آيات من القرآن الكريم

أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ۗ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ ۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ

والبشرى: هي الخبر السارّ أو البشارة السارّة بالخير والفضل والمكافأة، وقد جمعت هذه البشرى بين سعادتي الدنيا والآخرة، ففي الدنيا: النصر والعز والثناء الحسن، وفي الآخرة: الفوز والنجاة والظفر بالجنة ونعيمها الأبدي الخالد.
ولا خلف لوعد الله، ولا تبديل لأخباره، فلا ينسخها شيء، ولا تكون إلا كما قال، فما أجلّ ذلك، وما أكرم الله المبشّر وأحبّه إلى عباده، وما أسعد المبشّرين! جعلنا الله منهم.
العزة والملك لله تعالى وفائدة جعله الليل والنهار
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٦٥ الى ٦٧]
وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧)
الإعراب:
وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ.. ما: إما بمعنى الذي، وإما بمعنى النفي، وإما بمعنى الاستفهام. فإن كانت بمعنى الذي فهي معطوفة بالنصب على مَنْ أي، ألا إن لله تعالى الأصنام الذين تدعونهم من دون الله شركاء، فحذف العائد من الصلة. وشُرَكاءَ: حال من ذلك المحذوف.
وإن كانت نفيا وهو الظاهر كانت حرفا، والتقدير: وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إلا الظن. وانتصب شركاء ب يَدْعُونَ، والعائد إلى الَّذِينَ الواو في يَدْعُونَ

صفحة رقم 214

ومفعول يَتَّبِعُ قام مقامه: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، ولا ينتصب الشركاء ب يَتَّبِعُ لأنك تنفي عنهم ذلك، والله تعالى قد أخبر به عنهم.
وإن كانت ما بمعنى الاستفهام، والمراد به الإنكار والتوبيخ، كانت اسما في موضع نصب ب يَتَّبِعُ، وتقديره: وأي شيء يتبع الذين يدعون.
البلاغة:
وَالنَّهارَ مُبْصِراً استعارة، شبه النهار بالإنسان لأن الناس يبصرون فيه، فكأن ذلك صفة الشيء بما هو سبب له أي للإبصار على طريق المبالغة، كما قالوا: ليل أعمى وليلة عمياء، إذا لم يبصر الناس فيها شيئا لشدة إظلامها.
المفردات اللغوية:
وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إشراكهم وتهديدهم وتكذيبهم وقولهم لك: لست مرسلا إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ استئناف بمعنى التعليل، والْعِزَّةَ: الغلبة والقوة والمنعة هُوَ السَّمِيعُ لأقوالهم الْعَلِيمُ بعزماتهم وأفعالهم، فيجازيهم عليها وينصرك عليهم.
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ من الملائكة والثقلين: الإنس والجن، ملكا وخلقا وعبيدا. قال البيضاوي: وإذا كان هؤلاء الذين هم أشرف الممكنات عبيدا، لا يصلح أحد منهم للربوبية، فما لا يعقل منها- وهي الأصنام- أحق ألا يكون له ندا وشريكا، فهو كالدليل على قوله. وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ يعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ أي غيره أصناما شُرَكاءَ له على الحقيقة، تعالى الله عن ذلك إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ أي ما يتبعون في ذلك يقينا، وإنما يتبعون ظنهم أنها شركاء، أو أنها آلهة تشفع لهم وَإِنْ هُمْ ما هم إِلَّا يَخْرُصُونَ أي يكذبون فيما ينسبون إلى الله، فيستعمل الخرص بمعنى الكذب لأنه يغلب فيه الحزر والتخمين، والأصل في الخرص:
الحزر والتقدير، ويجوز أن يراد: يحزرون ويقدرون أنها شركاء تقديرا باطلا.
وَالنَّهارَ مُبْصِراً أي ذا إبصار، وإسناد الإبصار إلى النهار مجاز لأنه يبصر الناس فيه، وإنما قال مبصرا، ولم يقل: لتبصروا فيه، تفرقة بين الظرف المجرد والظرف الذي هو سبب لَآياتٍ دلالات على وحدانيته تعالى لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ سماع تدبر واعتبار أو اتعاظ.
المناسبة:
بعد أن أورد الله تعالى أنواع شبهات المشركين في هذه السورة، وأجاب

صفحة رقم 215

عنها، ذكر أنهم عدلوا إلى طريق آخر، وهو التهديد والتخويف بأنهم أصحاب السلطة والمال، فأجابهم الله عن ذلك بقوله: وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ تبشيرا له بالنصر عليهم، كما أنه تعالى مهد لذلك في بيان صفة الأولياء وبشارتهم في الآيات المتقدمة، إيماء إلى الوعد بالنصر على الأعداء في مكة المغترين بقوتهم، المكذبين بوعد الله.
التفسير والبيان:
ولا يحزنك أيها الرسول قول هؤلاء المشركين: لست مرسلا، وغيره من إشراك وتكذيب وتهديد بأنهم أصحاب القوة والمال، واستعن بالله عليهم، وتوكل عليه، فإن العزة أي الغلبة والقوة والقهر لله تعالى جميعا، أي جميعها له، وأما إثبات العزة لرسوله وللمؤمنين ففي آية أخرى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون ٦٣/ ٨] فالعزة كلها بالله، وإلى الله.
هو السميع لأقوال عباده، ومنها أقوالهم المتضمنة تكذيب الحق وادعاء الشرك، العليم بأحوالهم وبما يفعلون من إيذاء وكيد، وسيجازيهم عليه، فلا تأبه لقولهم ومكيدتهم، وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلّم على ما يلقاه من أذى قومه، وتبشير له بالنصر عليهم.
ثم أقام الدليل على انفراده بالعزة كلها بقوله: أَلا إِنَّ لِلَّهِ... أي انتبهوا أيها الناس، إن لله ملك السموات والأرض وما بينهما، لا ملك لأحد فيهما سواه، فكيف تصلح الأصنام آلهة؟ وهي مملوكة، والعبادة لا تكون إلا للمالك، بل إنها لا تعقل ولا تملك شيئا، لا ضرا ولا نفعا، ولا دليل لهم على عبادتها، بل إنما يتبعون في ذلك ظنونهم وأوهامهم.
وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ أي لا يتبع هؤلاء المشركون شركاء لله في الحقيقة، فليس لله شريك أبدا، وليس للشركاء المزعومين

صفحة رقم 216

قدرة على شيء من تدبير أمور العباد ودفع الضر عنهم، بل إنهم لا يملكون دفع الضر عن أنفسهم، ولا يملكون جلب أي نفع لهم.
إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ.. أي ما يتبع المشركون في الحقيقة فيما يزعمون إلا الظن الفاسد والخطأ الفادح، وما هم في هذا الظن إلا متخرصون كاذبون فيما ينسبون إلى الله، أو حازرون مقدّرون أن تكون شركاء تقديرا باطلا.
فهذه الجمل الثلاث بعد بيان استقلال الله بملكية ما في السموات وما في الأرض مؤكدات متوالية، تؤكد سلب صلاحية الملائكة والأصنام والمسيح وغيرهم عن اتخاذها آلهة، ولا اتخاذها وسطاء أو شفعاء أو وسائل لله، كما هو شأن حكام الدنيا والملوك الظالمين الذين لا يصل إليهم إلا الوسطاء، فجميع من في السموات والأرض مملوك لله تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً [مريم ١٩/ ٩٣] والمملوك لا شأن له أمام المالك.
ثم استدل تعالى على كون العزة لله جميعا وانعدام أي دور للشركاء مع الله في الخلق والتقدير والتصرف والتدبير بقوله: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ.. أي إنه تعالى قسم الزمان قسمين وهما الليل والنهار، وجعل الليل للاستراحة والسكن والاطمئنان فيه بعد عناء النهار والاشتغال فيه، وجعل النهار مضيئا للمعاش والسعي والأسفار وقضاء المصالح، كقوله تعالى: وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً، وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً [النبأ ٧٨/ ٩- ١١] وقوله سبحانه:
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ، فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ، وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً، لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ، وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ [الإسراء ١٧/ ١٢].
ففي هذا تنبيه على كمال قدرته تعالى، وعظيم نعمته المتوحد هو بهما، ليدلّهم على تفرده باستحقاق العبادة، وأن يوحدوه بها، بأنه أظلم الليل للسكن فيه من متاعب المعاش في النهار، وأضاء النهار لإبصار مطالب الأرزاق

صفحة رقم 217

والمكاسب. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ.. أي إن في تخليق الليل والنهار وتعاقبهما واختلافهما لدلائل واضحة دالة على أن الإله المعبود بحق هو خالق الليل والنهار، لقوم يسمعون هذه الحجج والأدلة، فيعتبرون بها ويتدبرون ما يسمعون، ويستدلون على عظمة خالقها ومقدّرها ومسيّرها.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- إن العزة لله جميعا، أي القوة الكاملة والغلبة الشاملة والقدرة التامة لله وحده، فهو ناصر رسوله ومعينه ومانعة من أذى الأعداء.
ولا يعارض هذا قوله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ فإن كل عزة بالله، فهي كلها لله، قال تعالى: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات ٣٧/ ١٨٠].
٢- إن الله هو السميع لأقوال العباد وأصواتهم، العليم بأعمالهم وأفعالهم وجميع حركاتهم.
٣- إن الله مالك من في السموات ومن في الأرض، أي يحكم فيهم بما يريد ويفعل فيهم ما يشاء، فليس للمحكوم والمملوك نفاذ أو تدخل في أي حكم، أو قدرة على التصرف في الأملاك، وهذا دليل سلب الألوهية عما سوى الله.
٤- إن المشركين لا يتبعون في عبادتهم شركاء على الحقيقة، بل يظنون ظنا باطلا أنها تشفع أو تنفع، وما هم في ظنهم إلا يحدسون يخمنون ويكذبون فيما ينسبونه إلى الله.
٥- إن الواجب عبادة من يقدر على خلق الليل والنهار، وإحكام تعاقبهما بنظام دقيق، لا عبادة من لا يقدر على شيء.

صفحة رقم 218
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية