آيات من القرآن الكريم

فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ

للحكمة التي عليها يدور فلك التكوين والتشريع. واما الهداية بمعنى الدلالة على ما يوصل اليه فهى متحققة لا محالة ولكنهم بسوء اختيارهم لم يقبلوها فوقعوا فيما وقعوا وفيه اشارة الى ان استغفار النبي عليه السلام لاحد من غير استغفاره لنفسه لا ينفعه فاليأس من المغفرة وعدم قبول استغفاره ليس لبخل من الله ولا لقصور فى النبي عليه الصلاة والسلام بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها كما قال المولى جلال الدين فى شرح إليها كل المحال لا يدخل تحت قدرة قادر ولا يلزم من ذلك النقص فى القادر بل النقص فى المحال حيث لا يصلح لتعلق القدرة انتهى ومنه يعرف معنى قول العرفي الشيرازي ذات تو قادرست بايجاد هر محال الا بآفريدن چون تو يگانه وفى عبارته سوء ادب كما لا يخفى واعلم ان من كفرهم وفسقهم سخريتهم فى امر الصدقات ولو كان لهم ايمان وإصلاح لبالغوا فى الانفاق وجدّوا فى البذل كالمخلصين وفى التأويلات النجمية قلب المؤمن منور بالايمان وروحه متوجه الى الحق تعالى فالحق يؤيد روحه بتأييد نظر العناية وتوفيق العبودية فيسطع من الروح نور روحانى مؤيد بنور ربانى فتنبعث منه الخواطر الرحمانية الداعية الى الله تعالى باعمال موجبة للقربة من الفرائض والنوافل فتارة تكون الأعمال بدنية كالصوم والصلاة وتارة تكون تلك الأعمال مالية كالزكاة والصدقة فيتطوع بالصدقة فضلا عن الزكاة وفى الحديث (ان النافلة هدية المؤمن الى ربه فليحسن أحدكم هديته وليطيبها) وقلب المنافق مظلم بظلمات صفات النفس لعدم نور الايمان وروحه متوجه الى الدنيا وزخارفها بتبعية النفس الامارة بالسوء مطرود بالخذلان لان قرينه الشيطان فبتأثير الخذلان ومقارنة الشيطان يصعد من النفس ظلمة نفسانية تمنع القلب من قبول الدعوة واجابة الرسل واتباع الأوامر واجتناب النواهي بالصدق وتنبعث منه الخواطر الظلمانية النفسانية وبذلك يمتنع عن أداء الفرائض فضلا عن النوافل والتطوعات ويهزأ بمن يفعل ذلك- روى- ان داود عليه السلام سأل ربه ان يريه الميزان فاراه إياه فى المنام فلما رأى عظمته غشى عليه فلما أفاق قال الهى من الذي يقدر ان يملأ گفته من الحسنات فقال يا داود انى إذا رضيت عن عبدى املأها بتمرة- وروى- ان الحسن مر به نخاس ومعه جارية جميلة فقال للنخاس أترضى فى ثمنها بدرهم او در همين قال لا قال فاذهب فان الله يرضى فى الحور العين بالفلس والفلسين: قال السعدي قدس سره

بدنيا توانى كه عقبى خرى بخر جان من ور نه حسرت خورى
واعلم ان النوافل مقبولة بعد أداء الفرائض والا فهى من علامات اهل الهوى فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ المخلف ما يتركه الإنسان خلفه والمتخلف الذي تأخر بنفسه والمراد المنافقون الذين خلفهم النبي عليه السلام بالمدينة حين الخروج الى غزوة تبوك بالاذن لهم فى القعود عند استئذانهم بِمَقْعَدِهِمْ مصدر ميمى بمعنى القعود متعلق بفرح اى بقعودهم وتخلفهم عن الغزو خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ ظرف للمصدر اى خلفه وبعد خروجه حيث خرج ولم يخرجوا فالخلاف بمعنى خلف كما فى قوله تعالى وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا يقال اقام زيد خلاف القوم اى تخلف عنهم بعد ذهابهم ظعن او لم يظعن ويجوز ان يكون بمعنى المخالفة

صفحة رقم 474

فيكون انتصابه على العلة لفرح اى فرحوا لاجل مخالفتهم إياه عليه السلام بان مضى هو للجهاد وتخلفوا عنه وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيثارا للدعة والخفض اى الراحة وسعة العيش على طاعة الله مع ما فى قلوبهم من الكفر والنفاق. وفى ذكر الكراهة بعد الفرح الدال عليها تعريض بالمؤمنين الذين بذلوا أموالهم وأنفسهم فى سبيل الله وآثروا تحصيل رضاه تعالى وفى قوله كرهوا مقابلة معنوية مع فرح لان الفرح من ثمرات المحبة وَقالُوا اى قال بعضهم لبعض تثبيتا لهم على التخلف والقعود وتواصيا فيما بينهم بالشر والفساد او قالوا للمؤمنين تثبيطا لهم عن الجهاد ونهيا لهم عن المعروف فقد جمعوا ثلاث خصال من خصال الكفر والضلال الفرح بالقعود وكراهة الجهاد ونهى الغير عن ذلك لا تَنْفِرُوا اى لا تخرجوا فِي الْحَرِّ فانه لا تستطاع شدته وكانوا دعوا الى غزوة تبوك فى وقت نضج الرطب وهو أشد ما يكون من الحر وقول عروة بن الزبير ان حروجه عليه السلام لتبوك كان فى زمن الخريف لا ينافى وجود الحر فى ذلك الزمن لان أوائل الخريف
وهو الميزان يكون فيه الحر وكان ممن تخلف عن مسيره معه ﷺ ابو خيثمة ولما سار عليه السلام أياما دخل ابو خيثمة على اهله فى يوم حار فوجد امرأتين له فى عريشتين لهما فى حائط قدرشت كل منهما عريشتها وبردت فيها ماء وهيأت طعاما فلما دخل نظر الى امرأتيه وما صنعتا فقال رضى الله عنه رسول الله ﷺ فى الحر وابو خيثمة فى ظل وماء بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء ما هذا بالنصف ثم قال والله لا ادخل عريشة واحدة منكما حتى ألحق برسول الله فهيئالى زادا ففعلتا ثم قدم ناضحة فارتحلها وأخذ سيفه ورمحه ثم خرج فى طلب رسول الله حتى أدركه: قال الحافظ

ملول از همرهان بودن طريق كاردانى نيست بكش دشوارىء منزل بياد عهد آسانى
وقال
مقام عيش ميسر نميشود بي رنج بلى بحكم بلا بسته اند حكم الست
وقال
من از ديار حبيبم نه از ديار غريب مهيمنا بعزيزان خود رسان باشم
قُلْ ردا عليهم وتجهيلا نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا من هذا الحر وقد آثرتموها بهذه المخالفة فما لكم لا تحذرونها لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ اى يعلمون انها كذلك لما خالفوا وفى الحديث (ان ناركم هذه جزء من سبعين جزا من اجزاء نار جهنم) وبيانه انه لو جمع حطب الدنيا فاوقد كله حتى صار نارا لكان الجزء الواحد من اجزاء نار جهنم الذي هو من سبعين جزأ أشد من حر نار الدنيا وفى الخبر لما اهبط آدم عليه السلام مضى جبرائيل الى مالك وأخذ منه جمرة لآدم فلما تناولها أحرقت كفه فقال ما هذه يا جبرائيل قال جمرة من جهنم غسلتها سبعين مرة ثم آتيتها إليك فالق عليها الحطب واخبز وكل ثم بكى آدم وقال كيف (تقوى أولادي على حرها فقال له جبرائيل ليس لها على أولادك المطيعين من سبيل كما ورد فى الحديث تقول جهنم للمؤمن جز يا مؤمن فقد اطفأ نورك لهبى) ومن كان مع الله لا يحرقه شىء ألا ترى الى حال النبي عليه السلام

صفحة رقم 475

ليلة المعراج كيف تجاوز عن كرة الأثير ولم يحترق منه شعر وكانت النار بردا وسلاما على ابراهيم عليه السلام فَلْيَضْحَكُوا ضحكا قَلِيلًا فى الدنيا وهو اشارة الى مدة العمر وعمر الدنيا قليل فكيف عمر من فى الدنيا فانه اقل من القليل وَلْيَبْكُوا بكاء كَثِيراً فى الآخرة فى النار جَزاءً مفعول له للفعل الثاني اى ليبكوا جزاء بِما كانُوا يَكْسِبُونَ من فنون المعاصي وهذا لفظ امر ومعناه خبر اى يضحكون قليلا ويبكون دائما وانما اخرج فى صورة الأمر للدلالة على تحتم وقوع المخبر به فان امر الآمر المطاع مما لا يكاد يتخلف عند المأمور به- يروى- ان اهل النفاق يبكون فى النار عمر الدنيا لا يرقأ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم وفى الحديث (يرسل الله البكاء على اهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع ثم يبكون الدم حتى ترى وجوههم كهيئة الأخدود) ويجوز ان يكون الضحك كناية عن الفرح والبكاء عن الغم وان تكون القلة عبارة عن العدم والكثرة عن الدوام: يعنى [فردا ايشانرا غمى باشد بي فرح واندوهى بي سرور] فيكون وقت الضحك والبكاء فى الآخرة. ويجوز ان يكون وقتهما فى الدنيا اى هم لما هم عليه من الخطر مع رسول الله وسوء الحال بحيث ينبغى ان يكون ضحكهم قليلا وبكاؤهم من أجل ذلك كثيرا نحو قوله عليه السلام لامته (لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا وضحكتم قليلا) قال ابن عمر رضى الله عنهما خرج رسول الله ﷺ ذات يوم فاذا قوم يتحدثون ويضحكون فوقف وسلم عليهم فقال (أكثروا ذكرها ذم اللذات) قلنا وماها ذم اللذات قال (الموت) : قال الصائب

بر غفلت سياه دلان خنده ميزند غافل مشو ز خنده داندن نماى صبح
ومر الحسن البصري بشاب وهو يضحك فقال له يا بنى هل مررت على الصراط فقال لا فقال هل تدرى الى الجنة تصير أم الى النار فقال لا فقال ففيم هذا الضحك فما رؤى الفتى بعد ذلك يضحك- قيل- لما فارق موسى الخضر عليهما السلام قال إياك واللجاجة ولا تكن مشاء الا لحاجة ولا ضحاكا من غير عجب كان وابك على خطيئتك يا ابن عمران قال محمد بن واسع إذا رأيت رجلا فى الجنة يبكى ألست تتعجب من بكائه قال بلى قال فالذى يضحك فى الدنيا ولا يدرى الى م يصير هو اعجب منه وعن وهب بن منبه انه قال ان زكريا عليه السلام فقد ابنه يحيى عليه السلام فوجده مضطجعا على قبر يبكى فقال يا بنى ما هذا البكاء قال أخبرتني أمي ان جبريل أخبرك ان بين الجنة والنار مفازة ذات لهب لا يطفىء حرها الا الدمع فقال زكريا ابك يا بنى ابك وعن كعب الأحبار انه قال ان العبد لا يبكى حتى يبعث الله اليه ملكا فيمسح كبده بجناحه فاذا فعل ذلك بكى وعن انس قال ثلاثة أعين لا تمسها النار عين فقئت فى سبيل الله وعين باتت تحرس فى سبيل الله وعين دمعت من خشية الله وفى الحديث (لان ادمع دمعة من خشية الله أحب الى من ان تصدق بألف دينار) وفى التوراة يا ابن آدم إذا دمعت عيناك فلا تمسح الدموع بثوبك ولكن امسحها بكفك فانها رحمة قال العلماء البكاء على عشرة انواع. بكاء فرح. وبكاء حزن وبكاء رحمة. وبكاء خوف مما يحصل. وبكاء كذب كبكاء النائحة لانها تبكى لشجو غيرها وجاء (تخرج النائحة من قبرها يوم القيامة شعثاء غبراء عليها جلباب

صفحة رقم 476
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية