
على قبره، من أجل كثرة ماله وولده، فإني إنما أعطيته ما أعطيته من ذلك لأعذبه بها في الدنيا بالغموم والهموم، بما ألزمه فيها من المؤن والنفقات والزكوات، وبما ينوبه فيها من الرزايا والمصيبات، = (وتزهق أنفسهم)، يقول: وليموت فتخرج نفسه من جسده، (١) فيفارق ما أعطيته من المال والولد، فيكون ذلك حسرة عليه عند موته، ووبالا عليه حينئذٍ، ووبالا عليه في الآخرة، بموته جاحدًا توحيدَ الله، ونبوةَ نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
١٧٠٦٠- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن السدي: (وتزهق أنفسهم)، في الحياة الدنيا.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِذَا أُنزلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (٨٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا أنزل عليك، يا محمد، سورة من القرآن، بأن يقال لهؤلاء المنافقين: (آمنوا بالله)، يقول: صدِّقوا بالله = (وجاهدوا مع رسوله)، يقول: اغزوا المشركين مع رسول الله ﷺ (٢) = (استأذنك أولوا الطول منهم)، يقول: استأذنك ذوو الغنى والمال منهم في التخلف عنك، والقعود في أهله (٣) = (وقالوا ذرنا)، يقول: وقالوا لك: دعنا، (٤) نكن ممن يقعد في منزله مع ضعفاء الناس ومرضاهم، ومن لا يقدر على
(٢) انظر تفسير " الجهاد " فيما سلف ص: ٣٩٩، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير " الطول " فيما سلف ٨: ١٨٢ - ١٨٥.
(٤) انظر تفسير " ذر " فيما سلف ١٣: ٢٩١، تعليق: ٢، والمراجع هناك.

الخروج معك في السفر. (١)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٧٠٦١- حدثنا علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (استأذنك أولوا الطول)، قال: يعني أهل الغنى.
١٧٠٦٢- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (أولوا الطول منهم)، يعني: الأغنياء.
١٧٠٦٣- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم)، كان منهم عبد الله بن أبيّ، والجدُّ بن قيس. فنعى الله ذلك عليهم. (٢)
* * *
(٢) الأثر: ١٧٠٦٣ - سيرة ابن هشام ٤: ١٩٧، وهو تابع الأثر السالف رقم: ١٧٠٥٥، غير أن ابن هشام قال: " وكان ابن أبي من أولئك، فنعى الله ذلك عليه، وذكره منه ".
ولم يذكر هنا " الجد بن قيس ".