آيات من القرآن الكريم

۞ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ

ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم سَبَبٌ في ذلك، وعلى هذا الحَدِّ قال عليه السلام للأنصارِ في غَزْوَةِ حُنَيْنٍ: «كُنْتُمْ عَالَةً، فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ»، قال العراقيُّ: نَقَمُوا: أي: أنْكَرُوا.
وقال ص: إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ: إِنْ وصلْتَها: مفعولُ نَقَمُوا: أي: ما كرهوا إِلا إِغْنَاء اللَّه إِياهم، وقيل: هو مفعولٌ من أجله، والمفعولُ به محذوفٌ، أي: ما كرهوا الإِيمانَ إِلاَّ للإِغناء. انتهى.
ثم فتح لهم سبحانَهُ بابَ التَّوْبةِ رفقاً بهم ولطفاً، فروي أن الجُلاَسَ تَابَ من النفاقِ، وقال: إِن اللَّه قَدْ تَرَكَ لي بَابَ التَّوْبَة، فاعترف وأخلص، وحسنت توبته «١».
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٧٥ الى ٧٩]
وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩)
وقوله سبحانه: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ... الآية: هذه الآية نزلَتْ في ثَعْلَبَةَ بْنِ حاطب الأنصاريِّ «٢»، قال الحسن: وفي معتّب بن قشير معه،

(١) أخرجه الطبري (٦/ ٤٢٤) برقم: (١٦٩٩٩)، وذكره ابن عطية (٣/ ٦١)، والبغوي (٢/ ٣١١).
(٢) جاءت في «الإصابة» ترجمة ثعلبة بن حاطب أو ابن أبي حاطب الأنصاري بعد ترجمة ثعلبة بن حاطب بن عمرو وقال في ثعلبة بن حاطب أو ابن حاطب الأنصاري: ذكره ابن إسحاق فيمن بنى مسجد الضرار، وروى الباوردي وابن السكن وابن شاهين وغيرهم في ترجمة الذي قبله من طريق معان بن رفاعة، عن عليّ بن زيد، عن القاسم، عن أبي أمامة- أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري قال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قَلِيلٌ تُؤَدِّي شُكْرَهُ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لاَ تطيقه... ». فذكر الحديث بطوله في دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم له وكثرة ماله ومنعه الصدقة ونزول قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ....
وفيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم مات ولم يقبض منه الصدقة، ولا أبو بكر، ولا عمر، وأنه مات في خلافة عثمان.
قال ابن حجر: وفي كون صاحب هذه القصة- إن صحّ الخبر ولا أظنه يصحّ- وهو البدري المذكور قبله- نظر، وقد تأكدت المغايرة بينهما، يقول ابن الكلبي: إن البدري استشهد بأحد، ويقوي ذلك أيضا أن ابن مردويه روى في تفسيره من طريق عطية عن ابن عبّاس في الآية المذكورة. قال: وذلك أن رجلا يقال له ثعلبة بن أبي حاطب من الأنصار أتى مجلسا فأشهدهم فقال: لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ [التوبة: ٧٥] الآية فذكر القصّة بطولها، فقال: إنه ثعلبة بن أبي حاطب، والبدريّ اتفقوا على أنه ثعلبة بن حاطب وقد ثبت أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يدخل النّار أحد شهد بدرا والحديبيّة».
وحكى عن ربّه أنه قال لأهل بدر: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» فمن يكون بهذه المثابة كيف يعقبه الله نفاقا في قلبه، وينزل فيه ما نزل؟ فالظاهر أنه غيره، والله أعلم.

صفحة رقم 198

واختصار ما ذكره الطبريُّ «١» وغيره مِنْ أمره: أنه جاء إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادع اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي مَالاً، فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ ذَا مَالٍ، لَقَضَيْتُ حُقُوقَهُ، وَفَعَلْتُ فِيهِ الخَيْرَ، فَرَادَهُ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وَقَالَ: «قَلِيلٌ تُؤَدِّي شُكْرَهُ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لا تطيقه» فعاود، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَوْ دَعَوْتُ اللَّه أَنْ يُسَيِّرَ الجِبَالَ مَعِي ذَهَباً، لَسَارَتْ» فَأَعَادَ عَلَيْهِ حَتَّى دَعَا لَهُ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بِذَلِكَ، فاتخذ غَنَماً، فَنَمَتْ كَمَا يَنْمُو الدُّودُ حتى ضاقَتْ به المدينةُ، فتنحَّى عنها، وكَثُرت غنمه، حتَّى كان لا يُصَلِّي إِلا الجُمُعَةَ، ثم كَثُرَتْ حتى تَنَحَّى بعيداً، فترك الصَّلاَة، وَنَجَمَ نِفَاقه، وَنَزَلَ خلال ذلك فَرْضُ الزكاةِ، فبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مُصَدِّقِينَ بكتابه في أخْذ زكاة الغَنَمِ، فلما بلغوا ثَعْلَبَةَ، وقرأ الكِتَابَ، قالَ: هَذِهِ أُخْتُ الجِزْيَةِ، ثم قال لهم: دَعُونِي حَى أَرَى رأيي، فلما أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأَخْبَروه، قال:
«وَيْح ثَعْلَبَة» ثَلاَثاً، ونزلَتْ الآية فيه، فحضر القصَّةَ قريبٌ لثعلبة، فخرج إِليه، فقال: أَدْرِكْ أَمرك، فقد نَزَلَ فيك كذا وكذا، فخرج ثعلبة حتى أتى رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم، فَرَغِبَ أَنْ يؤدِّي زكاتَهُ، فأعرض عنه رسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَلاَّ آخُذَ زَكَاتَكَ»، فبقي كذلك حتّى توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم وَرَدَ ثَعلبةُ على أبي بَكْر، ثم على عمر، ثم على عثمان، يرغَبُ إِلى كلِّ واحد منهم أنْ يأخذ منه الزكاةَ، فكلّهم ردّ ذلك وأباه اقتداء بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فبقي ثعلبةُ كذلك حتى هَلَكَ في مدَّة عثمان «٢».
وفي قوله تعالى: فَأَعْقَبَهُمْ: نصٌّ في العقوبة على الذَّنْب بما هو أشدُّ منه.
وقوله: إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ: يقتضي موافاتَهُمْ على النّفاق، قال ابن العربيّ: في ضمير

ينظر في: «أسد الغابة» (٥/ ٤٨)، «الإصابة» (٦/ ٣٣)، «تهذيب مستمر الأوهام» (ب ١٤٤)، «الاستيعاب» (٣/ ١٣٥٨)، «الجرح والتعديل» (٨/ ٢١٥)، «تجريد أسماء الصحابة» (٢/ ٦٨)، «الطبقات الكبرى» (٥/ ٥٣٠)، (٦/ ٢٩)، «الأنساب» (٣/ ١٠٨).
(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٦/ ٤٢٥). [.....]
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦/ ٤٢٥- ٤٢٦) رقم (١٧٠٠٢) والواحدي في «الوسيط» (٢/ ٥١٣) بتحقيقنا، وفي «أسباب النزول» ص: (١٩١- ١٩٢) من طريق معان بن رفاعة، عن علي بن يزيد، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة الباهلي به.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (٧/ ٣٤)، وعزاه للطبراني. وقال: وفيه علي بن يزيد الألهاني، وهو ضعيف وقال العراقي في «تخريج الإحياء» (٣/ ١٣٥) سنده ضعيف، والحديث ضعفه الحافظ في «تخريج الكشاف» (٧٧) وقال: إسناده ضعيف جدا.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٤٦٧)، وعزاه إلى الحسن بن سفيان وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ والعسكري في «الأمثال»، والطبراني وابن منده والباوردي وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» وابن مردويه، والبيهقي في «الدلائل» وابن عساكر.

صفحة رقم 199

يَلْقَوْنَهُ قولان:
أحدهما: أنه عائدٌ على اللَّه/ تعالى.
والثاني: أنه عائدٌ على النفاقِ مجازاً على تقدير الجَزَاءِ كأنه قال: فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إِلى يَوْمِ يلقون جَزَاءَهُ. انتهى من «الأحكام».
ويَلْمِزُونَ: معناه: ينالون بألسنتهم، وأكثر الروايات في سَبَبِ نزول الآية أَنَّ عبد الرحمن بْنِ عَوْفٍ تصدَّق بأربعة آلاف، وأمْسَكَ مثلها.
وقيل: هو عمر بنُ الخطَّاب تصدَّق بِنِصْفِ مالِهِ، وقيل: عاصمُ بْنُ عَدِيٍّ «١» تصدَّق بمائَةِ وَسْقٍ «٢»، فقال المنافقون: ما هذا إِلا رياء، فنزلَتِ الآية في هذا كلِّه، وأما المتصدِّق بقليل، فهو أبو عقيل تصدَّق بصاعٍ من تمرٍ، فقال بعضهم: إِن اللَّه غنيٌّ عن صاعِ أبي عقيل، وخرَّجه البخاريُّ «٣»، وقيل: إِن الذي لُمِزَ في القليلِ هو أبو خَيْثَمَةَ قاله كعب بن مالك «٤».
فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ: معناه: يستهزئون ويستخفُّونْ وروى مسلم عن جرير بن

(١) هو: عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان بن حارثة بن ضبيعة بن حرام بن جعل بن عمرو بن ودم بن ذبيان، أبو عبد الله، قال ابن الأثير:
شهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: لم يشهد بدرا بنفسه لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رده من الروحاء واستخلفه على العالية من المدينة، قاله محمد بن إسحاق وابن شهاب وضرب له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسهمه وأجره. توفي سنة ٤٥ وله ١١٥ سنة.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (٣/ ١١٤)، «الإصابة» (٤/ ٥)، «الثقات» (٣/ ٢٨٦)، «تجريد أسماء الصحابة» (١/ ٢٨٢)، «الاستيعاب» (٢/ ٧٨١)، «الاستبصار» (٢٩٨)، «بقي بن مخلد» (٢٥٦)، «الجرح والتعديل» (٦/ ٣٤٥)، «أصحاب بدر» (١٥٨)، «تهذيب التهذيب» (٥/ ٤٩)، «تهذيب الكمال» (٢/ ٦٣٦)، «الأعلام» (٣/ ٢٤٨)، «التحفة اللطيفة» (٢/ ٢٧٠)، «شذرات الذهب» (١/ ٥٤).
(٢) الوسق: ستون صاعا وهو ثلاثمائة وعشرون رطلا عند أهل الحجاز، وأربعمائة وثلاثون رطلا عند أهل العراق على اختلافهم في مقدار الصاع والمد.
ينظر: «لسان العرب» (٤٨٣٦).
(٣) ورد هذا في حديث أخرجه البخاري (٨/ ١٨١) كتاب «التفسير» باب: «الذين يلمزون المطوعين في الصدقات» برقم: (٤٦٦٨- ٤٦٦٩) عن ابن مسعود رضي الله عنه، وعن ابن عباس أخرجه الطبري (٦/ ٤٣٠) برقم: (١٧٠١٨) نحوه، وذكره ابن عطية (٣/ ٦٣)، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٣٧٥)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٤٧٠)، وزاد نسبته إلى ابن مردويه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦/ ٤٣٢) برقم: (١٧٠٣١)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٣/ ٦٣)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٤٧٠).

صفحة رقم 200
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية