١/ ١١.

صفحة رقم 188

فعلى ما عملنا، على شيء فرغ منه أو على شيء لم يفرغ منه؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «على شيء قد فرغ منه يا عمر، وجرت به الأقلام ولكن كلّ ميسّر لما خلق له» [١٠٢] «١».
وروي عنه (عليه السلام) :«الشقي من شقي في بطن أمّه، والسعيد من سعد في بطن أمّه» [١٠٣] «٢».
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ خالدين فيها لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ قال ابن عباس: الزفير:
الصوت الشديد، والشهيق: الصوت الضعيف، الضحّاك ومقاتل: الزفير: أول نهيق الحمار، والشهيق آخره حين يفرغ من صوته إذا ردّده في الجوف. أبو العالية: الزفير في الحلق، والشهيق في الصدر خالِدِينَ لابثين ومقيمين فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ يسمى هنا (ما) الوقت.
قال ابن عباس: ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ من ابتدائها إلى وقت فنائها، قال الضحّاك:
ما دامت سماوات الجنة والنار وأرضهما، وكل ما علاك فأظلّك فهو سماء، وكل ما استقرت عليه قدمك فهو أرض.
قال الحسين: أراد ما دامت الآخرة كدوام السماء والأرض في الدنيا قدر مدة بقائها، قال أهل المعاني: العرب [... ] «٣» في معنى التأبيد والخلود، يقولون: هو باق ما [... ] «٤» وأطت الإبل، وأينع الثمر، وأورق الشجر، ومجن الليل وسال سيل، وطرق طارق، وذرّ شارقن ونطق ناطق، وما اختلف الليل والنهار، وما اختلف الذرة والجمرة، وما دام عسيب، وما لألأت العفراء ونابها، وما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ، فخاطبهم الله تعالى بما تعارفوا بينهم.
ثم استثنى فقال: إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ اختلف العلماء في هذين الاستثناءين، من أهل الشقاوة أو من أهل السعادة، فقال بعضهم هو في أهل التوحيد الذين يخرجهم الله من النار.
قال ابن عباس: وما شاءَ رَبُّكَ أن يخرج أهل التوحيد منها، وقال في قوله في وصف السعداء: إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ أن يخلدهم في الجنة، وقال قتادة: في هذه الآية الله أعلم بها، وذكر لنا أن ما أقوله سيصيبهم سفع من النار بذنوب اقترفوها ثم يخرجهم الله منها، وعلى هذا القول يكون استثناء من غير جنسه لأن الأشقياء في الحقيقة هم الكافرون، والسعداء في الحقيقة هم المؤمنون.

(١) مسند أحمد: ١/ ٦.
(٢) مجمع الزوائد: ٧/ ١٩٣، وتأويل مختلف الحديث: ١٣.
(٣) كلام غير مقروء. [.....]
(٤) كلمة غير مقروءة.

صفحة رقم 189

وقال أبو مجلز: هو جزاؤه إلّا أن يشاء ربك أن يتجاوز عنهم، ولا يدخلهم النار، وفي وصف السعداء إلّا ما شاء ربك بقاءهم في الجنة. قال ابن مسعود: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ، لا يموتون فيها ولا يخرجون منها إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ. وهو أن يأمر النار أن تأكلهم وتفنيهم ثم يجدّد خلقهم.
قال: وليأتين على جهنم زمان تغلق أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فِيها أَحْقاباً، وقال الشعبي: جهنم أسرع الدارين عمرا وأسرعهما خرابا، وقال ابن زيد: في هذه الآية أخبرنا بالذي أنشأ لأهل الجنة فقال: هذا غير مجذوذ، ولم يخبرنا بالذي أنشأ لأهل النار، وقال ابن كيسان: إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ من الفريقين من تعميرهم في الدنيا قبل مصيرهم إلى الجنة والنار، وقيل: ما شاءَ رَبُّكَ من احتباس الفريقين في البرزخ ما بين الموت والبعث.
الزجّاج: في هذه الآية أربعة أقوال: قولان منها لأهل اللغة، وقولان لأهل المعاني، فأمّا أحد قولي أهل اللغة فإنهم قالوا: إِلَّا هاهنا بمعنى سوى كما يقال في الكلام: ما كان معنا رجل إلّا زيد، ولي عليك ألف درهم إلّا الألفان التي لي عليك، فالمعنى ما دامت السماوات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلود، والقول الثاني: إنّه استثنى من الإخراج وهو لا يريد أن يخرجهم منها، كما يقول في الكلام: أردت أن أفعل كذا إلّا أن أشاء غيره، وأنت مقيم على ذلك الفعل، والمعنى أنّه لو شاء أن يخرجهم لأخرجهم، ولكنّه أعلمهم أنهم خالدون فيها، قال الزجّاج: فهذان مذهبا أهل اللغة.
وأما قولا أهل المعاني، فإنهم قالوا: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ من مقدار مواقفهم على رأس قبورهم وللمحاسبة إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ من زيادة النعيم لأهل النعيم، وزيادة العذاب لأهل الجحيم، وقال الفراء: معناه: وقد شاء ربك خلود هؤلاء في النار وهؤلاء في الجنة، وإِلَّا بمعنى الواو سائغ جائز في اللغة، قال الله تعالى لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ومعناه، ولا الذين ظلموا، وأنشدني أبو ثروان:

من كان أشرك في تفرّق فالج فلبونه جربت معا وأغدت
إلّا كناشرة الذي ضيعتم كالغصن في غلوائه المثبت «١»
معناه، لكن هنا كناشرة، وهي كاسم قبيلة، وقال: معناه كما شاء ربك كقوله وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ معناه كما قد سلف.
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا قرأ أهل الكوفة: (سعدوا) بضم السين أي رزقوا السعادة، وسعد وأسعد بمعنى واحد، وقرأ الباقون بفتح السين قياسا على الذين شقوا، واختاره أبو عبيد وأبو
(١) لسان العرب: ٢/ ٩٥، وتاج العروس: ١/ ٥٩.

صفحة رقم 190
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية