آيات من القرآن الكريم

فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ

[سورة التوبة (٩) : آية ٥]

فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ سَلَخْتُ الشَّهْرَ إِذَا خَرَجْتَ مِنْهُ، وَكَشَفَ أَبُو الْهَيْثَمِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ: يُقَالُ أَهْلَلْنَا هِلَالَ شَهْرِ كَذَا، أَيْ دَخَلْنَا فِيهِ وَلَبِسْنَاهُ، فَنَحْنُ نَزْدَادُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى مُضِيِّ نِصْفِهِ لِبَاسًا مِنْهُ، ثُمَّ نَسْلَخُهُ عَنْ أَنْفُسِنَا بعد تكامل النصف منه جزءاً فجزءاً، حَتَّى نَسْلَخَهُ عَنْ أَنْفُسِنَا وَأَنْشَدَ:
إِذَا مَا سلخت الشهر أهللت مثله كفى قائلًا سَلْخِي الشُّهُورَ وَإِهْلَالِي
وَأَقُولُ تَمَامُ الْبَيَانِ فِيهِ أَنَّ الزَّمَانَ مُحِيطٌ بِالشَّيْءِ وَظَرْفٌ لَهُ، كَمَا أَنَّ الْمَكَانَ مُحِيطٌ بِهِ وَظَرْفٌ لَهُ وَمَكَانُ الشَّيْءِ عِبَارَةٌ عَنِ السَّطْحِ الْبَاطِنِ مِنَ الْجِسْمِ الْحَاوِي الْمُمَاسِّ لِلسَّطْحِ الظَّاهِرِ وَمِنَ الْجِسْمِ الْمَحْوِيِّ فَإِذَا انْسَلَخَ الشَّيْءُ مِنْ جِلْدِهِ فَقَدِ انْفَصَلَ مِنَ السَّطْحِ الْبَاطِنِ مِنْ ذَلِكَ الْجِلْدِ وَذَلِكَ السَّطْحِ، وَهُوَ مَكَانُهُ فِي الْحَقِيقَةِ فَكَذَلِكَ إِذَا تَمَّ الشَّهْرُ فَقَدِ انْفَصَلَ عَنْ إِحَاطَةِ ذَلِكَ الشَّهْرِ بِهِ، وَدَخَلَ فِي شَهْرٍ آخَرَ، وَالسَّلْخُ اسْمٌ لِانْفِصَالِ الشَّيْءِ عَنْ مَكَانِهِ الْمُعَيَّنِ، فَجُعِلَ أَيْضًا اسْمًا لِانْفِصَالِهِ عَنْ زَمَانِهِ الْمُعَيَّنِ، لِمَا بَيْنَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ التَّامَّةِ الشَّدِيدَةِ. وَأَمَّا الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَقَدْ فَسَّرْنَاهَا فِي قَوْلِهِ: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [التوبة: ٢] وَهِيَ يَوْمُ النَّحْرِ إِلَى الْعَاشِرِ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهَا حُرُمًا، أَنَّ اللَّه حَرَّمَ الْقَتْلَ وَالْقِتَالَ فِيهَا. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى عِنْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَذِنَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: أَوَّلُهَا: قَوْلُهُ: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [النِّسَاءِ: ٨٩] وَذَلِكَ أَمْرٌ بِقَتْلِهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فِي أَيِّ وَقْتٍ، وَأَيِّ مَكَانٍ. وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ: وَخُذُوهُمْ أَيْ بِالْأَسْرِ، وَالْأَخِيذُ الْأَسِيرُ. وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ:
وَاحْصُرُوهُمْ مَعْنَى الْحَصْرِ الْمَنْعُ مِنَ الْخُرُوجِ مِنْ مُحِيطٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ إِنْ تَحَصَّنُوا فَاحْصُرُوهُمْ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: حَصْرُهُمْ أَنْ يُمْنَعُوا مِنَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ. وَرَابِعُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ وَالْمَرْصَدُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُرْقَبُ فِيهِ الْعَدُوُّ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَصَدْتُ فُلَانًا أَرْصُدُهُ إِذَا تَرَقَّبْتُهُ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الْمَعْنَى اقْعُدُوا لَهُمْ عَلَى كُلِّ طَرِيقٍ يَأْخُذُونَ فِيهِ إِلَى الْبَيْتِ أَوْ إِلَى الصَّحْرَاءِ أَوْ إِلَى التِّجَارَةِ، قَالَ الْأَخْفَشُ فِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: اقْعُدُوا لَهُمْ عَلَى كُلِّ مَرْصَدٍ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يُقْتَلُ، قَالَ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَبَاحَ دِمَاءَ الْكُفَّارِ مُطْلَقًا بِجَمِيعِ الطُّرُقِ، ثُمَّ حَرَّمَهَا عِنْدَ مَجْمُوعِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ التَّوْبَةُ عَنِ الْكُفْرِ، وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزكاة، فعند ما لَمْ يُوجَدُ هَذَا الْمَجْمُوعُ، وَجَبَ أَنْ يَبْقَى إِبَاحَةُ الدَّمِ عَلَى الْأَصْلِ.
فَإِنْ قَالُوا: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْإِقْرَارَ بِهِمَا وَاعْتِقَادَ وُجُوبِهِمَا؟ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ تَارِكَ الزَّكَاةِ لَا يُقْتَلُ.
أَجَابُوا عَنْهُ: بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ، وَأَمَّا فِي تَارِكِ الزَّكَاةِ فَقَدْ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ.

صفحة رقم 528
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية