
حرف التعريف ولذلك بنيت على الفتح لتضمنها معنى الحرف ولوقوعها موقع المبهم لأن معناها هذا الوقت، وقرأ الأعمش وأبو عمرو وعاصم والجمهور آلْآنَ بالمد والاستفهام على حد التوبيخ، وكذلك آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ [يونس: ٩١] وقرأها باستفهام بغير مد طلحة والأعرج. وقوله تعالى: ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا الآية، هو الوعيد الأعظم بالخلود لأهل الظلم الأخص الذي هو ظلم الكفر لا ظلم المعصية، وقوله هَلْ تُجْزَوْنَ توقيف وتوبيخ، ونصت هذه الآية على أن الجزاء في الآخرة، هو على تكسب العبد، وقوله وَيَسْتَنْبِئُونَكَ معناه يستخبرونك، وهي على هذا تتعدى إلى مفعولين: ثلاثة: أحدها الكاف، والآخر في الابتداء والخبر، وقيل هي بمعنى يستعلمونك، فهي على هذا تحتاج إلى مفعولين ثلاثة: أحدها الكاف، والابتداء والخبر يسد مسد المفعولين، وأَ حَقٌّ هُوَ قيل الإشارة إلى الشرع والقرآن، وقيل: إلى الوعيد وهو الأظهر، وقرأ الأعمش «الحق هو» بمدة وبلام التعريف، وقوله إِي، هي لفظة تتقدم القسم وهي بمعنى «نعم» ويجيء بعدها حرف القسم وقد لا يجيء، تقول: إِي وَرَبِّي وإي ربي ومعجزين معناه مفلتين، وهذا الفعل أصله تعدية عجز لكن كثر فيه حذف المفعول حتى قالت العرب: أعجز فلان، إذا ذهب في الأرض فلم يقدر عليه.
قوله عز وجل:
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٥٤ الى ٥٦]
وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦)
هذا إخبار للكفار في سياق إخبارهم بأن ذلك الوعد حق، وَأَسَرُّوا لفظة تجيء بمعنى أخفوا، وهي حينئذ من السر، وتجيء بمعنى أظهروا، وهي حينئذ من أسارير الوجه، قال الطبري: المعنى وأخفى رؤساء هؤلاء الكفار الندامة عن سفلتهم ووضعائهم.
قال القاضي أبو محمد: بل هو عام في جميعهم وأَلا استفتاح وتنبيه، ثم أوجب أن جميع ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ملك لله تعالى، قال الطبري: يقول: فليس لهذا الكافر يومئذ شيء يقتدي به.
قال القاضي أبو محمد: وربط الآيتين هكذا يتجه على بعد، وليس هذا من فصيح المقاصد، وقوله:
وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ قيد بالأكثر لأن بعض الناس يؤمن فهم يعلمون حقيقة وعد الله تعالى وأكثرهم لا يعلمون فهم لأجل ذلك يكذبون، وقوله وهُوَ يُحيِي، يريد يحيي من النطفة وَيُمِيتُ بالأجل ثم يجعل المرجع إليه بالحشر يوم القيامة وفي قوة هذه الآيات ما يستدعي الإيمان وإجابة دعوة الله، وقرأ «ترجعون» بالتاء من فوق الأعرج وأبو عمرو وعاصم ونافع والناس، وقرأ عيسى بن عمر «يرجعون» بالياء من تحت، واختلف عن الحسن.
قوله عز وجل:
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٥٧ الى ٥٨]
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨)

هذه آية خوطب بها جميع العالم، و «الموعظة» : القرآن لأن الوعظ إنما هو بقول يأمر بالمعروف ويزجر ويرقق ويوعد ويعد، وهذه صفة الكتاب العزيز، وقوله مِنْ رَبِّكُمْ يريد لم يختلقها محمد ﷺ بل هي من عند الله، وما فِي الصُّدُورِ يريد به الجهل والعتو عن النظر في آيات الله ونحو هذا مما يدفع الإيمان، وجعله موعظة بحسب الناس أجمع، وجعله هُدىً وَرَحْمَةٌ بحسب المؤمنين فقط، وهذا تفسير صحيح المعنى إذا تؤمل بان وجهه، وقوله سبحانه قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ، الباء متعلقة بمحذوف استغني عن ذكره يدل عليه قوله: وَهُدىً وَرَحْمَةٌ، قال بعض المتأولين وهو هلال بن يساف وقتادة والحسن وابن عباس: «الفضل» : الإسلام، و «الرحمة» : القرآن، وقال أبو سعيد الخدري:
«الفضل» : القرآن، و «الرحمة» أن جعلهم من أهله، وقال زيد بن أسلم والضحاك «الفضل» : القرآن، و «الرحمة» : الإسلام، وقالت فرقة: «الفضل» : محمد صلى الله عليه وسلم، و «الرحمة» : القرآن.
قال القاضي أبو محمد: ولا وجه عندي لشيء من هذا التخصيص إلا أن يستند منه شيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي يقتضيه اللفظ ويلزم منه، أن «الفضل» هو هداية الله تعالى إلى دينه والتوفيق إلى اتباع الشرع، و «الرحمة» هي عفوه وسكنى جنته التي جعلها جزاء على التشرع بالإسلام والإيمان به، ومعنى الآية: قل يا محمد لجميع الناس بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فليقع الفرح منكم، لا بأمور الدنيا وما جمع من حطامها، فالمؤمنون يقال لهم: فلتفرحوا، وهم متلبسون بعلة الفرح وسببه، ومحصلون لفضل الله منتظرون الرحمة، والكافرون يقال لهم: بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فلتفرحوا، على معنى أن لو اتفق لكم أو لو سعدتم بالهداية إلى تحصيل ذلك، وقرأ أبي بن كعب وابن القعقاع وابن عامر والحسن على ما زعم هارون ورويت عن النبي ﷺ «فلتفرحوا»، و «تجمعون» بالتاء فيهما على المخاطبة، وهي قراءة جماعة من السلف كبيرة، وعن أكثرهم خلاف، وقرأ السبعة سوى ابن عامر وأهل المدينة والأعرج ومجاهد وابن أبي إسحاق وقتادة وطلحة والأعمش: بالياء فيهما على ذكر الغائب، ورويت عن الحسن بالتاء من فوق فيهما، وقرأ أبو التياح وأبو جعفر وقتادة: بخلاف عنهم وابن عامر بالياء في الأولى وبالتاء في الآخرة، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وجماعة من السلف ورويت عن النبي ﷺ بالياء في الأولى وفي الآخرة، ورويت عن أبي التياح، وإذا تأملت وجوه ذلك بانت على مهيع الفصيح من كلام العرب ولذلك كثر الخلاف من كل قارئ، وفي مصحف أبي بن كعب، «فبذلك فافرحوا»، وأما من قرأ «فلتفرحوا»، فأدخل اللام في أمر المخاطب فذلك على لغة قليلة، حكى ذلك أبو علي في الحجة، وقال أبو حاتم وغيره: الأصل في كل أمر إدخال اللام إذا كان النهي بحرف فكذلك الأمر، وإذا كان أمرا لغائب بلام، قال أبو الفتح: إلا أن العرب رفضت إدخال اللام في أمر المخاطب لكثرة ترداده، وقرأ أبو الفتوح والحسن: بكسر اللام من «فلتفرحوا»، فإن قيل: كيف أمر الله بالفرح في هذه الآية؟ وقد ورد ذمه في قوله لَفَرِحٌ فَخُورٌ [هود: ١٠]، وفي قوله لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص: ٧٦] قيل إن الفرح إذا ورد مقيدا في خير فليس بمذموم وكذلك هو في هذه الآية، وإذا ورد مقيدا