
أخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يخرج إِلَى غَزْوَة تَبُوك قَالَ لجد بن قيس: مَا تَقول فِي مجاهدة بني الْأَصْفَر فَقَالَ: إِنِّي أخْشَى إِن رَأَيْت نسَاء بني الْأَصْفَر أَن أفتن فائذن لي وَلَا تفتني فَأنْزل الله ﴿وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني﴾ الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لجد بن قيس: يَا جد هَل لَك فِي جلاد بني الْأَصْفَر قَالَ جد: أتأذن لي يَا رَسُول الله فَإِنِّي رجل أحب النِّسَاء وَإِنِّي أخْشَى إِن أَنا رَأَيْت نسَاء بني الْأَصْفَر أَن افْتتن
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ معرض عَنهُ: قد أَذِنت لَك
فَأنْزل الله ﴿وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي﴾ الْآيَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اغزوا تغنموا بَنَات بني الْأَصْفَر
فَقَالَ نَاس من الْمُنَافِقين: إِنَّه ليفتنكم بِالنسَاء
فَأنْزل الله ﴿وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني﴾
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة ﴿وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني﴾ قَالَ: نزلت فِي الْجد بن قيس قَالَ: يَا مُحَمَّد ائْذَنْ لي وَلَا تفتني بنساء بني الْأَصْفَر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وأبوالشيخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني﴾ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغزوا تَبُوك تغنموا بَنَات الْأَصْفَر نسَاء الرّوم
فَقَالُوا: ائْذَنْ لنا وَلَا تفتنا بِالنسَاء
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيقه عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَعبد الله بن أبي بكر بن حزم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَلما كَانَ يخرج فِي وَجه من مغازيه إِلَّا أظهر أَنه يُرِيد غَيره غير أَنه فِي غَزْوَة تَبُوك قَالَ: أَيهَا النَّاس إِنِّي أُرِيد الرّوم فاعلمهم وَذَلِكَ فِي زمَان الْبَأْس وَشدَّة من الْحر وجدب الْبِلَاد وَحين

طابت الثِّمَار وَالنَّاس يحبونَ الْمقَام فِي ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص عَنْهَا فَبَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم فِي جهازه إِذْ قَالَ للْجدّ بن قيس: يَا جد هَل لَك فِي بَنَات بني الْأَصْفَر قَالَ: يَا رَسُول الله لقد علم قومِي أَنه لَيْسَ أحد أَشد عجبا بِالنسَاء مني وَإِنِّي أَخَاف إِن رَأَيْت نسَاء بني الْأَصْفَر أَن يفتنني فَأْذن لي يَا رَسُول الله
فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: قد أَذِنت
فَأنْزل الله ﴿وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني أَلا فِي الْفِتْنَة سقطوا﴾ يَقُول: مَا وَقع فِيهِ من الْفِتْنَة بتخلفه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورغبته بِنَفسِهِ عَن نَفسه أعظم مِمَّا يخَاف من فتْنَة نسَاء بني الْأَصْفَر ﴿وَإِن جَهَنَّم لمحيطة بالكافرين﴾ يَقُول: من وَرَائه
وَقَالَ رجل من الْمُنَافِقين (لَا تنفرُوا فِي الْحر) فَأنْزل الله (قل نَار جَهَنَّم أَشد حرا لَو كَانُوا يفقهُونَ) (التَّوْبَة الْآيَة ٨١) قَالَ: ثمَّ إِن رَسُول الله جدَّ فِي سَفَره وَأمر النَّاس بالجهاز وحض أهل الْغنى على النَّفَقَة والحملان فِي سَبِيل الله فَحمل رجال من أهل الْغنى واحتسبوا وَأنْفق عُثْمَان رَضِي عَنهُ فِي ذَلِك نَفَقَة عَظِيمَة لم ينْفق أحد أعظم مِنْهَا وَحمل على مِائَتي بعير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة ومُوسَى بن عقبَة قَالَا ثمَّ إِن رَسُول الله تجهز غازياً يُرِيد الشَّام فَأذن فِي النَّاس بِالْخرُوجِ وَأمرهمْ بِهِ وَكَانَ ذَلِك فِي حر شَدِيد ليَالِي الخريف وَالنَّاس فِي نخيلهم خارفون فَأَبْطَأَ عَنهُ نَاس كثير وَقَالُوا: الرّوم لَا طَاقَة بهم
فَخرج أهل الْحسب وتخلف المُنَافِقُونَ وَحَدثُوا أنفسهم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يرجع إِلَيْهِم أبدا فَاعْتَلُّوا وثبطوا من أطاعهم وتخلف عَنهُ رجال من الْمُسلمين بِأَمْر كَانَ لَهُم فِيهِ عذر مِنْهُم السقيم والمعسر وَجَاء سِتَّة نفر كلهم مُعسر يستحملونه لَا يحبونَ التَّخَلُّف عَنهُ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ
فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أَن لَا يَجدوا مَا يُنْفقُونَ مِنْهُم من بني سَلمَة عمر بن غنمة وَمن بني مَازِن ابْن النجار أَبُو ليلى عبد الرَّحْمَن بن كَعْب وَمن بني حَارِث علية بن زيد وَمن بني عَمْرو بن عَوْف بن سَالم بن عُمَيْر وهرم بن عبد الله وهم يدعونَ بني الْبكاء وَعبد الله بن عمر وَرجل من بني مزينة فَهَؤُلَاءِ الَّذين بكوا واطلع الله عز وَجل أَنهم يحبونَ الْجِهَاد وَأَنه الْجد من أنفسهم فعذرهم فِي الْقُرْآن فَقَالَ (لَيْسَ على الضُّعَفَاء وَلَا على المرضى وَلَا على الَّذين لَا يَجدونَ مَا يُنْفقُونَ حرج إِذا نصحوا لله وَرَسُوله) (التَّوْبَة الْآيَة ٩١) الْآيَة والآيتين بعْدهَا

وَأَتَاهُ الْجد بن قيس السّلمِيّ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد مَعَه نفر فَقَالَ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي فِي الْقعُود فَإِنِّي ذُو ضَيْعَة وَعلة فِيهَا عذر لي
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تجهز فَإنَّك مُوسر لَعَلَّك ان تحقب بعض بَنَات بني الْأَصْفَر
فَقَالَ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي وَلَا تفتني
فَنزلت ﴿وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني﴾ وَخمْس آيَات مَعهَا يتبع بَعْضهَا بَعْضًا فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمؤمنون مَعَه كَانَ فِيمَن تخلف عَنهُ غنمة بن وَدِيعَة من بني عَمْرو بن عَوْف فَقيل: مَا خَلفك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنت مُسلم فَقَالَ: الْخَوْض واللعب
فَأنْزل الله عز وَجل فِيهِ وفيمن تخلف من الْمُنَافِقين (وَلَئِن سَأَلتهمْ ليَقُولن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب) (التَّوْبَة الْآيَة ٦٥) ثَلَاث آيَات مُتَتَابِعَات
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: لما أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يَغْزُو تَبُوك قَالَ نغزو الرّوم إِن شَاءَ الله وَنصِيب بَنَات بني الْأَصْفَر - كَانَ يذكر من حسنهنَّ ليرغب الْمُسلمُونَ فِي الْجِهَاد - فَقَامَ رجل من الْمُنَافِقين فَقَالَ: يَا رَسُول الله قد علمت حبي للنِّسَاء فائذن لي وَلَا تخرجني فَنزلت الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿وَلَا تفتني﴾ قَالَ: لَا تخرجني ﴿أَلا فِي الْفِتْنَة سقطوا﴾ يَعْنِي فِي الْحَرج
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله ﴿وَلَا تفتني﴾ قَالَ: لَا تؤثمني ﴿أَلا فِي الْفِتْنَة﴾ قَالَ: أَلا فِي الْإِثْم سقطوا
الْآيَة ٥٠