آيات من القرآن الكريم

قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗ ﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠﰡﰢﰣﰤ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﰿ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ

المنَاسَبَة: لما حكى تعالى عن الكافرين طعنهم في أمر النبوة والوحي، ذكر هنا أنَّ منهم من يصدِّق بأن القرآن كلام الرحمن، ولكنه يكابر ويعاند، ومنهم من لا يصدّق به أصلاً لفرط غباوته، وسخافة عقله، واختلال تمييزه... ثم ذكر تعالى أن القرآن شفاء لما في الصدور، وأعقبه بذكر مآل المشركين في الآخرة.
اللغَة: ﴿الصم﴾ جمع أصمّ وهو الذي لا يسمع ﴿بَيَاتاً﴾ ليلاً ﴿تُفِيضُونَ﴾ يقال أفاض فلانٌ في الحديث إذا اندفع فيه ﴿يَعْزُبُ﴾ يخْفى ويغيب ﴿مِّثْقَالِ﴾ وزن ﴿سُلْطَانٍ﴾ حجة وبرهان ﴿سُبْحَانَهُ﴾ تنزيهٌ لله جل وعلا عن النقائص.
التفسِير: ﴿وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ﴾ أي ومن هؤلاء الذين بعثتَ إليهم يا محمد من يؤمن بهذا القرآن ويتبعك وينتفع بما أُرسلت به ﴿وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ﴾ بل يموت على ذلك ويُبعث عليه ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بالمفسدين﴾ أي وهو أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه، ومن يستحق الضلالة فيضله ﴿وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ﴾ أي وإن كذَّبك هؤلاء المشركون فقل لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم حقاً كان أو باطلاً ﴿أَنتُمْ بريائون مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ أي لا يؤاخذ أحد بذنب الآخر ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾ أي يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وقلوبهم لا تعي شيئاً مما تقرؤه وتتلوه ﴿أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم﴾ ؟ أي أنت يا محمد لا تقدر أن تسمع من سلبه الله السمع ﴿وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ أي ولو كانوا من الصمم لا يعقلون ولا يتدبرون؟ قال ابن كثير: المعنى ومن هؤلاء من يسمعون كلام الحسن، والقرآن النافع، ولكنْ

صفحة رقم 545

ليس أمر هدايتهم إليك، فكما لا تقدر على إسماع الأصم فكذلك لا تقدر على هداية هؤلاء إلا أن يشاء الله ﴿وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي العمي وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ أي ومن هؤلاء من ينظر إليك ويعاين دلائل نبوتك الواضحة، ولكنّهم عميٌ لا ينتفعون بما رأوا، أفأنت يا محمد تقدر على هدايتهم ولو كانوا عُمي القلوب؟ شبّههم بالعُمْي لتعاميهم عن الحق، قال القرطبي: والمراد تسلية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أي كما لا تقدر أن تخلق للأعمى بصراً يهتدي به، فكذلك لا تقدر أن توفّق هؤلاء للإِيمان ﴿إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئاً﴾ أي لا يعاقب أحداً بدون ذنب، ولا يفعل بخلقه ما لا يستحقون ﴿ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ أي ولكنهم يظلمون أنفسهم بالكفر والمعاصي ومخالفة أمر الله قال الطبري: وهذا إعلامٌ من الله بأنه لم يسلب هؤلاء الإِيمان ابتداءً منه بغير جرم سلف منهم، وإنما سلبهم ذلك لذنوب اكتسبوها، فحقَّ عليهم أن يطبع الله على قلوبهم ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النهار﴾ أي اذكر يوم نجمع هؤلاء المشركين للحساب كأنهم ما أقاموا في الدنيا إلاّ ساعة من النهار، لهول ما يرون من الأهوال ﴿يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ أي يعرف بعضهم بعضاً كما كانوا في الدنيا، وهو تعارف توبيخ وافتضاح، يقول الواحد للآخر: أنت أغويتني وأضللتني، وليس تعارف محبة ومودّة ﴿قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ الله وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ﴾ أي لقد خسر حقاً هؤلاء الظالمون الذين كذبوا بالبعث والنشور، وما كانوا موفَّقين للخير في هذه الحياة ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ أي إن أريناك يا محمد بعض عذابهم في الدنيا لتقرَّ عينك منهم فذاك، وإن توفيناك قبل ذلك فمرجعهم إلينا في الآخرة، ولا بدَّ من الجزاء إن عاجلاً أو آجلاً ﴿ثُمَّ الله شَهِيدٌ على مَا يَفْعَلُونَ﴾ أي هو سبحانه شاهدٌ على أفعالهم وإجرامهم ومعاقبهم على ما اقترفوا ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ﴾ أي ولكل أمة من الأمم رسولٌ أُرسل لهدايتهم ﴿فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بالقسط﴾ قال مجاهد: يعني يوم القيامة قُضِي بينهم بالعدل قال ابن كثير: فكلُّ أمة تُعرض على الله بحضرة رسولها، وكتابُ أعمالها من خير وشر شاهدٌ عليها، وحفظتُهم من الملائكة شهود أيضاً ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ أي لا يُعذبون بغير ذنب ﴿وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي ويقول كفار مكة متى هذا العذاب الذي تعدنا به إن كنت صادقاً؟ وهذا القول منهم على سبيل السخرية والاستهزاء ﴿قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً﴾ أي لا استطيع أن أدفع عن نفسي ضراً، ولا أجلب إليها نفعاً، وليس ذلك لي ولا لغيري ﴿إِلاَّ مَا شَآءَ الله﴾ أي إِلا ما شاء الله أن أملكه وأقدر عليه، فكيف أقدر أن أملك ما استعجلتم به من العذاب! ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾ أي لكل أمة وقتٌ معلوم لهلاكهم وعذابهم ﴿إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ أي فإِذا جاء أجل هلاكهم فلا يمكنهم أن يستأخروا عنه ساعة فيمهلون ويؤخرون، ولا يستقدمون قبل ذلك لأن قضاء الله واقع في حينه ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً﴾

صفحة رقم 546

أي قل لأولئك المكذبين أخبروني إن جاءكم عذاب الله ليلاً أو نهاراً فما نفعكم فيه؟ ﴿مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون﴾ استفهام معناه التهويل والتعظيم أي ما أعظم ما يستعجلون به؟ كما يقال لمن يطلب أمراً وخيماً: ماذا تجني على نفسك ﴿أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ﴾ في الكلام حذفٌ تقديره: أتؤخرون إلى أن تؤمنوا بها وإذا وقع العذاب وعاينتموه فما فائدة الإِيمان وما نفعكم فيه، إذا كان الإِيمان لا ينفع حينذاك، قال الطبري: المعنى أهنالك إذا وقع عذاب الله بكم أيها المشركون صدّقتم به في حالٍ لا ينفعكم فيه التصديق ﴿الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ أي يقال لكم أيها المجرمون: الآن تؤمنون وقد كنتم قبله تهزءون وتسخرون وتستعجلون نزول العذاب؟ ﴿ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الخلد﴾ أي ذوقوا العذاب الدائم الذي لا زوال له ولا فناء ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ أي هل تُجزون إلا جزاء كفركم وتكذيبكم؟ ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ﴾ أي ويستخبرونك يا محمد فيقولون: أحقٌ ما وعدتنا به من العذاب والبعث؟ ﴿قُلْ إِي وربي إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ أي قل نعم والله إنه كائن لا شك فيه ﴿وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ أي لستم بمعجزين الله بهربٍ أو امتناع من العذاب بل أنتم في قبضته وسلطانه ﴿وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأرض﴾ أي لو أن لكل نفسٍ كافرةٍ ما في الدنيا جميعاً من خزائنها وأموالها، ومنافعها قاطبة ﴿لاَفْتَدَتْ بِهِ﴾ أي لدفعته فدية لها من عذاب الله ولكنْ هيهات أن يُقبل كما قال تعالى
﴿فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرض ذَهَباً وَلَوِ افتدى بِهِ﴾ [آل عمران: ٩١] ثم قال تعالى مخبراً عن أسفهم وندمهم ﴿وَأَسَرُّواْ الندامة لَمَّا رَأَوُاْ العذاب﴾ أي أخفى هؤلاء الظلمة الندم لما عاينوا العذاب قال الإِمام الجلال: أي أخفاها رؤساؤهم عن الضعفاء الذين أضلوهم مخافة التعبير ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالقسط﴾ أي قُضي بين الخلائق بالعدل ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ أي لا يظلمون من أعمالهم شيئاً، ولا يُعاقبون إلا بجريرتهم ﴿ألا إِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض﴾ «أَلاَ» كلمة تنبيه للسامع تزاد في أول الكلام أي انتبهوا لما أقول لكم فكل ما في السماوات والأرض ملكٌ لله، لا شيء فيها لأحدٍ سواه، هو الخالق وهو المالك ﴿أَلاَ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾ أي إن وعده بالبعث والجزاء حقٌ كائن لا محالة ﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ولكنَّ أكثر الناس لقصور عقولهم، واستيلاء الغفلة عليهم، لا يعلمون ذلك فيقولون ما يقولون ﴿هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي هو سبحانه المحيي والمميتُ، وإِليه مرجعكم في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم ﴿ياأيها الناس قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ خطابٌ لجميع البشر أي قد جاءكم هذا القرآن العظيم الذي هو موعظةٌ لكم من خالقكم ﴿وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصدور﴾ أي يشفي ما فيها من الشك والجهل ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي وهداية من الضلال ورحمة لأهل الإِيمان قال صاحب الكشاف: المعنى قد جاءكم كتابٌ جامعٌ لهذه الفوائد العظيمة من الموعظة، والتنبيه على

صفحة رقم 547

التوحيد، ودواء الصدور من العقائد الفاسدة، ودعاء إلى الحق، ورحمة لمن آمن به منكم ﴿قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ﴾ قال ابن عباس: فضل الله القرآن، ورحمته الإِسلام والمعنى: ليفرحوا بهذا الذي جاءهم من الله، من القرآن والإِسلام، فإِنه أولى ما يفرحون به ﴿هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ أي هو خيرٌ مما يجمعون من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية، والنعيم الزائل، فإِن الدنيا بما فيها لا تساوي جناح بعوضة كما ورد به الحديث الشريف ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ الله لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ﴾ خطابٌ لكفار العرب والمعنى: أخبروني أيها المشركون عما خلقه الله لكم من الرزق الحلال ﴿فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً﴾ أي فحرَّمتم بعضه وحلَّلتم بعضه كالبحيرة، والسائبة، والميتة قال ابن عباس: نزلت إنكاراً على المشركين فيما كانوا يحلون ويحرمون من البحائر والسوائب، والحرث والأنعام ﴿قُلْءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ﴾ أي قل لهم يا محمد أخبروني: أحصل إذنٌ من الله لكم بالتحليل والتحريم، فأنتم فيه ممتثلون لأمره، أم هو مجرد افتراء وبهتان على ذي العزة والجلال؟ ﴿وَمَا ظَنُّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب يَوْمَ القيامة﴾ أي وما ظنُّ هؤلاء الذين يتخرصون على الله الكذب فيحلون ويحرمون من تلقاء أنفسهم، أيحسبون أن الله يصفح عنهم ويغفر يوم القيامة؟ كلاَّ بل سيصليهم سعيراً، وهو وعيدٌ شديد للمفترين ﴿إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس﴾ أي لذو إنعام عظيم على العباد حيث رحمهم بترك معاجلة العذاب، وبالإِنعام عليهم ببعثة الرسل وإنزال الكتب ﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ﴾ أي لا يشكرون النعم بل يجحدون ويكفرون ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ﴾ الخطابُ للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أي ما تكون يا محمد في أمر من الأمور، ولا عملٍ من الأعمال ﴿وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ﴾ أي وما تقرأ من كتاب الله شيئاً من القرآن ﴿وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ﴾ أي ولا تعملون أيها الناس من خير أو شر ﴿إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ أي إلا كنا شاهدين رقباء، نحصي عليكم أعمالكم حين تندفعون وتخوضون فيها ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ﴾ أي ما يغيب ولا يخفى على الله ﴿مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء﴾ أي من وزن هباءة أو نملة صغيرة في سائر الكائنات أو الموجودات ﴿وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك ولا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ أي ولا أصغر من الذرة ولا أكبر منها إلا وهو معلوم لدينا ومسجَّل في اللوح المحفوظ قال الطبري: والآية خبرٌ منه تعالى أنه لا يخفى عليه أصغر الأشياء وإن خفَّ في الوزن، ولا أكبرها وإن عظم في الوزن، فليكن عملكم أيها الناس فيما يرضي ربكم، فإنّا محصوها عليكم ومجازوكم بها ﴿ألا إِنَّ أَوْلِيَآءَ الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أي انتبهوا أيها الناس واعلموا أن أحباب الله وأولياءه لا خوف عليهم في الآخرة من عذاب الله، ولا هم يحزنون على ما فاتهم في الدنيا، ثم بيّن تعالى هؤلاء الأولياء فقال ﴿الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾ أي الذين صدّقوا الله ورسوله، وكانوا يتقون ربهم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فالوليُّ هو المؤمن التقيُّ وفي الحديث
«إن لله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداءَ، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله، قالوا أخبرنا من هم؟ وما أعمالهم؟ فلعلَّنا نحبُّهم، قال: هم قومٌ تحابّوا

صفحة رقم 548

في الله، على غير أرحامٍ بيْنهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنورٌ، وإنهم لعلى منابرَ من نور، لا يخافون إذا خاف الناسُ، ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ ﴿ألا إِنَّ أَوْلِيَآءَ الله....﴾ »
﴿لَهُمُ البشرى فِي الحياة الدنيا وَفِي الآخرة﴾ أي لهم ما يسرهم في الدارين، حيث تبشرهم الملائكة عند الاحتضار برضوان الله ورحمته، وفي الآخرة بجنان النعيم والفوز العظيم كقوله ﴿إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: ٣٠] ﴿لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله﴾ أي لا إخلاف لوعده ﴿ذلك هُوَ الفوز العظيم﴾ أي هو الفوز الذي لا فوز وراءه، والظفر بالمقصود الذي لا يُضاهى ﴿وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ﴾ أي لا يحزنك ولا يؤلمك يا محمد تكذيبهم لك وقولهم: لستَ نبياً مرسلاً، ثم ابتدأ تعالى فقال ﴿إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً﴾ أي القوة الكاملة، والغلبة الشاملة، لله وحده، فهو ناصرك ومانعك ومعينك، وهو المنفرد بالعزّة يمنحها أولياءه، ويمنعها أعداءه ﴿هُوَ السميع العليم﴾ أي السميع لأقوالهم، العليم بأعمالهم ﴿ألا إِنَّ للَّهِ مَن فِي السماوات وَمَنْ فِي الأرض﴾ أي الجميع له سبحانه عبيداً وملكاً وخلقاً ﴿وَمَا يَتَّبِعُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله شُرَكَآءَ﴾ أي وما يتبع هؤلاء المشركون الذين يعبدون غير الله آلهة على الحقيقة، بل يظنون أنها تشفع أو تنفع، وهي لا تملك لهم ضراً ولا نفعاً ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ أي ما يتبعون إلا ظناً باطلاً ﴿وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١١٦] أي يَحدْسون ويكذبون، يظنون الأوهام حقائق ﴿هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ اليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ﴾ تنبيهٌ على القدرة الكاملة والمعنى من دلائل قدرته الدالة على وحدانيته، أن جعل لكم أيها الناس الليل راحةً لأبدانكم تستريحون فيه من التعب والنصب في طلب المعاش ﴿والنهار مُبْصِراً﴾ أي وجعل النهار مضيئاً تبصرون فيه الأشياء لتهتدوا إلى حوائجكم ومكاسبكم ﴿إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ أي لعلامات ودلالات على وحدانيَّة الله، لقوم يسمعون سمع اعتبار، ثم نبّه تعالى على ضلال اليهود والنصارى والمشركين فقال ﴿قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً﴾ أي نسب اليهود والنصارى لله ولداً فقالوا: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، كما قال كفار مكة: الملائكة بناتُ الله ﴿سُبْحَانَهُ هُوَ الغني﴾ أي تنزَّه الله وتقدّس عما نسبوا إليه فإِنه المستغني عن جميع الخلق، فإن اتخاذ الولد إنما يكون للحاجة إليه، والله تعالى غير محتاج إلى شيء، فالولد منتفٍ عنه ﴿لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ أي الجميع خلقه وملكه ﴿إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بهاذآ﴾ أي ما عندكم من حجة بهذا القول ﴿أَتقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي أتفترون على الله وتكذبون بنسبه الشريك والولد؟ وهو توبيخ وتقريع على جهلهم.
﴿قُلْ إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب لاَ يُفْلِحُونَ﴾ أي كل من كذب على الله لا يفوز ولا ينجح ﴿مَتَاعٌ فِي الدنيا﴾ أي متاعٌ قليل في الدنيا يتمتعون به مدة حياتهم {ثُمَّ إِلَيْنَا

صفحة رقم 549

مَرْجِعُهُمْ} أي ثم معادهم ورجوعهم إلينا للجزاء والحساب ﴿ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العذاب الشديد بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ﴾ أي ثم في الآخرة نذيقهم العذاب الموجع الأليم بسبب كفرهم وكذبهم على الله.
البَلاَغَة: ١ - ﴿مَّن يُؤْمِنُ بِهِ.... ومَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ﴾ بينهما طباقٌ السلب.
٢ - ﴿تُسْمِعُ الصم... تَهْدِي العمي﴾ الصُّمُ والعميُ مجازٌ عن الكافرين شبههم بالصُّم والعمي لتعاميهم عن الحق.
٣ - ﴿ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً﴾ بينهما طباقٌ وكذلك بين ﴿بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً﴾ وبين ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ وبين ﴿يَسْتَقْدِمُونَ... ويَسْتَأْخِرُونَ﴾.
٤ - ﴿شِفَآءٌ لِّمَا فِي الصدور﴾ مجاز مرسل أطلق المحلَّ وأراد الحالَّ أي شفاءٌ للقلوب لأن الصدور محلُّ القلوب.
٥ - ﴿حَرَاماً وَحَلاَلاً﴾ بينهما طباق.
٦ - ﴿والنهار مُبْصِراً﴾ قال في تلخيص البيان: هذه استعارة عجيبة، سمّى النهار مبصراً لأن الناس يبصرون فيه، فكأن ذلك صفة الشيء بما هو سبب له على طريق المبالغة كما قالوا: ليلٌ أعمى وليلةٌ عمياء إذا لم يبصر الناس فيها شيئاً لشدة إظلامها.
٧ - ﴿أَتقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ استفهام توبيخ وتقريع.
فَائِدَة: أمر تعالى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالحلف في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم في هذه السورة ﴿قُلْ إِي وربي إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ وفي سورة سبأ ﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة قُلْ بلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ ﴿زَعَمَ الذين كفروا أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ﴾ [الآية: ٧] ذكره ابن كثير.
تنبيه: كلمة «أرأيتَ» تستعمل بمعنى الاستفهام عن الرؤية البصرية، أو العلمية، وهذا أصل وضعها ثم استعملت بمعنى «أخبرني» فيقولون: أرأيت ذلك الأمر أي أخبرني عنه، والرؤية إما بصرية أو علمية والتقدير: أأبصرت حالته العجيبة، أو أعرفت أمره العجيب؟ فأخبرني عنها، ولذا لم تستعمل في غير الأمر العجيب، ﴿أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين﴾ ؟ ﴿أَرَأَيْتَ الذي ينهى عَبْداً إِذَا صلى﴾ [العلق: ٩ - ١٠] ؟ وهكذا.

صفحة رقم 550
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية