آيات من القرآن الكريم

وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ

٢- ليس مسلك فرعون وغيره من الفراعنة المتألهين بسديد يؤدي إلى الصواب، ولا بمرشد إلى خير، وإنما هو غيّ وضلال، وكفر وفساد.
٣- كل قائد إلى الضلال في الدنيا قائد إلى النار يوم القيامة، وله عذاب مضاعف.
٤- لفرعون وآله فوق عذاب جهنم لعنتان: في الدنيا والآخرة، وهم معذبون في قبورهم عذابا شديدا، ويعرضون فيها على النار صباحا ومساء.
٥- بئست عاقبة الكافرين، وبئس العطاء المعطى لهم وهو نار جهنم، الموصوفة في قوله تعالى: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ، يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ، وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ [الحج ٢٢/ ١٩- ٢٢].
العبرة من قصص الأمم الظالمة في الدنيا
[سورة هود (١١) : الآيات ١٠٠ الى ١٠٢]
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١) وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢)
الإعراب:
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ مبتدأ وخبر، أو على إضمار مبتدأ أي الأمر ذلك، وذلك: يشار به إلى الواحد والاثنين والجماعة. نَقُصُّهُ عَلَيْكَ خبر بعد خبر، أي ذلك النبأ بعض أنباء القرى المهلكة مقصوص عليك.
مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ جملة مستأنفة لا محل لها، أي بعضها باق وبعضها عافي الأثر كالزرع القائم على ساقه والذي حصد.

صفحة رقم 141

وَهِيَ ظالِمَةٌ حال من القرى.
البلاغة:
مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ استعارة مكنية، شبه الباقي من آثار القرى بعد تدميرها بالزرع القائم على ساقه، وشبه ما دمّر مع أهله بالزرع المحصود.
وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بينهما طباق السلب.
إِذا أَخَذَ الْقُرى مجاز مرسل، أطلق المحل وأراد الحالّ وهو أهل القرى.
المفردات اللغوية:
ذلِكَ النبأ المذكور سابقا. مِنْ أَنْباءِ الْقُرى المهلكة. نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مقصوص عليك يا محمد. مِنْها أي من تلك القرى. قائِمٌ باق كالزرع القائم، وهلك أهله دونه.
وَحَصِيدٌ أي ومن القرى زال أثره وهلك بأهله، فلا أثر له كالزرع المحصود بالمناجل.
وَما ظَلَمْناهُمْ بإهلاكهم بغير ذنب. وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالشرك الذي عرضوها به للعذاب. فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ فما نفعتهم ولا قدرت أن تدفع عنهم، بل ضرتهم. آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ التي يعبدون. مِنْ دُونِ اللَّهِ أي غيره. مِنْ شَيْءٍ من صلة زائدة. لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ حين جاءهم عذابه ونقمته. وَما زادُوهُمْ بعبادتهم لها. غَيْرَ تَتْبِيبٍ غير هلاك أو تخسير.
وَكَذلِكَ ومثل ذلك الأخذ. إِذا أَخَذَ الْقُرى أي أهلها. وَهِيَ ظالِمَةٌ بالذنوب، فلا يغني عنهم من أخذهم شي. إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ووجيع غير مرجوّ الخلاص منه، وهو مبالغة في التهديد والتحذير.
المناسبة:
المناسبة ظاهرة بين هذه الآيات وما قبلها من الآيات، فبعد أن ذكر الله تعالى قصص الأنبياء مع الأمم السابقة (وهي سبع قصة نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب، وموسى عليه السّلام) قال منبها إلى ما فيها من العظة والعبرة: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ، مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ.
فيتعلم منها الإنسان أسلوب الجدال ومقارعة الحجة بالحجة، وتأييد الأدلة

صفحة رقم 142

العقلية بالقصص الواقعية، ويتهيأ السامع والقارئ للاستفادة من عبرها وعظاتها، فيلين قلبه، وترق نفسه، وتخشع جوارحه لذكر الله ويرهب عذابه للعصاة، ويعلم أن المؤمن يخرج من الدنيا مع الثناء الجميل فيها، والثواب الجزيل في الآخرة، وأن الكافر يخرج من الدنيا مع اللعن فيها، والعقاب في الآخرة.
وهي دليل على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم، لإخباره عن تلك القصص من غير مطالعة كتب، ولا مدارسة مع معلم، ولا تلمذة لأحد، وهي معجزة عظيمة تدل على النبوة، كما قال تعالى: ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى، وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ.. [يوسف ١٢/ ١١١] «١».
التفسير والبيان:
لما أخبر الله تعالى عن الأنبياء وما جرى لهم مع أممهم، وكيف أهلك الكافرين، ونجى المؤمنين قال: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى أي ذلك النبأ المذكور بعض أنباء القرى المهلكة مقصوص عليك يا محمد، لتخبر به الناس، ويتلوه المؤمنون إلى يوم القيامة تبليغا عنك. وقوله ذلِكَ إشارة إلى الغائب، والمراد به هنا الإشارة إلى القصص المتقدمة، وهي حاضرة، كما في قوله: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة ٢/ ٢].
من تلك القرى ما له أثر باق كالزرع القائم على ساقه، كقوم صالح، ومنها ما عفا أثره ودرس حتى لم يعد له أثر كالزرع المحصود، مثل قرى قوم لوط.
وما ظلمناهم بإهلاكهم من غير ذنب، ولكن ظلموا أنفسهم بتكذيبهم رسلنا وكفرهم بهم، وشركهم وإفسادهم في الأرض، وثقتهم أن آلهتهم المزعومة تدفع عنهم

(١) تفسير الرازي: ١٨/ ٥٥ [.....]

صفحة رقم 143

المخاوف والمخاطر والمحاذير. فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ.. فما نفعتهم شيئا ولا دفعت عنهم بأس الله، بل ضرتهم أوثانهم التي كانوا يعبدونها ويدعونها من دون الله أو غيره، فما نفعوهم ولا أنقذوهم بإهلاكهم. وفي قوله تعالى: الَّتِي يَدْعُونَ حذف، أي التي كانوا يدعون أي يعبدون. وقوله: وَما زادُوهُمْ فيه إضمار ومضاف محذوف أي ما زادتهم عبادة الأصنام.
وما زادوهم غير تخسير وهلاك لأن سبب هلاكهم ودمارهم إنما كان باتباعهم تلك الآلهة، فخسروا الدنيا والآخرة.
ومثل ذلك الأخذ بالعذاب، وكما أهلكنا أولئك القرون الظالمة المكذبة لرسلنا، كذلك نفعل بأشباههم، فنأخذ القرى ونهلكها وهي في حالة الظلم الشديد، إن أخذه وجيع شديد لا يرجى منه الخلاص. وهو إنذار وتحذير من سوء عاقبة الظلم. وفي قوله: وَهِيَ ظالِمَةٌ مضاف محذوف أي وأهلها ظالمون، مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف ١٢/ ٨٢]. ومعنى: إن أخذه أليم شديد أي عقوبته لأهل الشرك موجعة غليظة.
ورد في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه، لم يفلته، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ الآية».
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يأتي:
١- فائدة القصص القرآني العظة والاعتبار، فإن كل من يشاهد آثار تلك القرى المهلكة، أو يعلم بما حدث لها من غير وجود أثر ظاهر، يأخذه الخوف والوجل والرهبة، ويخشى أن يتعرض لما تعرض له الأقدمون من عذاب مخيف.

صفحة رقم 144
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية