آيات من القرآن الكريم

فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ

(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) يقال: سلخت الشهر إذا صرت في آخر أيامه، أي إذا مضت الأشهر الحرم وانتهت، والأشهر الحرم يقول الزمخشري: إنها التي حرم فيها القتال من وقت الحج الأكبر وهي من عشرة ذي الحجة، وهي أربعة تنتهي بعشرة من ربيع الأول، ولم يذكر أنها الأشهر الحرم الأربعة المذكورة في قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ...) وقد بينها النبي - ﷺ - بأنها ثلاثة سرد، وواحد فرد، الثلاثة ذو القعدة، وذو الحجة والمحرم، والواحد الفرد رجب الذي بين جمادى وشعبان.
والأكثرون على أن الأشهر الحرم في هذه الآية هي هذه الأربعة التي بينها النبي - ﷺ -، وانسلاخها أي يكون القتال فيما عداها، سواء أكانت بعد انتهاء الثلاثة السرد أم بعد انتهاء رجب، أي لَا قتال في الثلاثة، ويجوز القتال بعدها إلى رجب، ثم يستأنف بعد رجب؛ وذلك ليكون الطريق إلى الحج مأمونا، ولتكون بين المتقاتلين هدنة ترجع فيها القضب إلى أجفانها، وتستيقظ العقول، ولقد قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ...).

صفحة رقم 3230

ويقول تعالى: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكينَ حَيثُ وَجَدتُّمُوهُمْ) لأنه قد أصبح دمهم مباحا، فقد نقضوا العهد، ولم يدخلوا في الإسلام، وقد تحدوا الله ورسوله، وأشركوا، والعلاقة في أصلها كانت حربا انتهت بالعهد فنقضوه، وقد أعطاهم مهلة ساحوا فيها في الأرض آمنين، ولم يحدثوا توبة ورجوعا إلى الحق، فلم يبق إلا القتال. وقوله تعالى: (حيْثُ وجَدتُّمُوهُمْ) يشمل الحل والحرم؛ لأنهم ممنوعون من المسجد الحرام، وهم مقاتلون، والله تعالى يقول: (... وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ...).
(وَخُذُوهُمْ) أي شدوا الوثاق، فقد أثخنتموهم، وغلبتم عليهم فلكم أن تأسروا منهم من تشاءون، (وَاحْصُرُوهُمْ) أي امنعوهم من التقلب في البلاد، وعن ابن عباس: أي امنعوهم من المسجد الحرام لَا يدخلوه؛ لأن النبي - ﷺ - بأمر ربه قرر ألا يدخلوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا.
ثم قال تعالى: (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) أي في كل ممر، يعني اتخذوا القتل والتتبع المستمر لهم في كل ممر، وكل مرصد " ظرف " أي اقعدوا لهم في كل مكان مترصدين لهم، لَا ينجون منكم ما داموا على كفرهم، والله تعالى يفتح باب التوبة دائما، ولذا قال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) التوبة هنا ترك الشرك، وذكر الله التوبة، وذكر بعدها إقامة الصلاة؛ وإيتاء الزكاة؛ لأن هذا - يجعل الإيمان صادقا من غير نفاق وفيه خضوع لأوامر الله تعالى واتباع لأوامره، ونواهيه، ولأنه لابد للإيمان من شواهد. وقال في جواب الشرط (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) أي افتحوا الطريق أمامهم، ولا ترهقوهم بقتل ولا أسر، ولا منع من البيت، وعن ابن عباس: دعوهم وإتيان المسجد الحرام.
وختم الله تعالى الآية الكريمة بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رحِيمٌ) أي إن الله تعالى كثير المغفرة وكثير الرحمة، وقد أكد الله سبحانه وتعالى غفرانه ورحمته بـ " إنَّ " الدالة على التأكيد، وبالجملة الاسمية، وبصيغ الصفة المشبهة الدالة على الدوام والاستمرار لغفرانه ورحمته.

صفحة رقم 3231
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية