
وَقَوْلُهُ: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٠٤]
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ أَيْ: يُطِيعُونَ اللَّهَ وَيُحْسِنُونَ إِلَى خَلْقِهِ، ﴿وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أَيْ: فِيمَا أَمَرَ، وَتَرْكِ مَا عَنْهُ زَجَرَ، ﴿أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾ أَيْ: سَيَرْحَمُ اللَّهُ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ أَيْ: عَزِيزٌ، مَنْ أَطَاعَهُ أَعَزَّهُ، فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، ﴿حَكِيمٌ﴾ فِي قِسْمَتِهِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لِهَؤُلَاءِ، وَتَخْصِيصِهِ الْمُنَافِقِينَ بِصِفَاتِهِمُ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّ لَهُ الْحِكْمَةَ فِي جَمِيعِ مَا يَفْعَلُهُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢) ﴾
يُخْبِرُ تَعَالَى بِمَا أَعَدَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَالْمُؤْمِنَاتِ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ فِي ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أَيْ: مَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدًا، ﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً﴾ أَيْ: حَسَنَةَ الْبِنَاءِ، طَيِّبَةَ الْقَرَارِ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ" (١)
وَبِهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَة مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفة، طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا فِي السَّمَاءِ، لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ، لَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا" أَخْرَجَاهُ (٢)
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ، فَإِنَّ (٣) حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نُخْبِرُ النَّاسَ؟ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَمِنْهُ تَفَجَّر أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ" (٤)
وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ... فَذَكَرَ مِثْلَهُ (٥)
وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ عبادة بن الصامت، مثله (٦)
(٢) صحيح البخاري برقم (٤٨٧٩) وصحيح مسلم برقم (٢٨٣٨).
(٣) في ت، ك، أ: "كان".
(٤) صحيح البخاري برقم (٧٤٢٣) من طريق فليح عَنْ هِلَالٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
(٥) المعجم الكبير (٢٠/١٥٨) وسنن الترمذي برقم (٢٥٣٠) وعند ابن ماجه القطعة الثانية منه برقم (٤٣٣١)، وقد أشار الحافظ إلى الاختلاف على عطاء بن يسار.
(٦) سنن الترمذي برقم (٢٥٣١).

وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ (١) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الغُرفة فِي الْجَنَّةِ، كما تراؤون الْكَوْكَبَ فِي السَّمَاءِ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (٢)
ثُمَّ لِيُعْلَمَ (٣) أَنَّ أَعْلَى مَنْزِلَةٍ فِي الْجَنَّةِ مكانٌ يُقَالُ لَهُ: "الْوَسِيلَةُ" لِقُرْبِهِ مِنَ الْعَرْشِ، وَهُوَ مَسْكَنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجَنَّةِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ [بْنُ حَنْبَلٍ] (٤)
حَدَّثَنَا عبد الرازق، أخبرنا سفيان، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ فَسَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَسِيلَةُ؟ قَالَ: "أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ، لَا يَنَالُهَا إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ" (٥)
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَير، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صلُّوا عليَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنِّي أَكُونُ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حلت عليه الشَّفَاعَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (٦)
[وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، إِلَّا حَلَتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"] (٧)
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَلُوا اللَّهَ لي الوسيلة، فإنه لم يسألها لي عبد فِي الدُّنْيَا إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَهِيدًا -أَوْ شَفِيعًا -يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (٨)
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ (٩) أَبِي مُجَاهِدٍ الطَّائِيِّ، عَنْ أبي المدله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ، مَا بِنَاؤُهَا؟ قَالَ: "لَبِنَةُ ذَهَبٍ، وَلَبِنَةُ فِضَّةٍ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ، مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ، وَيَخْلُدُ لَا يَمُوتُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ" (١٠)
وروي عن ابن عمر مرفوعا، نحوه (١١)
(٢) صحيح البخاري برقم (٦٥٥٥) وصحيح مسلم برقم (٢٨٣٠).
(٣) في ت: "لتعلم".
(٤) زيادة من ت، أ.
(٥) المسند (٢/٢٥٦).
(٦) صحيح مسلم برقم (١٣٨٤).
(٧) زيادة من ت، ك، أ. وهو في صحيح البخاري برقم (٦١٤).
(٨) المعجم الأوسط برقم (٦٣٩) "مجمع البحرين".
(٩) في أ: "عن سعيد".
(١٠) المسند (٢/٣٠٤).
(١١) رواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم (٩٦) من طريق عمر بن ربيعة عن الحسن البصري عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا نحو حديث أبي هريرة.

وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لغُرفا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا". فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَنْ هِيَ؟ فَقَالَ: "لِمَنْ طَيَّبَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ" (١)
ثُمَّ قَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، كُلٌّ مِنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ (٢) وَكُلٌّ مِنَ الْإِسْنَادَيْنِ جَيِّدٌ حَسَنٌ، وَعِنْدَهُ (٣) أَنَّ السَّائِلَ هُوَ "أَبُو مَالِكٍ"، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا هَلْ مُشَمِّر إِلَى الْجَنَّةِ؟ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَر لَهَا، هِيَ -وَرَبِّ الْكَعْبَةِ -نُورٌ يَتَلَأْلَأُ وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزّ، وَقَصْرٌ مَشيدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرد، وَثَمَرَةٌ نَضِيجة، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَميلة، وحُلَل كَثِيرَةٌ، وَمَقَامٌ فِي (٤) أَبَدٍ، فِي دَارٍ سَلِيمَةٍ، وَفَاكِهَةٍ وَخُضْرَةٍ وَحَبْرَةٍ وَنَعْمَةٍ فِي مَحَلَّةٍ عَالِيَةٍ بَهِيَّةٍ". قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا، قَالَ: "قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ". فَقَالَ الْقَوْمُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (٥)
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ أَيْ: رِضَا اللَّهِ عَنْهُمْ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْري، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ يَا رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدِكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبِّ، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعط أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ. فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا" أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ (٦)
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ الرُّخاميّ، حَدَّثَنَا الفِرْياني، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِر، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا فَأَزِيدُكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَبَّنَا، مَا خَيْرٌ مِمَّا أعطيتنا؟ قال: رضواني أكبر".
(٢) أما حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فرواه أيضا الإمام أحمد في مسنده (٢/١٧٣) من طريق حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما. وأما حديث أبي مالك الأشعري فهو في المعجم الكبير (٣/٣٠١) وسيأتي عند تفسير الآية: ٢٠ من سورة الزمر.
(٣) في أ: "وعنه".
(٤) في ت: "ومقام به في".
(٥) سنن ابن ماجه برقم (٤٣٣٢) من طريق الضحاك المعافري، عن سليمان بن موسى، عن كريب، عن أسامة بن زيد به. وقال البوصيري في الزوائد (٣/٣٢٥) :"هذا إسناد فيه مقال".
(٦) صحيح البخاري برقم (٦٥٤٩) وصحيح مسلم برقم (٢٨٢٩).

وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ (١) وَقَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ "صِفَةِ الْجَنَّةِ": هَذَا عِنْدِي عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، واللَّهُ أعلم.