آيات من القرآن الكريم

قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ

مقاصد القرآن الكريم
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٥٧ الى ٥٨]
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨)
الإعراب:
مَوْعِظَةٌ.. وَشِفاءٌ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ التنكير للتعظيم.
بِفَضْلِ اللَّهِ.. الباء متعلقة بفعل يفسره قوله: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا، أي فليعتنوا أو فليفرحوا ثم قال: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا وفائدة هذا التكرار: التأكيد والبيان بعد الإجمال. والفاء بمعنى الشرط، كأنه قيل: إن فرحوا بشيء، فبهما فليفرحوا، وإعادة الباء بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ دليل على أن كلا منهما سبب في الفرح. وقوله فَبِذلِكَ للواحد والاثنين والجمع.
البلاغة:
شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ مجاز مرسل من قبيل إطلاق المحل وإرادة الحالّ، أي شفاء للقلوب التي في الصدور.
المفردات اللغوية:
يا أَيُّهَا النَّاسُ أي أهل مكة وغيرهم. مَوْعِظَةٌ أو عظة: هي الوصية بالحق والخير واجتناب الشر والباطل، بأسلوب جمع بين الترغيب والترهيب. وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ ودواء من العقائد الفاسدة والشكوك. وَهُدىً بيان الحق من الضلال، والبيان في العقيدة بالبرهان، وفي التشريع العملي ببيان المصالح. وَرَحْمَةٌ رقة تقتضي الإحسان والعطف.
بِفَضْلِ اللَّهِ التوفيق لتزكية النفوس، أو هو الإسلام. وَبِرَحْمَتِهِ أي ثمرة الفضل أو هي إنزال القرآن. فَبِذلِكَ الفضل والرحمة. فَلْيَفْرَحُوا الفرح والسرور: انفعال في النفس بنعمة حسية أو معنوية ترتاح له وتستمتع به.

صفحة رقم 199

المناسبة:
بعد أن أقام الله تعالى الأدلة على أسس الدين الثلاثة: وهي التوحيد، والنبوة، والبعث، ذكر التشريع العملي وهو القرآن، وأبان صفاته ومقاصده الأربعة.
التفسير والبيان:
يا أيها الناس، قد جاءكم كتاب جامع لكل المواعظ أو الوصايا الحسنة التي تصلح الأخلاق والأعمال وتزجر عن الفواحش، وتشفي الصدور من الشكوك وسوء الاعتقاد، وتهدي إلى الحق واليقين والصراط المستقيم الموصل إلى سعادة الدنيا والآخرة، وترحم المؤمنين رحمة خاصة.
وهذه هي صفات القرآن المجيد أو خصائصه.
١- كونه موعظة حسنة من عند الله، يجمع بين الترغيب والترهيب، فيبعث على فعل الحسن وترك القبيح، مثل قوله تعالى: هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران ٣/ ١٣٨].
٢- شفاء لما في القلوب من الشبهات والشكوك والنفاق والكفر وسوء الاعتقاد والخلق، كقوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً [الإسراء ١٧/ ٨٢].
٣- هاد إلى الحق واليقين والصراط المستقيم المحقق لسعادتي الدنيا والآخرة كقوله تعالى: قُلْ: هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ [فصلت ٤١/ ٤٤].
٤- رحمة للمؤمنين خاصة، ينجيهم من ظلمات الضلال إلى نور الإيمان، ويحجبهم من النيران، ويرفعهم إلى درجات الجنان. وخص المؤمنين لأنهم المنتفعون بالإيمان.

صفحة رقم 200

قل أيها الرسول للمؤمنين: ليفرحوا بفضل الله وبرحمته بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق، فإنه أولى ما يفرحون به. وقوله: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا يفيد الحصر، يعني يجب ألا يفرح الإنسان إلا بذلك.
روى ابن مردويه وأبو الشيخ ابن حيان الأنصاري عن أنس مرفوعا: «فضل الله:
القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله»

وقال الحسن البصري والضحاك وقتادة ومجاهد: «فضل الله: الإيمان، ورحمته: القرآن».
إن الفرح بما تفضل به الله وبما رحم به المؤمنين هو أجدى وأنفع من كل ما يجمعونه من الأموال وسائر خيرات الدنيا، لا محالة لأنه يؤدي إلى سعادة الدارين، وتلك الأموال سبب السعادة في الدنيا فقط.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه الصفات الأربع هي صفات القرآن، ففي القرآن المواعظ والحكم، وهو الشفاء النافع من الشك والنفاق والخلاف والشقاق، وهو الهدى أي الرشد لمن اتبعه، عصمة لمن تبعه، ونجاة لمن تمسك به. ورحمة أي نعمة كبري خاصة بالمؤمنين.
وإن فضل الله ورحمته من أعظم دواعي الفرح والسرور، بل لا فرح ولا سرور بغير فضل الله ورحمته، وفضل الله: الإيمان، ورحمته: القرآن. وهذا قول الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة. وعن أبي سعيد الخدري وابن عباس رضي الله عنهما العكس تماما، فقالوا: فضل الله القرآن، ورحمته الإسلام.
وعلى كل فإن مصدر الفرح الصحيح للمسلمين شيئان: الإيمان أو الإسلام، والقرآن. وإن فضل الله ورحمته خير للمؤمنين مما يجمعون من حطام الدنيا لأن الآخرة خير وأبقى، وما كان كذلك فهو أولى بالطلب والتحصيل.
روى أبان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من هداه الله للإسلام، وعلمه القرآن، ثم شكا

صفحة رقم 201
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية