آيات من القرآن الكريم

أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﰿ

في هاء الكناية قولان: أحدهما: أنها تعود إِلى الشأن. قال الزجاج: معنى الآية: أي وقت تكون في شأن من عبادة الله، وما تلوت من الشأن من قرآن. والثاني: أنها تعود إِلى الله تعالى، فالمعنى: وما تلوت مِنَ الله، أي: من نازل منه من قرآن، ذكره جماعة من العلماء. والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وأمته داخلون فيه، بدليل قوله: وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ قال ابن الأنباري: جمع في هذا، ليدل على أنهم داخلون في الفعلين الأوَّلين.
قوله تعالى: إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ الهاء عائدة على العمل. قال ابن قتيبة: تفيضون بمعنى تأخذون فيه. وقال الزجاج: تنتشرون فيه، يقال: أفاض القوم في الحديث: إِذا انتشروا فيه وخاضوا. وَما يَعْزُبُ معناه: وما يبعد. وقال ابن قتيبة: ما يبعد ولا يغيب. وقرأ الكسائيّ «يعزب» بكسر الزّاي ها هنا وفي (سبأ). وقد بيّنا «مثقال ذرة» في سورة النساء.
قوله تعالى: وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ قرأ الجمهور بفتح الراء فيهما. وقرأ حمزة، وخلف، ويعقوب، برفع الراء فيهما. قال الزجاج: مَنْ قرأ بالفتح، فالمعنى: وما يعزب عن ربك من مثقال ذرَّةٍ، ولا مثقالَ أصغرَ من ذلك ولا أكبر، والموضع موضع خفض، إِلا أنه فُتح لأنه لا ينصرف. ومن رفع، فالمعنى: وما يعزب عن ربك مثقال ذرة ولا أصغر ولا أكبر. ويجوز رفعه على الابتداء، فيكون المعنى: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر. إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ قال ابن عباس: هو اللوح المحفوظ.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٦٢ الى ٦٤]
أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤)
قوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ. روى ابن عباس أن رجلاً قال:
(٧٨٢) يا رسول الله، مَن أولياء الله؟ قال: «الذين إِذا رأوا ذُكر الله».
(٧٨٣) وروى عمر بن الخطاب عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إِنَّ من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء

الراجح وقفه. أخرجه ابن المبارك ٢١٨، والطبراني ١٢٣٢٥، والبزار كما في «المجمع» ١٦٧٧٩ عن ابن عباس مرفوعا، ومداره على جعفر بن أبي المغيرة، وهو غير قوي وبخاصة في روايته عن سعيد بن جبير.
وقد خالفه غيره فرواه مرسلا. أخرجه ابن المبارك ٢١٧، والطبري ١٧٧٢٦. وورد عن ابن عباس موقوفا، وهو أصح وأشبه من المرفوع. والله أعلم. وله شاهد أخرجه أحمد ٤/ ٢٢٧ من حديث عبد الرحمن بن غنم، وقال الهيثمي ١٣١٣٩ «مجمع» فيه شهر بن حوشب، وبقية رجاله رجال الصحيح. أي شهر بن حوشب ضعفه غير واحد. ثم إن عبد الرحمن بن غنم مختلف في صحبته. فالحديث غير قوي، والراجح وقفه. ولفظ الحديث:
«خيار عباد الله الذين إذا رأوا ذكر الله، وشرار عباده المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة، الباغون البرآء العنت».
صحيح. أخرجه أبو داود ٣٥٢٧، والطبري في «التفسير» ١٧٧٢٩ وأبو نعيم في «الحلية» ١/ ٥ من طريق أبي زرعة بن عمر بن جرير عن عمر بن الخطاب وإسناده منقطع. وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أبو يعلى ٦١١٠ وابن حبان ٥٧٣. وإسناده صحيح. وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه الحاكم في «المستدرك» ٤/ ١٧٠، ١٧١ وصححه ووافقه الذهبي. وشاهد آخر عن أبي مالك الأشعري أخرجه أحمد ٥/ ٣٤٣ وذكره الهيثمي في «المجمع» ١٠/ ٢٧٦ وقال: رواه أحمد والطبراني بنحوه، ورجاله وثقوا.

صفحة رقم 337

ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله عزّ وجلّ» قالوا: يا رسول الله. مَنْ هم، وما أعمالهم لعلنا نحبُّهم؟ قال: «هم قوم تحابّوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فو الله إِن وجوههم لنور، وإِنهم لعلى منابر من نور، ولا يخافون إذا خاف النّاس ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم قرأ: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
قوله تعالى: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
فيها ثلاثة أقوال:
(٧٨٤) أحدها: أنها الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح، أو ترى له، رواه عبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.

حديث حسن غريب، ورد عن عبادة وأبي الدرداء وأبي هريرة وغيرهم.
- حديث عبادة بن الصامت: أخرجه الترمذي ٢٢٧٥ وابن ماجة ٣٨٩٨ وأحمد ٥/ ٣١٥ والطبري ١٧٧٣٣ و ١٧٧٣٤ و ١٧٧٣٥ و ١٧٧٤٦ و ١٧٧٥٥ والحاكم ٢/ ٣٤٠ والواحدي في «الوسيط»
٢/ ٥٥٣ من طرق عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبادة، ورجاله ثقات رجال البخاري ومسلم، إن كان أبو سلمة سمعه من عبادة، والظاهر أنه لم يسمعه، فإن يحيى بن أبي كثير يدلس ويرسل، فقد أخرجه الطبري ١٧٧٣٦ من وجه آخر عن أبي سلمة قال: نبئت أن عبادة... فذكره. ومع ذلك صححه الحاكم! ووافقه الذهبي! وحسنه الترمذي! مع أن في روايته قول أبي سلمة «نبئت» أي لم يسمعه من عبادة. وورد من وجه آخر أخرجه الطبري ١٧٧٤٠ و ١٧٧٧١ عن حميد بن عبد الله المدني عن عبادة به، وإسناده ضعيف لجهالة حميد هذا. ووثقه ابن حبان وحده على قاعدته في توثيق المجاهيل.
- حديث أبي الدرداء: أخرجه الترمذي ٢٢٧٣ والطبري ١٧٧٣٧ و ١٧٧٣٨ و ١٧٧٣٩ و ١٧٧٤٩ و ١٧٧٥٢ والبيهقي في «الشعب» ٤٧٥٣ من طرق: عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء. «وإسناده ضعيف» فيه راو لم يسم. وحسنه الترمذي، ولعله حسنه لطرقه وشواهده. وأخرجه الطبري ١٧٧٣٢ و ١٧٧٤٨ من وجه آخر عن أبي صالح عن رجل عن أبي الدرداء به مختصرا. وكرره الطبري ١٧٧٥٠ عن أبي صالح عن أبي الدرداء، دون ذكر الرجل وهو منقطع. وكرره ١٧٧٥١ عن عطاء عن أبي الدرداء، دون ذكر الرجل أيضا.
وهو منقطع. وكرره ١٧٧٥٣ عن عمر بن دينار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء وهذا ضعيف لجهالة المصري هذا.
- حديث أبي هريرة: أخرجه الطبري ١٧٧٤١ و ١٧٧٤٣، ورجاله ثقات، لكن كرره الطبري ١٧٧٤٢ عن أبي هريرة قوله.
- وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: أخرجه أحمد ٢/ ٢١٩. والطبري ١٧٧٤٤ و ١٧٧٦٩.
والبيهقي ٤٧٥٧ وإسناده ضعيف، لأنه من رواية دراج عن أبي الهيثم. وله شاهد، أخرجه الطبري ١٧٧٥٧.
من طريق نافع بن جبير عن رجل من أصحاب النبي ﷺ به، وجهالة الصحابي لا تضر، لكن فيه عنعنة ابن جريج، وهو مدلس.
الخلاصة: هو حديث حسن بمجموع طرقه وشواهده ولم أقل إنه صحيح بسبب غرابة المتن، إذ البشرى في الآية تدل على أنها أعم من الرؤيا الصالحة. بل الصواب أن الرؤيا هي من البشرى. أي بعض البشرى.
- وقد ذكر الألباني هذا الحديث في «الصحيحة» ١٧٨٦ ولم يستوف الكلام عليه كعادته، بل اختصره ووقع له شيء، وهو أنه عزاه للطبري ١١/ ٩٥ من طريق عاصم بن بهدلة عن أبي صالح قال: سمعت أبا الدرداء...
فذكره. وقال الألباني عقبه: وهذا إسناد حسن.
- قلت: وليس كما قال! والصواب أن أبا صالح لم يسمعه من أبي الدرداء والوهم في لفظ «سمعت» إما من عاصم، فإنه صدوق لكنه يخطئ أو ممن دونه. فقد كرره الطبري من عدة طرق عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر. وتقدم ذكر هذه الروايات. حتى عطاء لم يسمعه من أبي الدرداء. بدليل ذكر

صفحة رقم 338
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية