
وقال كعب بن مالك معناه: خلفوا عن قبول الضر [كذا] وليس بالتخلف عن الغزو.
يقوّي ذلك كونه جعل إذا ضاقت غاية للتخلف ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ عبارة عما أصابهم من الغم والخوف من الله ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا أي رجع بهم ليستقيموا على التوبة وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ يحتمل أن يريد صدق اللسان إذا كانوا هؤلاء الثلاثة قد صدقوا ولم يعتذروا بالكذب، فنفعهم الله بذلك، ويحتمل أن يريد أعم من صدق اللسان، وهو الصدق في الأقوال والأفعال والمقاصد والعزائم، والمراد بالصادقين: المهاجرون لقول الله في الحشر:
للفقراء المهاجرين، إلى قوله: هم الصادقون وقد احتج بها أبو بكر الصديق على الأنصار يوم السقيفة، فقال: نحن الصادقون، وقد أمركم الله أن تكونوا معنا، أي تابعين لنا.
ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الآية: عتاب لمن تخلف عن غزوة تبوك من أهل يثرب ومن جاورها من قبائل العرب وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ أي لا يمتنعوا من اقتحام المشقات التي تحملها هو صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ تعليل لما يجب من عدم التخلف ظَمَأٌ أي عطش وَلا نَصَبٌ أي تعب وَلا مَخْمَصَةٌ أي جوع وَلا يَطَؤُنَ أي بأرجلهم أو بدوابّهم وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا عموم في كل ما يصيب الكفار.
وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً. قال ابن عباس: هذه الآية في البعوث إلى الغزو والسرايا: أي لا ينبغي خروج جميع المؤمنين في السرايا، وإنما يجب ذلك إذا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنفسه، ولذلك عاتبهم في الآية المتقدمة على التخلف عنه، فالآية الأولى في الخروج معه صلّى الله عليه وسلّم، وهذه في السرايا التي كان يبعثها، وقيل: هي ناسخة لكل ما ورد من الأمر بخروج الجميع، فهو دليل على أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين، وقيل: هي في طلب العلم، ومعناها: أنه لا تجب الرحلة في طلب العلم على الجميع، بل على البعض لأنه فرض كفاية فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ تحضيض على نفر بعض المؤمنين للجهاد أو لطلب العلم لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ إن قلنا إن الآية في الخروج إلى طلب العلم، فالضمير في يتفقهوا للفرقة التي تنفر أي ترحل، وكذلك الضمير في ينذروا وفي رجعوا: أي ليعلموا قومهم إذا رجعوا إليهم من الرحلة، وإن قلنا: إن الآية في السرايا، فالضمير في يتفقهوا للفرقة التي تقعد في المدينة ولا تخرج مع السرايا، وأما الضمير في رجعوا فهو

للفرقة التي خرجت مع السرايا لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ الضمير للقوم قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ أمر بقتال الأقرب فالأقرب على تدريج، وقيل: إنها إشارة إلى قتال الروم بالشام، لأنهم كانوا أقرب الكفار إلى أرض العرب، وكانت أرض العرب قد عمها الإسلام، وكانت العراق حينئذ بعيدة وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً أي من المنافقين من يقول بعضهم لبعض: أيكم زادته هذه إيمانا على وجه الاستخفاف بالقرآن: كأنهم يقولون أي عجب في هذا؟ وأي دليل في هذا؟ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وذلك لما يتجدد عندهم من البراهين والأدلة عند نزول كل سورة وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ المرض: عبارة عن الشك والنفاق والمعنى: زادتهم رجسا إلى رجسهم أو زادتهم كفرا ونفاقا إلى كفرهم ونفاقهم يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ قيل: يفتنون أي يختبرون بالأمراض والجوع، وقيل:
بالأمر بالجهاد، واختار ابن عطية أن يكون المعنى يفضحون بما يكشف من سرائرهم نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ أي: تغامزوا، وأشار بعضهم إلى بعض على وجه الاستخفاف بالقرآن، ثم قال بعضهم لبعض: هل يراكم من أحد؟ كأن سبب خوفهم أن ينقل عنهم ذلك. وقيل: معنى نظر بعضهم إلى بعض على وجه التعجب مما ينزل في القرآن من كشف أسرارهم ثم قال بعضهم لبعض هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ أي هل رأى أحوالكم فنقلها عنكم أو علمت من غير نقل فهذا أيضا على وجه التعجب ثُمَّ انْصَرَفُوا يحتمل أن يراد الانصراف بالأبدان، أو الانصراف بالقلوب عن الهدى صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ دعاء أو خبر بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ تعليل لصرف قلوبهم لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم، والخطاب للعرب أو لقريش خاصة أي من قبيلتكم حيث تعرفون حسبه وصدقه وأمانته أو لبني آدم كلهم: أي من جنسكم وقرئ من أنفسكم بفتح الفاء أي من أشرفكم عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ أي يشق عليه عنتكم، والعنت: هو ما يضرهم في دينهم أو دنياهم وعزيز صفة للرسول، وما عنتم فاعل بعزيز، وما مصدرية أو ما عنتم مصدر، وعزيز خبر مقدّم والجملة في موضع الصفة حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ أي حريص على إيمانكم وسعادتكم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ سماه الله هنا باسمين من أسمائه فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ أي إن أعرضوا عن الإيمان، فاستعن بالله وتوكل عليه وقيل: إن هاتين الآيتين نزلتا بمكة.