آيات من القرآن الكريم

وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ
ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ

٦ - قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ﴾ الآية، قال الفراء: ﴿اسْتَجَارَكَ﴾ في موضع جزم وإن فرق بين الجازم والمجزوم بـ"أحد" وذلك سهل في (إن) خاصة دون حروف الجزاء؛ لأنها شرط وليست باسم، فلم يحفلوا أن يفرقوا بينها وبين المجزوم بالمرفوع والمنصوب، فأما المنصوب فمثل قولك: إن أخاك ضربت ظلمت، والمرفوع مثل قوله: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ﴾ [النساء: ١٧٦] ولو حولت "هلك" إلى (يهلك) (١) لجزمته (٢)، ونحو هذا قال الزجاج، فقال: وإنما يجوز الفصل في باب (إن) لأن (إن) أم الجزاء، لا تزول (٣) عنه إلى غيره، فأما أخواتها فلا يجوز ذلك فيها إلا في الشعر، قال الشاعر (٤):

فمتى واغل يزرهم (٥) يحيوه وتُعطفْ عليه كأس الساقي (٦)
قال ابن عباس: " ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ﴾ ممن لم يكن له عهد" (٧)، وقال محمد بن إسحاق: "أي: من هؤلاء الذين أمرتك بقتالهم" (٨)، وقال سعيد بن جبير: "جاء رجل من المشركين إلى علي بن
(١) في "معاني القرآن": إن يهلك.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٢٢.
(٣) في (ح) و (ي): (لا تزال)، والمثبت من (م) وهو موافق لـ "معاني القرآن وإعرابه".
(٤) البيت لعدي بن زيد العبادي، كما في ملحق "ديوانه" ١٥٦، و"خزانة الأدب" ٣/ ٤٦، و"كتاب سيبويه" ٣/ ١١٣.
(٥) في النسخة (ح) و (م): (ينبهم)، وأثبت ما في النسخة (ى) لأنه موافق لما في "معاني القرآن وإعرابه"، والواغل: الداخل على القوم في شرابهم أو طعامهم ولم يدع. انظر: "مجمل اللغة" (وغل) ٤/ ٩٣١، و"القاموس المحيط"، باب اللام، فصل الواو ص ١٠٦٩.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٣٢.
(٧) لم أقف على مصدره.
(٨) "السيرة النبوية" ٤/ ٢٠٢.

صفحة رقم 298

أبي طالب: فقال: إن (١) أراد الرجل منا أن يأتي محمدًا بعد انقضاء هذا الأجل فيسمع كلام الله أو يأتيه لحاجة قتل؟! فقال علي: لا؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ﴾ الآية (٢)، وقال الزجاج: "المعنى: إن طلب منك أحد منهم أن تجيره من القتل إلى أن يسمع كلام الله فأجره" (٣). وقوله تعالى: ﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾، قال السدي (٤) ومقاتل (٥): "يعني القرآن"، وقال عطاء عن ابن عباس: "يريد: ما أعد (٦) الله لأوليائه من الثواب ولأعدائه من العقاب وما افترض في دينه من الصلاة والزكاة وصيام شهر رمضان وحج البيت وجميع الفرائض" (٧).
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ قال: "يريد: الموضع الذي يأمن فيه" (٨) يريد: إذا لم يتب، فإن تاب ﴿فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾، وقال ابن زيد: "يقول: إن لم يوافقه ما تتلو (٩) عليه فأبلغه مأمنه" (١٠).
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ يعني: يفعل كل هذا لأنهم جهلة، لا يعلمون دين الله وتوحيده وما افترض عليهم، وقال

(١) في (ح): (إذا)، وما أثبته موافق للمصدر الثاني.
(٢) "تفسير الثعلبي" ٦/ ٨١ أ.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٣١.
(٤) رواه ابن جرير ١٤/ ٨٠، وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" ٣/ ٣٨٦.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٢٦ أ.
(٦) في (ي): (ما عطا)، وسقطت (ما) من النسخة (ح).
(٧) لم أعثر عليه.
(٨) رواه بمعناه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص ١٨٧.
(٩) في (ح): (يتلى)، والمثبت موافق لـ"تفسير ابن جرير".
(١٠) رواه ابن جرير ١٠/ ٨٠، وبنحوه ابن أبي حاتم ٦/ ١٧٥٦.

صفحة رقم 299

أبو إسحاق "أي: الأمر ذلك، أي: وجب أن يعرّفوا ويجاروا؛ لجهلهم بالعلم فربما يتبينون به الإسلام" (١).
وهذا بيان عن حال الطالب للعلم (٢)، وليس له عهد من الإمام، حتى يسمع الدليل على الحق، ثم يُردّ إلى مأمنه لينظر في أمره، وقال الحسن في هذه الآية: "إن استعاذك فأعذه حتى يسمع كلام الله، فتقيم عليه حجة الله، وتبين له دين الله، فإن أسلم فقد دخل في عز الإسلام وإن أبى فأبلغه مأمنه ولا تعرض له" (٣).
وقال أهل العلم: "الكافر الحربي إذا دخل دار الإسلام كان مغنومًا مع ماله إلا أن يدخل مستجيرًا لغرض شرعي، كاستماع كلام الله رجاء الإسلام، أو دخل لتجارة، فإن دخل بأمان صبي أو مجنون فأمانهما شبهة أمان (٤)، فيجب تبليغه مأمنه، وهو أن يبلغ محروسًا في نفسه وماله إلى مكانه الذي هو مأمن له، ومن دخل منهم دار الإسلام رسولاً فالرسالة له (٥)

(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٣١.
(٢) في (ى): (طالب العلم).
(٣) لم أعثر عليه في مظانه من كتب التفسير.
(٤) أمان المجنون لا يصح بالإجماع كالصبي غير المميز، أما الصبي المميز فللعلماء في أمانه قولان:
الأول: لا يصح أمانه، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد.
الثاني: يصح أمانه، وهو قول مالك، والرواية المشهورة عن أحمد، وهو الصحيح، لقول الرسول - ﷺ - "ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم". رواه البخاري (٣١٧٩)، كتاب الجزية، باب: إثم من عاهد ثم غدر ٤/ ٢١٧، ومسلم (١٣٧٠)، كتاب الحج، باب فضل المدينة. وانظر: "المهذب" ٢/ ٢٣٥، و"المغني" ١٣/ ٧٧.
(٥) ساقط من (م).

صفحة رقم 300
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية