آيات من القرآن الكريم

وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ

ما فيها من حق وخير فيستجيبون إليها. وذوو العقول السقيمة والنيات السيئة يقفون منها موقف المعاند المكابر. وهذا التفاوت والتباين مظهر من مظاهر حكمة الله وخلقه. والله قادر على جعل الناس جميعهم مؤمنين ولكن حكمته شاءت تركهم إلى عقولهم وضمائرهم. وقد تكرر تقرير هذا بأساليب متنوعة مرت أمثلة منها في سور سبق تفسيرها أيضا.
ولقد آمن بعد هذه الآيات كثيرون من الذين وصفوا بما وصفوا فيها حيث يصح أن يقال إن الآيات من ناحية ما قد احتوت تسجيلا لواقع الأمر عند نزولها بالإضافة إلى ما احتوته من تقريرات وانطوى فيها من مقاصد وتنبيهات.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٩]
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨)
وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩)
. الآيات واضحة المعاني ولا تحتاج إلى أداء آخر، ولم يرو المفسرون رواية خاصة في نزولها. والمتبادر أنها جاءت خاتمة لفصول المناظرة والحجاج التي احتوتها آيات السورة فصلا بعد فصل. ومعقبة على الآيات السابقة لها مباشرة ومؤيدة لما انطوى فيها من أهداف، وهي خاتمة قوية محكمة. وقد احتوت شرحا جديدا لمهمة النبي ﷺ وتقريرا لطبيعة رسالته، وبأسلوب واضح قوي ومؤثر من جهة وتطمينا لنفس النبي ﷺ وتثبيتا له وبثّا للسكينة في روعه من جهة أخرى.
وفي الآية [١٠٨] دعم قوي للتأويل الذي أولنا به جملة: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي

صفحة رقم 498

الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً
التي وردت في الآيات السابقة. فالله قد أنزل للناس الحق بواسطة رسوله ثم تركهم لاختيارهم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضل عليها.
وفي الآيات نهي موجه إلى النبي ﷺ عن الشرك وإنذار له بأنه إن فعل يكون ظالما، وقد ورد في آيات سابقة قريبة شيء مماثل لذلك كما جاء شيء من مثل ذلك في آخر سورة القصص التي مر تفسيرها وعلقنا عليه بما يزيل أي توهم باحتمال وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم. وما قلناه هناك يقال هنا بطبيعة الحال.
تعليق على كلمة الحنيف
وبمناسبة ورود كلمة (حنيفا) لأول مرة نقول: إن هذه الكلمة قد تكررت كثيرا في القرآن وبخاصة في صدد وصف ملة إبراهيم عليه السلام، ووردت بدون ذكره أيضا كما هو الأمر هنا. وقد قال المفسرون إنها من (حنف) بمعنى مال أو انحرف وإنها في القرآن بمعنى المنحرف عن الشرك إلى التوحيد، كما قالوا إنها من الأضداد تجيء بمعنى استقام كما تجيء بمعنى مال أو انحرف «١». وقد ورد في كتب اللغة اشتقاق (تحنف) مرادفا لكلمة تحنث أي تعبد وتورع كما ذكرت الكتب العربية كلمة (الحنيفية) وصفا لملة إبراهيم عليه السلام «٢». ولقد أعاد بعض المستشرقين وأبدوا في أصل الكلمة ومدلولها ومعناها. ومنهم من ذهب إلى أنها كانت تعني مذهبا دينيا في عصر النبي ﷺ وبيئته، وأنه كان هناك طائفة أو فرقة تسمى (الحنفاء) ومنهم من قال إن الكلمة أعجمية دون أن يذكروا اسم اللغة المقتبسة منها. ومنهم من قال إنها منحوتة من (بني حنيفة) التي ظهر فيها مسيلمة النبي الكذاب وإنها تعني الدين الذي دعا إليه. بل ومنهم من زعم أن معناها لم يكن مجلوا تمام الجلاء في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم.

(١) انظر تفسير آية البقرة [١٣٥] في تفسير الطبرسي والزمخشري والمنار.
(٢) انظر مادة حنف في أساس البلاغة للزمخشري وفي لسان العرب.

صفحة رقم 499

وننبه إلى أن روح ومضمون الآيات التي وردت فيها وبخاصة التي لم يرد ذكر إبراهيم عليه السلام فيها مثل الآية التي نحن في صددها، ومثل آية سورة الحج هذه: حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) يلهمان أن معناها الاستقامة على توحيد الله والاتجاه إليه وحده وعدم الشرك به بصورة عامة، والقول إن معناها لم يكن مجلوا في ذهن النبي ﷺ وقاحة أكثر منها أي شيء آخر، ويظهر هذا في وضوح معنى الكلمة في آيات القرآن التي وردت فيها. والقول إنها أعجمية غريب وبخاصة إذا لاحظنا أن العرب كانوا يتسمون باشتقاقها ويعنون ما يريدون من التسمية كالأحنف والحنفاء، والقول إنها منحوتة من بني حنيفة سخيف لأن الكلمة استعملت في القرآن قبل ظهور مسيلمة بني حنيفة.
على أن استعمالها في وصف ملة إبراهيم عليه السلام وفي مقام التعبير عن التوحيد والاستقامة عليها أو الانحراف عن الشرك والدين الباطل وفي مقام التعبد والتورع يدل على أنها كانت تستعمل قبل نزول القرآن في معنى ديني خاص أو وصف ديني خاص، ولا نستبعد أن تكون أطلقت أو أطلق جمعها على الذين تخلوا عن دين الجاهلية وشركها ووثنيتها واتجهوا إلى الله وعبدوه على ملة إبراهيم الحنيفية، أو ما ظنوه كذلك موحدين غير مشركين على ما ذكرته الروايات وفصلناه في كتابنا عصر النبي ﷺ وبيئته قبل البعثة «١».

(١) انظر عصر النبي ﷺ وبيئته قبل البعثة ص ٤١٩- ٤٣٤.

صفحة رقم 500
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية