
بتألفهم إسلام نظرائهم وأثبت الشافعي والأصحاب سهم هذين الصنفين وصنف يراد بتألفهم أن يجاهدوا من يليهم من الكفار أو من مانعي الزكاة ويقبضوا زكاتهم، وهذان في معنى الغزاة والعاملين وعلى هذا فيسقط سهم المؤلفة بالكلية لكن يجوز صرفه إليهما كما أفتى به الماوردي وَفِي الرِّقابِ أي وفي فك الرقاب فسهمهم موضوع في المكاتبين ليعتقوا به كما هو مذهب الشافعي والليث بن سعد أو موضوع لعتق الرقاب يشترى به عبيد فيعتقون كما هو مذهب مالك وأحمد وإسحاق.
وقال الزهري: سهم الرقاب نصفان: نصف للمكاتبين من المسلمين، ونصف يشترى به رقاب ممن صلوا وصاموا وقدم إسلامهم فيعتقون من الزكاة وَالْغارِمِينَ أي
المديونين في طاعة الله وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ويجوز للغازي أن يأخذ من مال الزكاة وإن كان غنيا كما هو مذهب الشافعي، ومالك، وإسحاق، وأبي عبيد. وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يعطى الغازي إلا إذا كان محتاجا. ونقل القفال عن بعض الفقهاء: أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد لأن قوله تعالى في سبيل الله عام في الكل وَابْنِ السَّبِيلِ وهو الذي يريد السفر في غير معصية فيعجز عن بلوغ سفره إلا بمعونة، ويصرف مال الزكاة إلى الأصناف الأربعة:
الأول: حتى يتصرفوا فيه كما شاءوا. وفي الأربعة الأخيرة: لا يصرف المال إليهم بل يصرف المال إلى جهات الحاجات المعتبرة في الصفات التي لأجلها استحقوا سهم الزكاة، ومذهب أبي حنيفة أنه يجوز صرف الصدقة إلى بعض هؤلاء الأصناف كما هو قول عمر وحذيفة وابن عباس وسعيد بن جبير.
وقال الشافعي: لا بد من صرفها إلى الأصناف الثمانية كما هو قول عكرمة والزهري وعمر بن عبد العزيز. فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ أي فرض الله الصدقات لهؤلاء فريضة والمقصود من هذا التأكيد تحريم إخراج الزكاة عن الأصناف وَاللَّهُ عَلِيمٌ فيعلم بمقادير المصالح حَكِيمٌ (٦٠) لا يشرع إلا ما هو الأصوب الأصلح
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ.
روي أن جماعة من المنافقين حذام بن خالد وإياس بن قيس، وسماك بن يزيد وعبيد بن مالك، والجلاس بن سويد، ووديعة بن ثابت ذكروا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بما لا ينبغي من القول ثم قالوا: إن كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمير، وكان عندهم غلام يقال له: عامر بن قيس ثم أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأخبره فدعاهم وسألهم، فأنكروا وحلفوا أن عامرا كذاب، وحلف عامر أنهم كذبة فصدقهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجعل عامر يدعو ويقول: «اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب» فأنزل الله هذه الآية
ومقصود المنافقين بقولهم هو أذن أنه صلّى الله عليه وسلّم ليس له ذكاء بل هو سليم القلب سريع الاغترار بكل ما يسمع قُلْ يا أشرف الخلق لهؤلاء المنافقين أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ.

قرأ عاصم في رواية الأعمش، وعبد الرحمن عن أبي بكر عنه «أذن خير» مرفوعين، أي إن كان صلّى الله عليه وسلّم كما تقولون: إنه أذن فأذن يقبل منكم خير لكم من أن يكذبكم. والباقون بالإضافة أي هو أذن خير لا أذن شر، أي يصدقكم بالخير لا بالكذب. ثم بيّن الله كونه صلّى الله عليه وسلّم أذن خير بقوله: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ لما قام عنده من الأدلة وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي ويرضى لهم ويصدقهم لما علم فيهم من الخلوص وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ أي وهو رفق بالذين أظهروا الإيمان منكم حيث لا يكشف أسرارهم.
وقرأ حمزة «ورحمة» بالجر عطفا على خير. وقرأ ابن عامر «ورحمة» بالنصب علة لمحذوف، أي ويأذن لكم رحمة وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ بقولهم هو أذن ونحوه لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١) في الدنيا والآخرة يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ أي إنهم حلفوا على أنهم ما قالوا ما حكي عنهم ليرضوا المؤمنين بيمينهم وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ أي والحال أنه تعالى ورسوله أحق بالإرضاء منكم وكان من الواجب أن يرضوهما بالإخلاص والتوبة والمتابعة وإيفاء حقوقه صلّى الله عليه وسلّم في باب الإجلال مشهدا ومغيبا لا بإتيانهم بالأيمان الفاجرة إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢) فليرضوا الله ورسوله بالطاعة فإنهما أحق بالإرضاء أَلَمْ يَعْلَمُوا أي أولئك المنافقون جلاس وأصحابه أَنَّهُ أي الشأن مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ أي من يخالف الله وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ أي فحق أن له نار جهنم أي فيكون نار جهنم له أمر ثابت خالِداً فِيها ذلِكَ أي العذاب الخالد الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣) أي الندم الشديد وهي ثمرات نفاقهم يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ أي يخاف المنافقون أن تنزل في شأنهم سورة تذيع ما كانوا يخفونه من أسرارهم إذاعة ظاهرة فتنتشر فيما بين الناس فيسمعونها من أفواه الرجال فكأن السورة تخبرهم بها وهم كانوا إذا سمعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر كل شيء ويقول: إنه بطريق الوحي يكذبونه ويستهزئون به قُلِ اسْتَهْزِؤُا أي افعلوا الاستهزاء بمحمد والقرآن إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (٦٤) أي فإن الله مظهر ما تحذرونه من إنزال السورة وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ.
قال الحسن وقتادة: لما سار الرسول إلى تبوك قال المنافقون بينهم: أتراه يظهر على الشام ويأخذ حصونها وقصورها، هيهات هيهات، فعند رجوعه صلّى الله عليه وسلّم دعاهم وقال: أنتم القائلون بكذا وكذا فقالوا: ما كان ذلك بالجد في قلوبنا وإنما كنا نتحدث ونضحك فيما بيننا قُلْ أَبِاللَّهِ أي بتكاليف الله وَآياتِهِ أي وبالقرآن وبسائر ما يدل على الدين وَرَسُولِهِ محمد صلّى الله عليه وسلّم كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا أي لا تذكروا هذا العذر في دفع هذا الجرم قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ أي وقد ظهر كفركم للمؤمنين بالطعن في الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد أن كنتم عندهم مسلمين إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً.

قرأ عاصم «نعف» و «نعذب» بالنون مبنيا للفاعل و «طائفة» بالنصب. والباقون «يعف» بالياء و «تعذب» بالتاء بالبناء للمفعول، و «طائفة» بالرفع.
روي أن الطائفتين كانوا ثلاثة فالواحد: طائفة وهو: جهير بن حمير. والاثنان: طائفة وهما وديعة بن جذام، وجد بن قيس. فالذي عفى عنه جهير بن حمير لأنه كان ضحك معهم ولم يستهزئ معهم فلما نزلت هذه الآية تاب من نفاقه وقال: اللهم إني لا أزال أسمع آية تقشعر منها الجلود وتخفق منها القلوب، اللهم اجعل وفاتي قتلا في سبيلك لا يقول أحد أنا غسلت، أنا كفنت، أنا دفنت فأصيب يوم اليمامة فلم يعرف أحد من المسلمين مصرعه بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦) أي مستمرين على النفاق والاستهزاء فأوجب التعذيب الْمُنافِقُونَ وكانوا ثلاثمائة وَالْمُنافِقاتُ وكن مائة وسبعين بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أي متشابهون في صفة النفاق والأفعال الخبيثة يَأْمُرُونَ أي يأمر بعضهم بعضا بِالْمُنْكَرِ أي بالكفر والمعاصي وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ أي عن الإيمان والطاعة وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ عن كل خير من زكاة وصدقة وإنفاق في سبيل الله نَسُوا اللَّهَ أي تركوا أمر الله فَنَسِيَهُمْ أي فجازاهم بتركهم من رحمته إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧) أي الكاملون في الفسق الذي هو الانسلاخ من كل خير وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ أي المجاهرين بالكفر نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فالنار المخلدة من أعظم العقوبات هِيَ حَسْبُهُمْ أي تلك العقوبة كافية ولا شيء أبلغ منها ولا يمكن الزيادة عليها وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ أي أهانهم الله بالذم ملحقا بتلك العقوبة وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٦٨) غير النار كالزمهرير وكمقاساة تعب النفاق في الدنيا إذ هم دائما في حذر من أن يطلع المسلمون على نفاقهم كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أي فعلكم أيها المنافقون كفعل الكفار الذين كانوا قبلكم في الأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، وقبض الأيدي عن الخيرات كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً في الأبدان وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ أي فتمتعوا مدة بنصيبهم من لذات الدنيا فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ أي فأنتم أيها المنافقون استمتعتم بنصيبكم استمتاعا كاستمتاع الكفار الذين من قبلكم بحظوظهم الخسيسة من الشهوات الفانية وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أي وتلبستم بتكذيب الأنبياء في السر وبالمكر والغدر بهم كالتلبس الذي تلبسوا به من تكذيب أنبياء الله والغدر بهم أُولئِكَ الموصوفون بالأفعال الذميمة حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ أي بطلت حسناتهم بسبب الفقر والانتقال من العز إلى الذل، ومن القوة إلى الضعف، وبسبب الموت في الآخرة بسبب أنهم يعاقبون أشد العقاب وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩) حيث أتعبوا أنفسهم في الرد على الأنبياء فما وجدوا منه إلا فوات الخيرات في الدنيا والآخرة، وإلا حصول العقاب في الدنيا والآخرة أَلَمْ يَأْتِهِمْ أي