آيات من القرآن الكريم

فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ

بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةٍ»
فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْعَدَدَ فِي مَعْرِضِ التَّضْعِيفِ لِرَسُولِهِ صار أصلا فيه.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٨١ الى ٨٢]
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ قَبَائِحِ أعمال المنافقين، وهو فرحهم بالعقود وَكَرَاهَتُهُمُ الْجِهَادَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُرِيدُ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَالْمُخَلَّفُ الْمَتْرُوكُ مِمَّنْ مَضَى.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُمُ احْتَالُوا حَتَّى تَخَلَّفُوا، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فَرِحَ الْمُتَخَلِّفُونَ.
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنَعَ أَقْوَامًا مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ يُفْسِدُونَ وَيُشَوِّشُونَ، فَهَؤُلَاءِ كَانُوا مُخَلَّفِينَ لَا مُتَخَلِّفِينَ. وَالثَّانِي: أَنَّ أُولَئِكَ الْمُتَخَلِّفِينَ صَارُوا مُخَلَّفِينَ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَأْتِي بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا [التَّوْبَةِ: ٨٣] فَلَمَّا مَنَعَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهُ صَارُوا بِهَذَا السَّبَبِ مُخَلَّفِينَ. الثَّالِثُ: أَنَّ مَنْ يَتَخَلَّفُ عَنِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ خُرُوجِهِ إِلَى الْجِهَادِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُخَلَّفٌ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَنْهَضْ فَبَقِيَ وَأَقَامَ. وَقَوْلُهُ: بِمَقْعَدِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُرِيدُ الْمَدِينَةَ، فَعَلَى هَذَا الْمَقْعَدُ اسْمٌ لِلْمَكَانِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: بِمَقْعَدِهِمْ بِقُعُودِهِمْ وَعَلَى هَذَا، هُوَ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ. وَقَوْلُهُ: خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ قُطْرُبٍ وَالْمُؤَرِّجِ وَالزَّجَّاجِ، يَعْنِي مُخَالَفَةً لِرَسُولِ اللَّهِ حِينَ سَارَ وَأَقَامُوا. قَالُوا: وَهُوَ مَنْصُوبٌ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ، وَالْمَعْنَى بِأَنْ قَعَدُوا لِمُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالثَّانِي: قَالَ الْأَخْفَشُ: إِنَّ خِلافَ بِمَعْنَى خَلْفَ، وَإِنَّ يُونُسَ رَوَاهُ عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ وَمَعْنَاهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ، وَيُقَوِّي هَذَا الْوَجْهَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، الْخِلَافُ اسْمٌ لِلْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ كَالْخَلْفِ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى قُدَّامِهِ فَجِهَةُ خَلْفِهِ مُخَالِفَةٌ لِجِهَةِ قُدَّامِهِ فِي كَوْنِهَا جِهَةً مُتَوَجِّهًا إِلَيْهَا، وَخِلَافَ بِمَعْنَى خَلْفَ مُسْتَعْمَلٌ أَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِلْأَحْوَصِ:

عَقَبَ الرَّبِيعُ خِلَافَهُمْ فَكَأَنَّمَا بَسَطَ الشَّوَاطِبُ بَيْنَهُنَّ حَصِيرَا
وَقَوْلُهُ: وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ فَرِحُوا بِسَبَبِ التَّخَلُّفِ وَكَرِهُوا الذَّهَابَ إِلَى الْغَزْوِ.
وَاعْلَمْ أن الفرح بالإقامة يدل عَلَى كَرَاهَةِ الذَّهَابِ إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى أَعَادَهُ لِلتَّأْكِيدِ، وَأَيْضًا لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مَالَ طَبْعُهُ إِلَى الْإِقَامَةِ لِأَجْلِ إِلْفِهِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَاسْتِئْنَاسِهِ بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَكَرِهَ الْخُرُوجَ إِلَى الْغَزْوِ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ لِلْمَالِ وَالنَّفْسِ لِلْقَتْلِ وَالْإِهْدَارِ، وَأَيْضًا مِمَّا مَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْخُرُوجِ شِدَّةُ الْحَرِّ فِي وَقْتِ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَقالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ.
فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذَا السَّبَبِ الْأَخِيرِ بِقَوْلِهِ: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ أَيْ إِنَّ بَعْدَ هَذِهِ الدَّارِ دَارًا أُخْرَى، وَإِنَّ بَعْدَ هَذِهِ الْحَيَاةِ حَيَاةً أُخْرَى، وَأَيْضًا هَذِهِ مَشَقَّةٌ مُنْقَضِيَةٌ، وَتِلْكَ مَشَقَّةٌ بَاقِيَةٌ، وَرَوَى صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» لبعضهم:

صفحة رقم 113
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية