آيات من القرآن الكريم

وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ

فعلى الناس الاعتبار والنظر في المصنوعات الدالة على الصانع والقادر على الكمال.
٢- وقائع الله في قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم عبرة وعظة للمكذبين الرسل.
٣- سنة الله تعالى عند إيقاع العذاب الشامل إنجاء الرسل والمؤمنين معهم، وإهلاك الكافرين الضالين المكذبين. وهذا الاصطفاء والتمييز عدل من الله ورحمة.
إخلاص العبادة لله تعالى ونبذ الشرك
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٧]
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧)
الإعراب:
وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ حذف حرف الجر من إِنْ أمر مطرد، مثل «أنّ» وقد يكون الحذف غير مطرد، فيقال: أمرتك الخير، فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الحجر ١٥/ ٩٤].
وَأَنْ أَقِمْ عطف على أَنْ أَكُونَ لكن المعطوف محكي بصيغة الأمر، ولا ضير في ذلك لأن المقصود هو الوصل بما يتضمن معنى المصدر، ولا فرق في الأفعال كلها، سواء الخبر منها والطلب، والمعنى: وأمرت بالاستقامة في الدين بأداء الفرائض، والانتهاء عن القبائح، وقد سوغ سيبويه أن توصل أَنْ بالأمر والنهي، لأن الغرض وصلها بما تكون معه في معنى المصدر.

صفحة رقم 279

حَنِيفاً حال من لِلدِّينِ أو من الوجه وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ معطوف على قوله: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ جزاء للشرط وجواب لسؤال مقدر عن تبعة الدعاء.
البلاغة:
ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ بينهما طباق.
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ.. وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ بين الجملتين مقابلة.
فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ إظهار الفضل في موضع الضمير للدلالة على أنه متفضل بما يريد لهم من الخير، لا استحقاق لهم عليه.
المفردات اللغوية:
يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب لأهل مكة وغيرهم. فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي أي في صحته وأنه حق مِنْ دُونِ اللَّهِ أي غيره وهو الأصنام، لشككم فيه. يَتَوَفَّاكُمْ يقبض أرواحكم، والمعنى كما ذكر البيضاوي: هذا خلاصة ديني اعتقادا وعملا، فاعرضوها على العقل الصرف، وانظروا إليها بعين الإنصاف، لتعلموا صحتها: وهو أني لا أعبد ما تختلقونه وتعبدونه، ولكن أعبد خالقكم الذي هو يوجدكم ويتوفاكم. وإنما خص التوفي بالذكر للتهديد. وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي وأمرت بأن أكون من المصدقين بما دل عليه العقل ونطق به الوحي.
وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ أي وبأن أستقيم في الدين بأداء الفرائض والانتهاء عن القبائح.
حَنِيفاً مائلا عن الشرك وتوابعه إلى الدين الحق. ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ بنفسه إن.
دعوته أو خذلته، فلا ينفعك إن دعوته، ولا يضرك إن لم تعبده. فَإِنْ فَعَلْتَ فإن دعوته وفعلت ذلك افتراضا.
وَإِنْ يَمْسَسْكَ يصبك. بِضُرٍّ أي سوء من مرض أو ألم أو فقر. فَلا كاشِفَ رافع. فَلا رَادَّ فلا دافع لفضله الذي أرادك به. قال البيضاوي: ولعله ذكر الإرادة مع الخير، والمس مع الضر، مع تلازم الأمرين، للتنبيه على أن الخير مراد بالذات، وأن الضر إنما مسهم لا بالقصد الأول. يُصِيبُ بِهِ أي بالخير. وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ أي فتعرضوا لرحمته بالطاعة، ولا تيأسوا من غفرانه بالمعصية.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى الأدلة على صحة الدين ووحدانية الخالق وصدق

صفحة رقم 280

النبوة، أمر رسوله بإظهار دينه، وبإظهار المفارقة بينه وبين الشرك وما عليه المشركون من عبادة الأوثان والأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وأن النافع الضار هو الله الذين خلقهم، فتخرج عبادة الله من حالة السر إلى الإعلان.
التفسير والبيان:
يأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلّم بأن يقول لأهل مكة وغيرهم من الناس إلى يوم القيامة: إن كنتم لا تعرفون ديني، فأنا أبينه لكم على سبيل التفصيل، وإن كنتم في شك من صحة ما جئتكم به من الدين الحنيف الذي أوحاه الله إلي، فاعلموا وصفه وأنه لا مجال للشك فيه، وهو أني لا أعبد الذين تعبدون من دون الله، من حجارة وغيرها لأنها لا تضر ولا تنفع، بل أعبد الله وحده لا شريك له، الذي يتوفاكم كما أحياكم، ثم إليه مرجعكم، وأن أكون من المؤمنين إيمانا حقا بالله، العارفين به تمام المعرفة.
وفي هذا تعريض بأن الدين الحق لا يشك فيه، ويستحسنه ذوو العقول الصحيحة والفطر السليمة، وأما عباده الأصنام فمقطوع ببطلانها لأنها لا تعقل ولا تضر ولا تنفع، ويستنكرها كل عاقل، فإنها أحجار!!.
ويلاحظ أنه تدرج من نفي عبادة غير الله لأن الإزالة في كل شيء بقصد إصلاحه مقدمة على الإثبات، والتخلي مقدم على التحلي، ثم انتقل إلى إثبات عبادة الله، ليبين أنه يجب ترك عبادة غير الله أولا، ثم يجب الاشتغال بعبادة الله، ثم انتقل إلى ذكر الإيمان والمعرفة بعد العبادة التي هي عمل جسدي، ليدل على وجوب تطابق العمل مع الاعتقاد، فإنه لا جدوى لعمل ما لم ينبع من اعتقاد صحيح يتجلى فيه نور الإيمان والمعرفة. وفي هذا التدرج من نفي عبادة الأصنام إلى إثبات من يعبده وهو الذي يتوفاكم، وفي ذكر هذا الوصف الدال على التوفي دلالة على البدء وهو الخلق وعلى الإعادة «١».

(١) البحر المحيط: ٥/ ١٩٥

صفحة رقم 281

وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ.. أي وأمرت أن أكون من المؤمنين وأن أقيم وجهي للدين القيم، أي بالاستقامة في أمر الدين بالتزام الأوامر واجتناب النواهي، وبأن أخلص العبادة لله وحده، حنيفا أي مائلا عن الشرك والباطل إلى الدين الحق، ولهذا قال: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي ممن يشرك في عبادة الله إلها آخر، وهو معطوف على قوله: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي قيل لي: كن من المؤمنين وأقم وجهك ولا تشرك.
فقوله أَقِمْ وَجْهَكَ معناه استقم إليه ولا تلتفت يمينا ولا شمالا. ونظير الآية قوله تعالى: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً، وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام ٦/ ٧٩].
وهذا يدل على وجوب التوجه في العبادة والدعاء إلى الله وحده، دون التفات إلى شيء سواه، فمن توجه بقلبه إلى غير الله في عبادة أو دعاء فهو عابد غير الله.
لذا قال تعالى: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ... أي لا تدع ولا تعبد أيها الرسول متجاوزا الله تعالى ما لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة إن دعوته، ولا يضرك أصلا إن تركت دعاءه.
فإن فعلت هذا وعبدت ودعوت غير الله، كنت حينئذ من الظالمين نفسك لأنه لا ظلم أكبر من الشرك بالله تعالى، ومن الظلم وضع العبادة في غير موضعها.
ثم أكد الله تعالى سلب صلاحية النفع والضر عن غير الله، فقال: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ... أي وإن تتعرض لضرر يمسّ جسمك أو مالك من مرض أو فقر أو ألم، فلا كاشف أو لا رافع له إلا الله، وإن يردك أو يخصك الله بخير منه في دينك أو دنياك من نصر ورخاء ونعمة وعافية، فلا دافع لفضله إلا الله إذ

صفحة رقم 282

لا رادّ لقضائه، ولا معقب لحكمه ولا مانع لفضله أحد، وهو القادر على كل شيء، يمنح ويمنع، ويعطي ويحرم، يفعل كل ذلك بحكمة وعلم.
والفضل الإلهي يكون عادة عاما بعموم الرحمة، أما الضرر فإنه لا يقع إلا بسبب، فإن البلاء لا يقع إلا بذنب، ولا يرتفع إلا بتوبة: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى ٤٢/ ٣٠].
وهو سبحانه الغفور الرحيم لمن تاب إليه، ولو من أي ذنب كان، حتى من الشرك به، فإنه يتوب عليه، فتعرضوا لرحمته بالطاعة، ولا تيأسوا من غفرانه بالمعصية.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على أمرين: تخصيص العبادة بالله تعالى ونبذ الشرك، وبيان أن الضار والنافع هو الله تعالى، مما يوجب استحقاقه العبادة.
أما تخصيص العبادة وإخلاصها بنحو كامل نقي لله عز وجل فيتطلب ضوابط أو قيودا ستة مفهومة من الآيات الثلاث الأولى وهي ما يأتي:
١- الامتناع النهائي البات المطلق عن عبادة غير الله بمختلف الأشكال.
٢- عبادة الله تعالى وحده دون سواه لأنه المحيي المميت وإليه المرجع والمآب.
٣- التصديق أو الإيمان الكامل الذي لا يخالجه أي شك بآيات الله.
٤- الاستقامة على أمر الدين بأداء الفرائض واجتناب القبائح، والميل التام عما سوى الدين والشرع القويم، فقوله: وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً كما قال الرازي: إشارة للاستغراق في نور الإيمان والإعراض بالكلية عما سواه.

صفحة رقم 283

٥- تجنب كل مظاهر الشرك الحقيقي الظاهر من عبادة الأوثان ونحوها، وهذا صار مفهوما من آية فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وتجنب ما يسمى بالشرك الخفي وهو الرياء، وهو المراد بقوله تعالى: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
٦- الامتناع من عبادة أي شيء سوى الله، مما لا يضر ولا ينفع، ولا يغني من الحق شيئا، ولا يفيد شيئا عند الله، ولا ينفع عابده أو داعيه، فمثل تلك العبادة والتعظيم لغير صاحب العظمة والجلال ظلم بحت بوضع العبادة في غير موضعها، وضياع وإهدار للجهود، وعدم إثمارها شيئا ما.
وأما النفع والإضرار وجلب الخير ودفع الشر: فلا يؤمل الخير من غير الله تعالى، ولا يدفع الشر بغير الله تعالى، ولا يمنح الفضل سوى الله، ولا يكشف السوء غير الله عز وجل، وهو سبحانه في كل الأحوال غفور لمن استغفره، رحيم بمن تاب إليه وأناب، ولو من أعظم المعاصي والجرائم هو الشرك.
ففي قوله تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ الآية بيان أن الخير والشر والنفع والضر إنما هو راجع إلى الله تعالى وحده، لا يشاركه في ذلك أحد، فهو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، وتكون هذه الآية مؤكدة للآيات السابقة، ومكملة لها، ومبرهنة لكل ذي عاقل أن المعبود بحق هو الله الذي يكشف الضر والسوء، ويمنح الفضل والخير.
روى الحافظ ابن عساكر عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات ربكم، فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، واسألوا أن يستر عوراتكم، ويؤمن روعاتكم».
٧- المغفرة والرحمة تشملان كل من تاب وأناب، ولو من أي ذنب كان، حتى من الشرك به، فإن الله يتوب عليه.

صفحة رقم 284
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية