آيات من القرآن الكريم

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ

مطالبة المشركين بقرآن آخر أو بتبديل بعض آياته
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٥ الى ١٧]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧)
الإعراب:
بَيِّناتٍ حال. مِنْ تِلْقاءِ مصدر استعمل ظرفا.
البلاغة:
أَفَلا تَعْقِلُونَ استفهام إنكار وتوبيخ.
المفردات اللغوية:
آياتُنا القرآن. بَيِّناتٍ ظاهرات. قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا وهم المشركون الذين لا يخافون البعث. ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا ليس فيه عيب آلهتنا، ولا ما نستبعده من البعث والثواب والعقاب بعد الموت. أَوْ بَدِّلْهُ بنفسك بأن تجعل مكان الآية المشتملة على ذلك آية أخرى. ما يَكُونُ لِي ما ينبغي وما يصح لي. أَنْ ما عَصَيْتُ رَبِّي بتبديله.
عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ هو يوم القيامة. وهذا يعني أنهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح.
وَلا أَدْراكُمْ بِهِ ولا أعلمكم به على لساني، وَلا: نافية عطف على ما قبله والمعنى أن الأمر بمشيئة الله تعالى، لا بمشيئتي حتى أجعله على نحو ما تشتهونه. لَبِثْتُ مكثت. فِيكُمْ عُمُراً أربعين سنة. مِنْ قَبْلِهِ لا أحدثكم بشيء. أَفَلا تَعْقِلُونَ أنه ليس من قبلي، أي أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر فيه، لتعلموا أنه ليس إلا من الله.

صفحة رقم 127

فَمَنْ أَظْلَمُ أي لا أحد. افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً بنسبة الشريك إليه. أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ القرآن فكفر بها. إِنَّهُ أي الشأن. لا يُفْلِحُ لا يسعد. الْمُجْرِمُونَ المشركون.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى شبهتين للمشركين (وهما التعجب من إنزال الوحي على بشر وتخصيص محمد بالنبوة، والمطالبة بتعجيل العذاب إن كان ما يقول محمد حقا، ثم أثبت لهم الألوهية والتوحيد والقدرة على الوحي والبعث بخلق العالم وبطبيعة الإنسان وتاريخه وغرائزه، ذكر هنا النوع الثالث من شبهاتهم في الطعن في نبوة النبي صلى الله عليه وسلّم، وهو التشكك في القرآن، لذا طالبوه بأحد أمرين:
أن يأتيهم بقرآن غير هذا القرآن، أو أن يبدل هذا القرآن. روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن خمسة من الكفار كانوا يستهزئون بالرسول عليه الصلاة والسلام وبالقرآن: الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث، والحارث بن حنظلة، فقتل الله كل رجل منهم بطريق آخر، كما قال: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر ١٥/ ٩٥] فذكر تعالى أنهم كلما تليت عليهم آيات: قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ.
التفسير والبيان:
إذا قرأ الرسول صلى الله عليه وسلّم على المشركين كتاب الله وحججه الواضحة، قالوا له:
ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أي رد هذا وجئنا بغيره من نمط آخر، ليس فيه ما يعيب آلهتنا ولا ما لا نؤمن به من البعث والجزاء على الأعمال، أو بدّله إلى وضع آخر، بأن تجعل مكان آية الوعيد آية أخرى.
ومقصدهم من هذه المساومة إذا نفّذ اقتراحهم إبطال دعواه أن القرآن كلام

صفحة رقم 128

الله. وقوله: قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا يعني لا يخافون يوم البعث والحساب ولا يرجون الثواب، أي أنهم مكذبون بالحشر والنشر.
فأمره الله أن يقول ردا عليهم: ما يصح لي وليس من شأني أن أبدل هذا القرآن من قبل نفسي، فإني ما أتبع فيه إلا ما يوحى إلي، وهو ما أبلّغكم به، وما علي إلا البلاغ، فهو كلام الله تعالى، والمتبع لغيره في أمر ليس له التصرف فيه.
وإنما اكتفى بالجواب عن التبديل، لاستلزام امتناعه امتناع الإتيان بقرآن آخر.
فقوله: إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ تعليل لما يكون، ثم أكد ما سبق بقوله: إِنِّي أَخافُ.. أي إني أخشى إن ارتكبت أي مخالفة أو عصيان لما أمر ربي عذاب يوم عظيم هو عذاب النار يوم القيامة.
وفيه إيماء بأنهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح.
ثم احتج لهم في مجال صحة ما جاءهم به، وهو جواب عن طلبهم الأول تغيير القرآن، بقوله: قُلْ: لَوْ شاءَ اللَّهُ.. أي قل لهم أيها الرسول: لو شاء الله ألا أتلو عليكم هذا القرآن ما تلوته عليكم، فإنما أتلوه بأمره، وجئتكم به بإذنه، وأفعل ذلك بمشيئته وإرادته. ولو شاء الله ألا يعلمكم به بإرسالي إليكم، لما أرسلني، ولما أعلمكم الله به، ولا أخبركم به، ولكنه شاء أن يرفدكم بهذا الكتاب المشتمل على الهدى والسعادة: وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ، هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف ٧/ ٥٢].
والدليل على ما أقول أني لبثت فيكم مقدار عمر أربعين سنة من قبل نزول القرآن، لا أتلو شيئا منه ولا أعلمه أَفَلا تَعْقِلُونَ أي أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر في أن من عاش أميا أربعين سنة، لم يقرأ كتابا، ولا تعلم من

صفحة رقم 129

أحد، ولا خطّ بيمينه شيئا من الكلام، لا يستطيع أن يأتي بمثل هذا القرآن المعجز لكم ولكل العلماء، فأنتم وغيركم من الإنس والجن لم تستطيعوا معارضته.
وهذه إشارة إلى أن القرآن معجز خارق للعادة لأنه كلام الله، وليس كلام بشر، بدليل أنكم فرسان البلاغة والفصاحة وأساطين البيان، ولم تأتوا بسورة من مثله لأن فصاحته بذّت فصاحة كل منطيق، وعلا عن كل منثور ومنظوم، واحتوى على قواعد الأصول والفروع، وأعرب عن قصص الأولين، وأخبر عن مغيبات المستقبل، وجاء مطابقا للعلوم الصحيحة والنظريات العلمية الثابتة:
قُلْ: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء ١٧/ ٨٨].
فلا أحد أظلم من رجلين: أحدهما- من افترى على الله الكذب بنسبة الشريك أو الولد إليه، أو بتبديل كلامه على النحو الذي اقترحتموه، أو بالتقول على الله والزعم أن الله أرسله ولم يكن كذلك. والثاني- من كذّب بآيات الله البينة، فكفر بها، ثم علل تعالى ذلك بقوله: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ... أي إنه لا يفوز المجرمون، أي الكافرون في الآخرة، فالمقصود من قوله: فَمَنْ أَظْلَمُ... نفي الكذب عن نفسه. والمقصود بقوله: أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إلحاق الوعيد الشديد بهم حيث كذبوا بآيات الله.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يأتي:
١- التسجيل الواضح الفاضح لكلام المشركين المطالبين إما الإتيان بغير القرآن وإما تبديله، والفرق بينهما أن الإتيان بغيره قد يجوز أن يكون معه غيره، وأما التبديل فلا يجوز أن يكون معه غيره. وسبب هذا الطلب إما السخرية والاستهزاء، وإما التجربة والامتحان.

صفحة رقم 130

ومضمون الأمرين: إما إسقاط ما في القرآن من عيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم، وإما تحويل الوعد وعيدا، والوعيد وعدا، والحلال حراما والحرام حلالا، وإما إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور. ويصح إرادة كل هذه الأشياء.
٢- رفض مطالب المشركين، وإعلان كون القرآن كلام الله، وأن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلّم مقصورة على تبليغ ما يوحى إليه، واتباع ما يتلوه عليهم من وعد ووعيد، وتحريم وتحليل، وأمر ونهي.
٣- الموقف الثابت من عدم التبديل والتغيير لشريعة القرآن، والإصرار على العمل بالقرآن إنما هو بسبب التعرض لعذاب عظيم يوم القيامة.
٤- المقصود من إنزال القرآن تبليغه إلى جميع الناس، ولا سيما المشركون، ولولا أن تكون مشيئة الله ذلك لما أنزله، ولما أمر بتلاوته عليهم، ولما أخبرهم بمضمونه.
٥- القرآن كلام الله بدليل إعجازه من حيث النظم والأسلوب والمبنى، ومن حيث المعاني التي اشتمل عليها، وبدليل كون المبلّغ له أمّيا لم يقرأ ولم يكتب ولم يتعلم من أحد، وبدليل التحدي لمعارضته والإتيان بمثله أو بأقصر سورة من مثله.
٦- لا أحد أظلم ولا أعتى ولا أشد إجراما ممن افترى على الله الكذب، وبدّل كلامه وأضاف شيئا إليه مما لم ينزله، وكذلك لا أحد أظلم منكم أيها المشركون والكفار إذا أنكرتم القرآن وافتريتم على الله الكذب، وقلتم: ليس هذا كلامه.
٧- لا فوز ولا فلاح للمجرمين الكافرين، والاجرام مصيره الخيبة حتما.

صفحة رقم 131
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية