آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ

أمر تعالى رسوله ﷺ بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، كما أمره بن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين وأخبره أن مصير الكفار والمنافقين إلى النار في الدار الآخرة، وقد تقدم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال :( بعث رسول الله ﷺ بأربعة أسياف : سيف للمشركين ﴿ فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ﴾ [ التوبة : ٥ ] وسيف للكفار أهل الكتاب ﴿ قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر ﴾ [ التوبة : ٢٩ ]، وسيف للمنافقين ﴿ جَاهِدِ الكفار والمنافقين ﴾، وسيف للبغاة ﴿ فَقَاتِلُواْ التي تَبْغِي حتى تفياء إلى أَمْرِ الله ﴾ [ الحجرات : ٩ ]، وهذا يقتضي أنهم يجاهدون بالسيوف إذا أظهروا النفاق ). قال ابن مسعود ﴿ يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الكفر وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ ﴾ قال : بيده فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه، وقال ابن عباس : أمره الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان، وأذهب الرفق عنهم، وقال الضحاك : جاهد الكفار بالسيف، واغلظ على المنافقين بالكلام وهو مجاهدتهم، وقال الحسن وقتادة ومجاهد : مجاهدتهم إقامة الحدود عليهم؛ ولا منافاة بين هذه الأقوال، لأنه تارة يؤاخذهم بهذا وتارة بهذا بحسب الأحوال والله أعلم. وقوله :﴿ يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الكفر وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ ﴾ قال قتادة : نزلة في ( عبد الله بن أبي ) وذلك أنه اقتتل رجلان، جهني وأنصاري، فعلا الجهني على الأنصاري، فقال عبد الله للأنصار ألا تنصرون أحاكم؟ والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمِّن كلبك يأكلك، وقال :﴿ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل ﴾ [ المنافقون : ٨ ]، فسعى بها رجل من المسلمين إلى النبي ﷺ فأرسل إليه فسأله، فجعل يحلف بالله ما قاله، فأنزل الله في هذه الآية.
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير عن ابن عباس قال :« كان رسول الله ﷺ جالساً في ظل شجرة، فقال :» إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم - بعيني الشيطان - فإذا جاء فلا تكلموه « فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق، فدعاه رسول الله ﷺ، فقال :» علام تشتمني أنت وأصحابك «؟ فانطلق الرجل، فجاءه بأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم، فأنزل الله عزَّ وجلَّ :﴿ يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ ﴾ الآية »، وقوله :﴿ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ ﴾ قيل أنزلت في الجلاس بن سويد، وذلك أنه همّ بقتل ابن امرأته حين قال لأخبرن رسول الله ﷺ، وقيل : في ( عبد الله بن أبيّ ) همَّ بقتل رسول الله ﷺ، وقد ورد أن نفراً من المنافقين هموا بالفتك بالنبي ﷺ وهو في غزوة تبوك في بعض تلك الليالي في حال السير، وكانوا بضعة عشر رجلاً، قال الضحاك : ففيهم نزلت هذه الآية، روى الحافظ البيهقي في كتاب « دلائل النبوة »

صفحة رقم 1061

« عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : كنت آخذاً بخطام ناقة رسول الله ﷺ أقود به، وعمار يسوق الناقة، حتى إذا كنا بالعقبة، فإذا أنا باثني عشر راكباً قد اعترضوه فيها، قال : فانتهرهم رسول الله ﷺ، وصرخ بهم، فولوا مدبرين، فقال لنا رسول الله ﷺ :» هل عرفتم القوم «؟ قلنا : يا رسول الله قد كانوا متلثمين، ولكنا قد عرفنا الركاب، قال :» هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة وهل تدرون ما أرادوا «؟ قلنا : لا، قال :» أرادوا أن يزاحموا رسول الله ﷺ في العقبة فيلقوه منها «، قلنا يا رسول الله أفلا نبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟ قال :» لا، أكره أن تتحدث العرب بينها أن محمداً قاتل، حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم « وقوله تعالى :﴿ وَمَا نقموا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ أي وما للرسول عندهم ذنب إلا أن الله أغناهم ببركته ويمن سعادته، ولو تمت عليهم السعادة لهداهم الله » لما جاء به كما قال ﷺ للأنصار :« ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي »؟ كلما قال شيئاً، قالوا : الله ورسوله أمّن « وهذه الصيغة تقال حيث لا ذنب، كقوله :﴿ وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله ﴾ [ البروج : ٨ ] الآية، ثم دعاهم الله تبارك وتعالى إلى التوبة فقال :﴿ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ الله عَذَاباً أَلِيماً فِي الدنيا والآخرة ﴾ أي وإن يستمروا على طريقهم يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا : أي بالقتل والهم والغم، والآخرة : أي بالعذاب والنكال والهوان والصغار ﴿ وَمَا لَهُمْ فِي الأرض مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾ أي وليس لهم أحد يسعدهم ولا ينجدهم، لا يحصِّلُ لهم خيراً، ولا يدفع عنهم شراً.

صفحة رقم 1062
تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد نسيب بن عبد الرزاق بن محيي الدين الرفاعي الحلبي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية