آيات من القرآن الكريم

وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى
ﭱﭲ

(وسيجنبها الأتقى) أي سيباعد عنها التقي للكفر اتقاء بالغاً، قال الواحدي الأتقى أبو بكر الصديق في قول جميع المفسرين اهـ، والأولى حمل الأشقى والأتقى على كل متصف بالصفتين المذكورتين، ويكون المعنى أنه لا يصلاها صلياً تاماً لازماً إلا الكامل في الشقاء وهو الكافر، ولا يجنبها ويبعد عنها تبعيداً كاملاً بحيث لا يحوم حولها فضلاً عن أن يدخلها إلا الكامل في التقوى، فلا ينافي هذا دخول بعض العصاة من المسلمين النار دخولاً غير لازم، ولا تبعيد بعض من لم يكن كامل التقوى عن النار تبعيداً غير بالغ تبعيد الكامل في التقوى عنها.
والحاصل أن من تمسك من المرجئة بقوله (لا يصلاها إلا الأشقى) زاعما أن الأشقى الكافر لأنه الذي كذب وتولى، ولم يقع التكذيب من عصاة المسلمين.
فيقال له فماذا تقول في قوله (وسيجنبها الأتقى) فإنه يدل على أنه

صفحة رقم 270

لا يجنب النار إلا الكامل في التقوى، فمن لم يكن كاملاً فيها كعصاة المسلمين لم يكن ممن يجنب النار، فإن أولت الأتقى بوجه من وجوه التأويل لزمك مثله في الأشقى. فخذ إليك هذه مع تلك وكن كما قال الشاعر:

على أنني راض بأن أحمل الهوى وأخرج منه لا علي ولا ليا
وقيل أراد بالأشقى والأتقى الشقي والتقي كما قال طرفة بن العبد:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد
أي بواحد، ولا يخفاك أنه ينافي هذا وصف الأشقى بالتكذيب، فإن ذلك لا يكون إلا من الكافر فلا يتم ما أراده قائل هذا القول من شمول الوصفين لعصاة المسلمين.
عن عروة " أن أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب في الله: بلال وعامر بن فهيرة والنهدية وابنتها وزنيرة وأم عيسى وأمة بني المؤمل، وفيه نزلت (وسيجنبها الأتقى) إلى آخر السورة " أخرجه ابن أبي حاتم، وفي الباب روايات.
ثم ذكر سبحانه صفة الأتقى فقال

صفحة رقم 271
فتح البيان في مقاصد القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي
راجعه
عبد الله بن إبراهيم الأنصاري
الناشر
المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
15
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية