آيات من القرآن الكريم

أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ١٢٦]

أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التَّوْبَة: ١٢٥] إِلَى آخِرِهِ فَهِيَ مِنْ تَمَامِ التَّفْصِيلِ.
وَقُدِّمَتْ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى حَرْفِ الْعَطْفِ عَلَى طَرِيقَةِ تَصْدِيرِ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ.
وَالتَّصْدِيرُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ فِي غَرَضِ الِاسْتِفْهَامِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ هُنَا إِنْكَارٌ وَتَعْجِيبٌ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِمْ فِتْنَتَهُمْ فَلَا تَعْقُبُهَا تَوْبَتُهُمْ وَلَا تَذَكُّرُهُمْ أَمْرَ رَبِّهِمْ. وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْإِنْكَارِ هُوَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنِ ازْدِيَادِ كُفْرِ الْمُنَافِقِينَ وَتَمَكُّنِهِ كُلَّمَا نَزَلَتْ سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ بِإِيرَادِ دَلِيلٍ وَاضِحٍ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ الْمَرْئِيِّ حَتَّى يَتَوَجَّهَ الْإِنْكَارُ عَلَى مَنْ لَا يَرَاهُ.
وَالْفِتْنَةُ: اخْتِلَالُ نِظَامِ الْحَالَةِ الْمُعْتَادَةِ لِلنَّاسِ وَاضْطِرَابُ أَمْرِهِمْ، مِثْلُ الْأَمْرَاضِ الْمُنْتَشِرَةِ، وَالتَّقَاتُلِ، وَاسْتِمْرَارِ الْخَوْفِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [الْبَقَرَة: ١٩١] وَقَوْلِهِ: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٩٣].
فَمَعْنَى أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ أَنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبَ وَالْمَضَارَّ تَنَالُ جَمَاعَتَهُمْ مِمَّا لَا يُعْتَادُ تَكَرُّرُ أَمْثَالِهِ فِي حَيَاةِ الْأُمَمِ بِحَيْثُ يَدُلُّ تَكَرُّرُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ مِنْهُ إِيقَاظُ اللَّهِ النَّاسَ إِلَى سُوءِ سِيرَتِهِمْ فِي جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى، بِعَدَمِ اهْتِدَائِهِمْ إِلَى الْإِقْلَاعِ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعِنَادِ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمْ لَوْ رُزِقُوا التَّوْفِيقَ لَأَفَاقُوا مِنْ غَفْلَتِهِمْ، فَعَلِمُوا أَنَّ مَا يَحِلُّ بِهِمْ كُلَّ عَامٍ مَا طَرَأَ عَلَيْهِمْ إِلَّا مِنْ وَقْتِ تَلَبُّسِهِمْ بِالنِّفَاقِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفِتْنَةَ الَّتِي أَشَارَتْ إِلَيْهَا الْآيَةُ كَانَتْ خَاصَّةً بِأَهْلِ النِّفَاقِ مِنْ أَمْرَاضٍ تَحِلُّ بِهِمْ، أَوْ مَتَالِفَ تُصِيبُ أَمْوَالَهُمْ، أَوْ جَوَائِحَ تُصِيبُ ثِمَارَهُمْ، أَوْ نَقْصٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمَوَالِيدِهِمْ فَإِذَا حَصَلَ شَيْئَانِ مِنْ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ كَانَتِ الْفِتْنَةُ مَرَّتَيْنِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَوَلا يَرَوْنَ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ أَوَلَا تَرَوْنَ
بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَكُونُ مِنْ تَنْزِيلِ الرَّائِي مَنْزِلَةَ غَيْرِهِ حَتَّى يُنْكِرَ عَلَيْهِ عَدَمَ رُؤْيَتِهِ مَا لَا يَخْفَى.

صفحة رقم 67
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية