آيات من القرآن الكريم

فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ

ثم قال تعالى: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهم: ﴿هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين﴾، أي إحدى الخلّتين اللتين هما أحسن من غيرهما، إما الظفر والأجر والغنيمة، وإما القتل والظفر بالشهادة، والفوز بالجنة، والنجاة من النار.
﴿وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ﴾، أي: بعقوبة عاجلة، تهلككم: ﴿أَوْ بِأَيْدِينَا﴾، أي: يسلطنا عليكم فنقتلكم.
قال ابن جريج: ﴿بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ﴾: بالموت، ﴿أَوْ بِأَيْدِينَا﴾: بالقتل.
﴿فتربصوا إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ﴾.
أي: فانتظروا إنا معكم منتظرون، أي: ننتظر ما الله فاعل بكم، وما إليه يصير كل فريق منا ومنكم.
قوله: ﴿قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ﴾، إلى قوله: ﴿وَهُمْ كافرون﴾.

صفحة رقم 3024

والمعنى: ﴿قُلْ﴾، يا محمد لهؤلاء المنافقين: أنفقوا أموالكم كيف شئتم، طائعين أو كارهين، فإنها لا تقبل منكم، إذ أنتم في شك من/ دينكم، خارجون عن الإيمان بذلك.
وخرج قوله: ﴿أَنفِقُواْ﴾، مخرج الأمر، ومعناه الخبر، وإنما تفعل العرب ذلك في الموضع الذي يحسن فيه " إنْ " التي للجزاء، [و] منه قوله تعالى: ﴿استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠]، لفظه لفظ الأمر، ومعناه الجزاء، والجزاء خبر، ومنه قول كثير:

صفحة رقم 3025

أسيئ بِنَا أوْ أحْسِني، لاَ مَلُومَةً لَدَيْنَا وَلاَ مَقْلَّيةً إِنْ تَقلَّتِ.
فالمعنى: إن تنفقوا طائعين أو كارهني فلن يقبل منكم.
وجاز أن يقع لفظ الأمر بمعنى الخبر، كما جاز أن يقع لفظ الخبر بمعنى الطلب والأمر، تقول: " غَفَرَ اللهُ لِزَيْدٍ " معناه: الطلب والدعاء، ولفظه لفظ الخبر، والمعنى: " اللهم اغفر لزيد ".
وهذه الآية نزلت في الجدّ قيس، لأنه لما عرض النبي عليه السلام [عليه] الخروج، سأل المقام، واعتذر بأنه لا يصبر إذا رأى النساء، وأنه يفتتن، ثم قال للنبي ﷺ: هذا مالي أعينك به.
ثم أخبر الله تعالى بالعلة التي من أجلها لم تقبل نفقاتهم، فقال: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ﴾، أي: بأن تقبل، ﴿إِلاَّ أَنَّهُمْ﴾، " أنّ " في

صفحة رقم 3026

موضع رفع، أي: ما منعهم من أن تقبل منهم نفقاتهم إلا كفرهم.
وأجاز الزجاج، أن تكون " أَنَّ " في موضع نصب، على معنى: إلا لأنَّهم كفروا، ويكون الفاعل مضمراً في ﴿مَنَعَهُمْ﴾، والتقدير ومامنعهم الله من أن تقبل منهم نفقاتهم إلا لأنهم كفروا.
ويجوز عند سبيويه، أن تكون في موضع جر، على تقدير حذف الخافض.
ومن قرأ: ﴿أَن تُقْبَلَ﴾ بـ: " الياء "، رده على معنى الإنفاق، لأنه والنفقات سواء.

صفحة رقم 3027

فالذي منعهم من القبول هو كفرهم بالله، تعالى، وبرسوله عليه السلام، وإتيانهم الصلاة وهم كسالى عنها؛ لأنهم لا يرجون بها ثواباً، ولا يخافون بالتفريط فيها عقاباً، إنما يقيمونها مخافة على أنفسهم رياء، وأنهم لا ينفقون شيئاً من أموالهم ﴿إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾، إذ لا يرجون ثوابه.
ثم قال تعالى: ﴿فَلاَ تُعْجِبْكَ أموالهم﴾.
أي: لا تعجبك، يا محمد، أموالهم ولا أولادهم، إنما يريد الله، يا محمد ليعذبهم بها في الآخرة.
وقوله: ﴿فِي الحياوة الدنيا﴾، يريد به التقديم. والمعنى: ولا تعجبك يا محمد، أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة، هذا قول ابن عباس، وقتادة وغيرهما.
وقال الحسن: ليس في الكلام تقديم ولا تأخير، إنما المعنى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الحياوة الدنيا﴾، أي: بما ألزمهم فيها من أخذ الزكاة والنفقة في

صفحة رقم 3028

سبيل الله، تعالى، وهو اختيار الطبري.
على معنى: أنهم يخرجونها تقيةً وخوفاً، ويقلقهم عزمها، ويحزنهم خروجها من أيديهم، فهي لهم عذابٌ.
وقال ابن زيد المعنى: ﴿لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الحياوة الدنيا﴾، أي: بالمصائب فيها، فهي لهم إثم، والمصائب للمؤمنين أجر.
﴿وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كافرون﴾.
أي: تخرج وهم على كفرهم.

صفحة رقم 3029
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية