آيات من القرآن الكريم

أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﰿ

بعضه حلالا اى حكمتم بحله مع كون كله حلالا. والمعنى أي شىء انزل الله من رزق فبعضتموه والمقصود الإنكار لتجزئتهم الرزق وذلك قولهم هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ وقولهم ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وهى البحيرة والسائبة والوصيلة والحام قُلْ لهم آللَّهُ [آيا خدا] أَذِنَ لَكُمْ فى ذلك الجعل فانتم فيه ممتثلون لأمره قائلون بالتحريم والتحليل بحكمه أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ فى نسبة ذلك اليه وفى الكواشي هذه الآية من ابلغ الزواجر عن التجوز فيما يسأل عنه من الحكم وباعثة على الاحتياط فيه ومن لم يحتط فى الحكم فهو مفتر انتهى قال على كرم الله وجهه «من افتى الناس بغير علم لعنته السماء والأرض» وسألت بنت على البلخي أباها عن القيء إذا خرج الى الحلق فقال يجب إعادة الوضوء فرأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال لا يا على حتى يكون ملء الفم فقال علمت ان الفتوى تعرض على رسول الله فآليت على نفسى ان لا افتى ابدا وفى الآية اشارة الى انه لا يجوز للمرء ان يعتقد ويقول ان الرزق المعنوي من الواردات الالهية والشواهد الربانية حرام على ارباب النفوس وحلال على اصحاب القلوب وان تحصيل هذه السعادات ونيل هذه الكرامات ليس من شأننا وانما هو من شأن الأخيار الكبراء وخواص الأنبياء والأولياء فان هذا افتراء على الله فان الله تعالى ما خص قوما بالدعوة الى الدرجات والمقامات العلية بل جعل الدعوة عامة لقوله وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وقوله يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ فتحريمه هذا الرزق على نفسه من خساسة نفسه وركاكة عقله ودناءة همته والا فالله تعالى لم يسد عليه هذا الباب بل هو الفياض الوهاب: قال الحافظ

عاشق كه شد كه يار بخالش نظر نكرد اى خواجه درد نيست وگر نه طبيب هست
: وقال
طالب لعل وكهر نيست وگر نه خورشيد همچنان در عمل معدن وكانست كه بود
: وفى المثنوى
كر كران وكر شتابنده بود عاقبت جوينده يابنده بود
وفى الحكم العطائية وشرحها من استغرب ان ينقذه الله من شهوته التي اعتقلته عن الخيرات وان يخرجه من وجود غفلته التي شملته فى جميع الحالات فقد استعجز القدرة الالهية ومن استعجزها فقد كفر أو كاد ودليل ذلك ان الله تعالى يقول وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً أبان سبحانه ان قدرته شاملة صالحة لكل شىء وهذا أمس الأشياء وان أردت الاستعانة على تقوية رجائك فى ذلك فانظر لحال من كان مثلى ثم أنقذه الله وخصه بعنايته كابراهيم بن أدهم وفضيل بن عياض وعبد الله بن المبارك وذى النون ومالك بن دينار وغيرهم من مجرمى البداية وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ما استفهامية فى محل الرفع على الابتداء وظن خبرها ومفعولاه محذوفان وزيادة الكذب مع ان الافتراء لا يكون الا كذبا لاظهار كمال قبح ما افتعلوا وكونه كذبا فى اعتقادهم ايضا يَوْمَ الْقِيامَةِ ظرف لنفس الظن اى أي شىء ظنهم فى ذلك اليوم يوم عرض الافعال والأقوال والمجازاة عليها مثقالا بمثقال والمراد تهويله

صفحة رقم 56

من أحباء الله فقيل له اذهب الى القصبة الفلانية ففيها حبيبى فجاء إليها ورأى رجلا يذكر الله وأسدا فاذا تغافل يختطفه الأسد حتى يقطع قطعة لحم من أعضائه فلما قرب اليه وسأل عن حاله قال أردت ان لا تغافل عن ذكر الله فاذا وقعت الغفلة سلط على كلبا من كلاب الدنيا فانا الازمه مخافة ان يسلط كلبا من كلاب الآخرة علىّ للغفلة يقول الفقير فى هذه القصة إشارات. منها ان فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة وان مقاساة شدائد طريق الحق فى هذه النشأة أسهل من المؤاخذات الاخروية فعلى المرء ملازمة الطاعة والعبادة وان كانت شاقة عليه: وفى المثنوى

اندرين ره مى تراش ومى خراش تا دم آخر دمى فارغ مباش
ومنها انه لا بد من المراقبة فان عجز بنفسه عنها استعان عليها من خارج فانه لا بد للنائم من محرك وموقظ إذ النوم طويل والنفس كسلى ولذا جعلوا من شرط الصحبة ان لا يصطحب إلا مع من فوقه: وفى البستان
ز خود بهترى جوى وفرصت شمار كه با چون خودى كم كنى روزكار
ومنها ان الأسد الذي سلطه الله عليه انما سلطه فى الحقيقة على نفسه ليفترسها فان من لم يمت نفسه فى هذه الدار سلطها الله عليه فى دار البوار أَلا تنبهوا واعلموا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ اى أحباء الله واعداء نفوسهم فان الولاية هى معروفة الله ومعرفة نفوسهم فمعرفة الله رؤيته بنظر المحبة ومعرفة النفس رؤيتها بنظر العداوة عند كشف غطاء أحوالها وأوصافها فاذا عرفتها حق المعرفة وعلمت انها عدوة لله ولك وعالجتها بالمعاندة والمكابدة أمنت مكرها وكيدها وما نظرت إليها بنظر الشفقة والرحمة كما فى التأويلات النجمية قال المولى ابو السعود رحمه الله الولي لغة القريب والمراد باولياء الله خلص المؤمنين لقربهم الروحاني منه سبحانه انتهى لانهم يتولونه تعالى بالطاعة اى يتقربون اليه بطاعته والاستغراق فى معرفته بحيث إذا رأوا رأوا دلائل قدرته وان سمعوا سمعوا آياته وان نطقوا نطقوا بالثناء عليه وان تحركوا تحركوا فى خدمته وان اجتهدوا اجتهدوا فى طاعته لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فى الدارين من لحوق مكروه والخوف انما يكون من حدوث شىء من المكاره فى المستقبل وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ من فوات مطلوب والحزن انما يكون من تحقق شىء مما كرهه فى الماضي او من فوات شىء أحبه فيه اى لا يعتريهم ما يوجب ذلك لا انه يعتريهم لكنهم لا يخافون ولا يحزنون ولا انه لا يعتريهم خوف وحزن بل يستمرون على النشاط والسرور كيف لا واستشعار الخوف والخشية استعظاما لجلال الله وهيبته واستقصارا للجد والسعى فى اقامة حقوق العبودية من خصائص الخواص والمقربين ولذا قال فى الكواشي لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ فى الآخرة والا فهم أشد خوفا وحزنا فى الدنيا من غيرهم انتهى وانما يعتريهم ذلك لان مقصدهم ليس الاطاعة الله ونيل رضوانه انه المستتبع للكرامة والزلفى وذلك مما لا ريب فى حصوله ولا احتمال لفواته بموجب الوعد بالنسبة اليه تعالى واما ما عدا ذلك من الأمور الدنيوية المترددة بين الحصول والفوات فهى بمعزل من الانتظام فى سلك مقصدهم وجودا وعدما حتى يخافوا من حصول ضارها او يحزنوا

صفحة رقم 58
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية