
تفسير سورة الانشراح عدد ١٢- ٩٤
نزلت في مكة بعد الضحى، وقيل إنها نزلت متصلة بها، ولم يفرق بينها بالبسملة وليس بشيء، وهذا كالقول بأن سورة براءة نزلت متصلة بالأنفال وهو غير صحيح أيضا بل كل منها نزل على حدة، وقد ثبت بالتواتر أن سور القرآن ١١٤ سورة، فإذا جعلنا هاتين السورتين متصلتين ينقص العدد، وهو غير جائز وسنأتي على بيان هذا مفصلا في سورة قريش الآتية إذ قيل إنها نزلت متصلة بالفيل وفي سورة براءة في ج ٣، وهي ثماني آيات، ومثلها في العدد التكاثر والزلزلة والبينة والتين، وسبع وعشرون كلمة، ومائة وثلاثة أحرف، ويوجد في القرآن سورة أخرى مبدوءة بما بدئت به وهي الفيل الآتية، وسورة البينة بلم النافية دون همزة الاستفهام. وتسمى سورة الشرح وألم نشرح أيضا، لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قال تعالى: «أَلَمْ» استفهام تقريري لا يجاب إلا ببلى «نَشْرَحْ» نفسح ونشق «لَكَ» يا سيد الرسل «صَدْرَكَ ١» كي يحوي عالم الغيب والشهادة نوعهما فيهما، ولذلك صار لم يعقه التعلق بمصالح الخلق عن الاستغراق في شؤون الحق لما أودعنا فيه من العلوم والحكم حينما شقه أميننا جبريل فوسع هموم النبوة ودعوة الثقلين، وأزلنا عنك الضيق والخرج لتكون لين الجانب لا يستفزّك الغضب، وقد وقع له صلّى الله عليه وسلم الشرح فعلا ثلاث مرات.
مطلب شرح صدره الشريف:
المسألة الأولى عند ما كان عند ظئره حليمة، فقد روى مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه فاستخرجه واستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه فقالوا إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه ممتقع اللون وسألوه فقص عليهم ما ذكر أنس، وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره. والأخريان سنأتي على ذكرهما أول الإسراء الآتية خشية التكرار فراجعهما «وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ ٢»

الذي سلف منك خطأ أو نسيانا أو سهوا، أو ما تظنه مستوجب السؤال عندنا نظرا لعلو مقامك ورفعة شأنك وخفّفنا أعباء النبوة عليك لتقوم بها دون تكلف فرفعنا عنك ذلك التكليف «الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ٣» حمله وأوهى قولك رزؤه وحططنا عنك كل ما تراه ثقيلا مما شرعناه على من قبلك. واعلم أنه إذا حمل هذا الوزر على حالته قبل النبوة فيكون المراد اهتمامه بأمور كان يفعلها قبل النبوة، إذ لم يرد عليه شرح بتحريمها فلما حرمت عليه بنزول الوحي عدّها أوزارا أثقلت عليه وأشفق منها، فوضعها الله عنه وغفرها له، وإذا حمل ذلك على حالته بعد النبوة، فيكون عبارة عن ترك الأفضل وما هو خلاف الأولى وما تركه أحسن من فعله على حد حسنات الأبرار سيئات المقربين. قال تعالى «وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ٤» على سائر الأنبياء والمرسلين قبلك، وقرناه بذكرنا. روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه سأل جبريل عن هذه الآية قال: قال الله عز وجل إذا ذكرت ذكرت معي، قال ابن عباس يريد الأذان والاقامة والخطب على المنابر. فلو أن عبدا عبد الله وصدقه في كل شيء ولم يشهد أن محمدا رسول الله لم ينتفع بذلك بشيء، وكان كافرا، قال حسان رضي الله عنه:
أغر عليه للنبوة خاتم | من الله مشهود يلوح ويشهد |
وضمّ الإله اسم النبي لإسمه | إذا قال في الخمس المؤذن أشهد |
وشق له من اسمه ليجلّه | فذو العرش محمود وهذا محمد |

قومه لفراغ ذات يده، وكان يحزن ويغتم لهذه الغاية لأنه منشرح الصدر بما هو فيه من فضل ربه ويراه غنيا إذ لا هم له في الدنيا ولا في أهلها إلا بغية إيمانهم قال ابن الفارض:
وتعذيبكم عذب لديّ وجوركم | عليّ بما يقضي الهوى لكم عدل |