
وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ (٦) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ
شرح الكلمات:
فإذا انسلخ الأشهر١ الحرم: انقضت وخرجت الأشهر الأربعة التي أمنتم فيها المشركين.
حيث وجدتموهم: أي في أي مكان لقيتموهم في الحل أو الحرم.
وخذوهم: أي أسرى.
وأحصروهم: أي حاصروهم حتى يسلموا أنفسهم.
واقعدوا لهم كل مرصد٢: أي اقعدوا لهم في طرقاتهم وارصدوا تحركاتهم.
فإن تابوا: أي آمنوا بالله ورسوله.
فخلوا سبيلهم: أي اتركوهم فلا حصار ولا مطاردة ولا قتال.
استجارك: أي طلب جوارك أي حمايتك.
مأمنه: أي المكان الذي يأمن فيه.
فما استقاموا لكم: أي لم ينقضوا عهدهم ولم يخلوا بالاتفاقية.
٢ المرصد: مكان الرصد والرصد: المراقبة وتتبع النظر، قال الشاعر:
ولقد علمت وما إخالك ناسيا...
أن المنيّة للفتى بالمرصد

وإن يظهروا عليكم: أي يغلبوكم.
لا يرقبوا فيكم: أي لا يراعوا فيكم ولا يحترموا.
إلاّ ولا ذمة: أي لا قرابة، ولا عهداً فالإلّ: القرابة والذمة: العهد.
معنى الآيات:
ما زال السياق في إعلان الحرب العامة على المشركين تطهيراً لأرض الجزيرة التي هي دار الإسلام وحوزته من بقايا الشرك والمشركين، فقال تعالى لرسوله والمؤمنين ﴿فإذا انسلخ الأشهر الحرم١﴾ أي إذا انقضت وخرجت الأشهر الحرم التي أمنتم فيها المشركين الذين لا عهد لهم أو لهم عهد ولكن دون أربعة أشهر أو فوقها وبدون حد محدود ﴿فاقتلوا المشركين٢ حيث وجدتموهم﴾ في الحل والحرم سواء ﴿وخذوهم﴾ أسرى ﴿واحصروهم﴾ حتى يستسلموا، ﴿واقعدوا لهم كل مرصد﴾ أي سدوا عليهم الطرق حتى يقدموا أنفسهم مسلمين أو مستسلمين وقوله تعالى ﴿فإن تابوا﴾ أي من الشرك وحربكم ﴿وأقاموا الصلاة٣ وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم٤﴾ إذ أصبحوا مسلمين مثلكم. وقوله ﴿إن الله غفور رحيم﴾ أي أن الله سيغفر لهم ويرحمهم بعد إسلامهم، لأنه تعالى غفور رحيم، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٥) أما الآية الثانية (٦) فقد أمر تعالى رسوله أن يجير من طلب جواره من المشركين حتى يسمع كلام الله منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتفهم دعوة الإسلام ثم هو بالخيار إن شاء أسلم وذلك خير له وإن لم يسلم رده٥ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكان يأمن فيه من المسلمين أن يقتلوه.
٢ لفظ المشركين عام في كل مشرك وهو مخصوص بالسنة إذ نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتل المرأة والصبي والراهب.
٣ شاهده حديث الصحاح: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" وقال أبو بكر: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال".
٤ مالك والشافعي وأحمد على أن تارك الصلاة استحلالاً لها أو غير استحلال يؤخر إلى أن يبقى من الوقت الضروري قدر ما يصلي ركعة قبل خروج الوقت ويقتل، وأبو حنيفة والظاهرية يقولون: يسجن ويضرب حتى يصلي ولا يقتل.
٥ إمام المسلمين هو الذي يتولى أمر التأمين لمن طلب ذلك من المشركين إذ هو نائب عن سائر المسلمين، ويجوز للمسلم ذكراً كان أو أنثى أن يؤمن شخصاً ما لما له من حرمة لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المسلمون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد واحدة على من سواهم". وخالف بعضهم في المرأة فقالوا: لابد من موافقة الإمام لها على تأمينها وخالف أبو حنيفة في العبد.

وهو معنى قوله تعالى ﴿وإن أحد من١ المشركين استجارك فأجره حتى يسمع٢ كلام الله، ثم أبلغه مأمنه، ذلك بأنهم قوم لا يعلمون﴾ فلذا قبل منهم ما طلبوه من الجوار حتى يسمعوا كلام الله تعالى إذ لو علموا ما رغبوا عن التوحيد إلى الشرك. وقوله تعالى في الآية الثالثة (٧) ﴿كيف٣ يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله﴾ هذا الاستفهام للنفي مع التعجب أي ليس لهم عهد أبداً وهم كافرون غادرون، وقوله تعالى ﴿إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين﴾ هؤلاء بعض بني بكر بن كنانة عاهدهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام صلح الحديبية وهم عند الحرم فهؤلاء لهم عهد وذمة ما استقاموا على عهدهم فلم ينقضوه. فإن استقاموا استقام لهم المسلمون ولم يقتلوهم وفاء بعهدهم وتقوى لله تعالى لأنه تعالى يكره الغدر ويحب المتقين لذلك. وقوله تعالى ﴿كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاَّ ولا ذمة﴾ الاستفهام للتعجب أي كيف يكون للمشركين عهد يفون به لكم وهم إن يظهروا عليكم يغلبوكم في معركة، ﴿لا يرقبوا فيكم﴾ أي لا يراعوا الله تعالى ولا القرابة ولا الذمة بل يقتلوكم قتلاً ذريعاً، وقوله تعالى ﴿يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم﴾ إخبار من الله تعالى عن أولئك المشركين الناكثين للعهد الغادرين بأنهم يحاولون إرضاء المؤمنين بالكذب بأفواههم، وقلوبهم الكافرة تأبى ذلك الذي يقولون بألسنتهم أي فلا تعتقده ولا تقره، ﴿وأكثرهم فاسقون﴾ لا يعرفون الطاعة ولا الالتزام لا بعهد ولا دين، والجملة فيها تهييج للمسلمين على قتال المشركين ومحاصرتهم وأخذهم تطهيراً لأرض الجزيرة منهم قبل وفاة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب الوفاء بالعهود ما لم ينقضها المعاهدون.
٢ الآية دليل على أن ما يسمع من صوت القارىء للقرآن هو كلام الله تعالى فيقول العبد: سمعت كلام الله حقاً وصدقاً.
٣ ﴿كيف يكون﴾ الخ كيف: للتعجب نحو قولك: كيف يسبقني فلان؟! في الآية إضمار كلمة غدر أي كيف يكون لهم عهد مع إضمارهم الغدر بكم.