آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ
ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ

صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان» وتلا (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ) » الآية.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٩ الى ٢٢]
أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢)
تفسير المفردات
السقاية: الموضع الذي يسقى فيه الماء فى المواسم وغيرها، وسقاية العباس: موضع بالمسجد الحرام يستقى فيه الناس، وهو حجرة كبيرة فى جهة الجنوب من بئر زمزم لا تزال ماثلة إلى الآن، وقد يراد بالسقاية الحرفة كالحجابة وهى سدانة البيت، والسقاية والحجابة أفضل مآثر قريش وقد أقرّهما الإسلام،
وفى الحديث: «كل مأثرة من مآثر الجاهلية تحت قدمىّ إلا سقاية الحاج وسدانة البيت».
وقد كانت قريش تسقى الحاج الزبيب المنبوذ فى الماء، وكان يليها العباس بن عبد المطلب فى الجاهلية والإسلام.
المعنى الجملي
هذه الآيات مكملة لما قبلها مبينة أن عمارة المسجد الحرام للمسلمين دون المشركين، وأن إسلامهم أفضل مما كان يفخر به المشركون من عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج فيه.

صفحة رقم 76

روى مسلم وأبو داود عن النعمان بن بشير قال: «كنت عند منبر رسول الله ﷺ فى نفر من أصحابه فقال رجل منهم: ما أبالى ألا أعمل لله عملا بعد الإسلام إلا أن أسقى الحاج، وقال آخر بل عمارة المسجد الحرام، وقال آخر بل الجهاد فى سبيل الله خير مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم- وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله ﷺ لأستفتيه فيما اختلفتم فيه، فدخل بعد الصلاة فاستفتاه فأنزل الله (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ- إلى قوله- وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ».
الإيضاح
(أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟) الخطاب فى الآية للمؤمنين الذين تنازعوا- أىّ الأعمال أفضل- والمراد- إنه لا ينبغى أن تجعلوا أهل السقاية والعمارة فى الفضيلة كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد فى سبيل الله، فإن السقاية والعمارة وإن كانتا من أعمال البر والخير فأصحابهما لا يدانون أهل الإيمان والجهاد فى علو المرتبة وشرف المقدار، وقد صرح بهذا فى قوله:
(لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ) أي لا يساوى الفريق الأول الفريق الثاني لا فى صفته ولا فى عمله فى حكم الله ولا فى مثوبته وجزائه عليه لا فى الدنيا ولا فى الآخرة، فضلا عن أن يفضله كما يزعم كبراء مشركى قريش الذين كانوا يتبجحون بخدمة البيت ويستكبرون على الناس بها.
(وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي لا يهديهم إلى الحق فى أعمالهم ولا إلى الحكم العدل فى أعمال غيرهم، إذ ليس من سننه تعالى فى أخلاق البشر وأعمالهم أن يهدى الظالم إلى شىء من ذلك، ومن أقبح الظلم تفضيل خدمة حجارة البيت وحفظ مفتاحه وسقاية الحاج على الإيمان بالله وحده، إذ به تطهر الأنفس من أدناس الشرك وخرافاته، وعلى الإيمان باليوم الآخر الذي يزع النفس عن البغي والظلم ويحبب

صفحة رقم 77

إليها الحق والعدل، ويرغّبها فى الخير وعمل البر ابتغاء مرضاة الله لا للفخر والرياء، وعلى الجهاد فى سبيل الله بالنفس والمال لإحقاق الحق وإبطال الباطل.
ثم بين سبحانه مراتب فضلهم إثر بيان عدم استوائهم هم والمشركين الظالمين فقال:
(الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ) أي هم أعظم درجة وأعلى مقاما فى مراتب الفضل والكمال فى حكم الله وأكبر مثوبة من أهل سقاية الحاج وعمارة المسجد الذين رأى بعض المسلمين أن عملهم إياهما من أفضل القربات بعد الإسلام.
فالذين نالوا فضل الهجرة والجاد بنوعيه النفسي والمالى أعلى مرتبة وأعظم كرامة ممن لم يتصف بهما كائنا من كان، ويدخل فى ذلك أهل السقاية والعمارة.
(وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) أي وأولئك المؤمنون المهاجرون المجاهدون هم الفائزون بمثوبة الله وكرامته دون من لم يكن مستجمعا لهذه الصفات الثلاث وإن سقى الحاج وعمر المسجد الحرام، فإن ثواب المؤمن على هذين العملين دون ثوابه على الهجرة والجهاد، ولا ثواب للكافر عليهما فى الآخرة، فإن الكفر بالله ورسله واليوم الآخر يحبط الأعمال البدنية وإن فرض فيها حسن النية.
ثم فصل سبحانه ذلك الفوز العظيم وبينه بقوله:
(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ. خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أي يبشرهم ربهم فى كتابه على لسان رسوله، وعلى لسان ملائكته حين الموت، برحمة منه ورضوان كامل من لدنه لا يشو به سخط، وجنات تجرى من تحتها الأنهار، ولهم فيها نعيم مقيم لا يزول على عظمه وكماله حال كونهم خالدين فيها أبدا.
(إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) أي إن ما عند الله من الأجر على الإيمان وصالح العمل الذي من أشقه الهجرة والجهاد عظيم لا يقدر قدره إلا الله الذي تفضل به ومنحه لعباده المكرمين، ولا سيما على الإيمان الكامل الباعث على هجر الوطن ومفارقة الأهل

صفحة رقم 78
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية