آيات من القرآن الكريم

يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ

ويبارون ويماثلون، وقرأ عاصم وحده من السبعة وطلحة بن مصرف «يضاهئون» بالهمز على أنه من ضاهأ وهي لغة ثقيف بمعنى ضاهى.
قال القاضي أبو محمد: ومن قال إن هذا مأخوذ من قولهم امرأة ضهياء وهي التي لا تحيض وقيل التي لا ثدي لها سميت بذلك لشبهها بالرجال فقوله خطأ قاله أبو علي: لأن الهمزة في ضاهأ أصلية وفي ضهياء زائدة كحمراء، وإن كان الضمير في يُضاهِؤُنَ لليهود والنصارى جميعا فالإشارة بقوله الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ هي إما لمشركي العرب إذ قالوا الملائكة بنات الله وهم أول كافر وهو قول الضحاك: وإما لاسم سالفة قبلهما، وإما للصدر الأول من كفرة اليهود والنصارى، ويكون يُضاهِؤُنَ لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كان الضمير في يُضاهِؤُنَ للنصارى فقط كانت الإشارة ب الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ إلى اليهود، وعلى هذا فسر الطبري وحكاه الزهراوي عن قتادة، وقوله قاتَلَهُمُ اللَّهُ دعاء عليهم عام لأنواع الشر، ومعلوم أن من قاتله الله فهو المغلوب المقتول، وحكى الطبري عن ابن عباس أن المعنى لعنهم الله، وأَنَّى يُؤْفَكُونَ مقصده أنى توجهوا أو أنى ذهبوا وبدل مكان هذا الفعل المقصود فعل سوء يحق لهم، وذلك فصيح في الكلام كما تقول لعن الله الكافر أنى هلك كأنك تحتم عليه بهلاك وكأنه حتم عليهم في هذه الآية بأنهم يؤفكون، ومعناه يحرمون ويصرفون عن الخير، والأرض المأفوكة التي لم يصبها مطر، قال أبو عبيدة يُؤْفَكُونَ معناه يحدون.
قال القاضي أبو محمد: يريد من قولك رجل محدود أي محروم لا يصيب خيرا، وكأنه من الإفك الذي هو الكذب، فكأن المأفوك هو الذي تكذبه أراجيه فلا يلقى خيرا. ويحتمل أن يكون قوله تعالى:
أَنَّى يُؤْفَكُونَ ابتداء تقرير، أي بأي سبب ومن أي جهة يصرفون عن الحق بعد ما تبين لهم، و «قاتل» في هذه الآية بمعنى قتل وهي مفاعلة من واحد وهذا كله بين.
قوله عز وجل:
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٣١ الى ٣٣]
اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)
واحد «الأحبار» حبر بكسر الحاء، ويقال حبر بفتح الحاء والأول أفصح، ومنه مداد الحبر، والحبر بالفتح: العالم، وقال يونس بن حبيب: لم أسمعه إلا بكسر الحاء، وقال الفراء: سمعت فتح الحاء وكسرها في العالم، وقال ابن السكيت الحبر: بالكسر المداد والحبر بالفتح العالم، و «الرهبان» جمع راهب وهو الخائف من الرهبة، وسماهم أَرْباباً وهم لا يعبدوهم لكن من حيث تلقوا الحلال والحرام من جهتهم،

صفحة رقم 25

وهو أمر لا يتلقى إلا من جهة الله عز وجل ونحو هذا قال ابن عباس وحذيفة بن اليمان وأبو العالية، وحكى الطبري أن عدي بن حاتم قال: جئت رسول الله ﷺ وفي عنقي صليب ذهب، فقال: يا عدي اطرح هذا الصليب من عنقك، فسمعته يقرأ اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ، فقلت يا رسول الله وكيف ولم نعبدهم؟ فقال أليس تستحلون ما أحلوا وتحرمون ما حرموا قلت نعم. قال فذاك، وَالْمَسِيحَ عطف على الأحبار والرهبان، وسُبْحانَهُ نصب على المصدر والعامل فيه فعل من المعنى لأنه ليس من لفظ سبحان فعل، والتقدير أنزهه تنزيها، فمعنى سُبْحانَهُ تنزيها له، واحتج من يقول إن أهل الكتاب مشركون بقوله تعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ، والغير يقول إن اتخاذ هؤلاء الأرباب ضرب ما من الإشراك وقد يقال في المرائي إنه أشرك وفي ذلك آثار، وقوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ الآية، نُورَ اللَّهِ في هذه الآية هداه الصادر عن القرآن والشرع المثبت في قلوب الناس فمن حيث سماه نورا سمي محاولة إفساده والصد في وجهه إطفاء، وقالت فرقة: النور القرآن.
قال القاضي أبو محمد: ولا معنى لتخصيص شيء مما يدخل تحت المقصود بالنور، وقوله بِأَفْواهِهِمْ عبارة عن قلة حيلتهم وضعفها، أخبر عنهم أنهم يحاولون مقاومة أمر جسيم بسعي ضعيف فكان الإطفاء بنفخ الأفواه، ويحتمل أن يراد بأقوال لا برهان عليها فهي لا تجاوز الأفواه إلى فهم سامع، وقوله وَيَأْبَى إيجاب يقع بعده أحيانا إلا وذلك لوقوعه هو موقع الفعل المنفي، لأن التقدير ولا يريد الله إلا أن يتم نوره وقال الفراء: هو إيجاب فيه طرف من النفي، ورد الزجاج على هذه العبارة وبيانه ما قلناه، وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ الآية، رَسُولَهُ يراد به محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله بِالْهُدى يعم القرآن وجميع الشرع، وقوله وَدِينِ الْحَقِّ إشارة إلى الإسلام والملة بجمعها وهي الحنيفية، وقوله لِيُظْهِرَهُ قال أبو هريرة وأبو جعفر محمد بن علي وجابر بن عبد الله ما معناه:
إن الضمير عائد على الدين وإظهاره عند نزول عيسى ابن مريم وكون الأديان كلها راجعة إلى دين الإسلام فذلك إظهاره.
قال القاضي أبو محمد: فكأن هذه الفرقة رأت الإظهار على أتم وجوهه أي حتى لا يبقى معه دين آخر، وقالت فرقة لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ أي ليجعله أعلاها وأظهرها وإن كان معه غيره كان دونه.
قال القاضي أبو محمد: فهذا لا يحتاج إلى نزول عيسى بل كان هذا في صدر الأمة وهو حتى الآن إن شاء الله وقالت فرقة: الضمير عائد على الرسول، ومعنى لِيُظْهِرَهُ ليطلعه ويعلمه الشرائع كلها والحلال والحرام.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل وإن كان صحيحا جائزا فالآخر أبرع منه وأليق بنظام الآية وأحرى مع كراهية المشركين، وخص الْمُشْرِكُونَ هنا بالذكر لما كانت كراهية مختصة بظهور دين محمد ﷺ فذكره العظم والأول ممن كره ذلك وصد فيه، وذكر الكافرون في الآية قبل لأنها كراهية إتمام نور الله في قديم الدهر وفي باقية فعم الكفر من لدن خلق الدنيا إلى انقراضها إذ قد وقعت الكراهية والإتمام مرارا كثيرة.

صفحة رقم 26
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية