آيات من القرآن الكريم

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ

وَلِذَلِكَ اخْتِيرَ لَفْظُ تَعْقِلُونَ لِأَنَّ الْعَقْلَ هُوَ أَوَّلُ دَرَجَاتِ الْإِدْرَاكِ. وَمَفْعُولُ تَعْقِلُونَ إِمَّا مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَيْهِ. وَالتَّقْدِيرُ أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْحَالِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُمِّيَّةِ وَالْإِتْيَانِ بِهَذَا الْكِتَابِ الْبَدِيعِ فِي بَلَاغَتِهِ وَمَعَانِيهِ لَا يَكُونُ إِلَّا حَالَ مَنْ أَفَاضَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِسَالَتَهُ إِذْ لَا يَتَأَتَّى مِثْلُهُ فِي الْعَادَةِ لِأَحَدٍ وَلَا يَتَأَتَّى مَا يُقَارِبُهُ إِلَّا بَعْدَ مُدَارَسَةِ الْعُلَمَاءِ
وَمُطَالَعَةِ الْكُتُبِ السَّالِفَةِ وَمُنَاظَرَةِ الْعُلَمَاءِ وَمُحَاوَرَةِ أَهْلِ الْبَلَاغَةِ مِنَ الْخُطَبَاءِ وَالشُّعَرَاءِ زَمَنًا طَوِيلًا وَعُمْرًا مَدِيدًا، فَكَيْفَ تَأَتَّى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ الْمُعْتَادِ دَفْعَةً لِمَنْ قَضَى عُمْرَهُ بَيْنَهُمْ فِي بِلَادِهِ يَرْقُبُونَ أَحْوَالَهُ صَبَاحَ مَسَاءَ، وَمَا عُرِفَ بَلَدُهُمْ بِمُزَاوَلَةِ الْعُلُومِ وَلَا كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا مَنْ عَكَفَ عَلَى الْعِبَادَةِ وَانْقَطَعَ عَنْ مُعَاشَرَةِ النَّاسِ.
وَإِمَّا أَنْ يُنَزَّلَ تَعْقِلُونَ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ فَلَا يُقَدَّرُ لَهُ مَفْعُولٌ، أَيْ أَفَلَا تَكُونُونَ عَاقِلِينَ، أَيْ فَتَعْرِفُوا أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْحَالِ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ وَحي الله.
[١٧]
[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ١٧]
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧)
لَمَّا قَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهَا بِمَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِالتَّنَصُّلِ مِنْهُ أَعْقَبَتْ بِالتَّفْرِيعِ عَلَى افْتِرَائِهِمُ الْكَذِبَ وَذَلِكَ مِمَّا عُرِفَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ مِنَ اتِّخَاذِهِمُ الشُّرَكَاءَ لَهُ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا أَيْ أَشْرَكُوا- إِلَى قَوْلِهِ-: لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يُونُس: ١٣، ١٤] وَتَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِمْ: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ [يُونُس: ١٥].
وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا تَوْجِيهُ الْكَلَامِ بِصَلَاحِيَتِهِ لِأَنْ يَكُونَ إِنْصَافًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ إِذْ هُمْ قَدْ عَرَّضُوا بِنِسْبَتِهِ إِلَى الِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ حِينَ قَالُوا: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا [يُونُس: ١٥]، وَصَرَّحُوا بِنَفْيِ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا أَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَنَّهُ مَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ فَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُفْتَرِيَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَالْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ كِلَاهُمَا أَظْلَمُ النَّاسِ لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُمَا، وَذَلِكَ مِنْ مُجَارَاةِ الْخَصْمِ لِيَعْثُرَ، يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنَ الْكَلَامِ أَنَّهُ إِنْصَافٌ بَيْنَهُمَا فَإِذَا حَصْحَصَ الْمَعْنَى وُجِدَ انْصِبَابُهُ عَلَى الْخَصْمِ وَحْدَهُ.

صفحة رقم 123
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية