آيات من القرآن الكريم

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُو).
(أم) هنا للإضراب الانتقالي من باب في الجهاد وتحريض عليه إلى باب الاختبار بالجهاد وتمحيص المخلصين من غير المخلصين، والهمزة في " أم "

صفحة رقم 3248

للاستفهام التوبيخي على حسبانهم وظنهم أنهم يتركون من غير تمحيص، واختبار وكشف المجاهدين من غيرهم، ومثل ذلك قوله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣)، وقوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤)، وكقوله تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ...).
وقوله تعالى: (وَلَمَّا يَعْلَم اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ) (لما) للنفي في الحاضر مع توقع الوقوع في القابل، ونفي العلم هو نفي المعلوم؛ لأن اللَّه عليم بكل شيء بما كان، وما يكون، والمراد نفي العلم بالجهاد واقعا، وإن كان متوقعا، كما قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَم اللَّهُ الَذين جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).
وإن الجهاد جهادان: جهاد بلقاء الأعداء، واشتجار السيوف، وجهاد آخر بتنقية الصفوف من الأعداء والدُّخول ومنع الولاية لغير المؤمنين، ولذلك عطف (الَّذِينَ جَاهَدُوا)، وهو وصف آخر بقوله: (لَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) الولج الحاشية البطانة، أي جاهدوا ولم يتخذوا من الله والرسول والمؤمنين وليجة أي بطانة يسرون إليهم بالمودة، وتكرار لَا لتأكيد البعد عن أن يتخذوا من غير هؤلاء بطانة لهم.
و (وليجة) من ولج بمعنى دخل، ومعنى وليجة: دخيلة مودة وبطانة من دون الله، وهم يحادون الله ورسوله والله تعالى يقول: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ...). ولقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا

صفحة رقم 3249

بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ...).
وقد ضعف شأن المسلمين من وقت أن اتخذ ملوك بني أمية ومن جاء بعدهم من اليهود والنصارى بطانة كانت تدس بين المؤمنين، وتثير الفتن، بينهم حتى أدخلوا في الدين ما ليس منه.
ولقد ختم الله تعالى الآية بقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ) أي إن الله عليم علما دقيقا بما تعملون من ظواهر أيمانكم وبواطنها.
ولقد حرم الله تعالى على المشركين أن يدخلوا المسجد الحرام من بعد العام التاسع، وربما كان منهم من يدعي أنه يعمر المسجد الحرام فنهى عن ذلك أيضا، وقال تعالى:

صفحة رقم 3250
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية