آيات من القرآن الكريم

۞ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ
ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

ثم قال تعالى: ﴿وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً﴾.
أي: في سبيل الله وإظهار دينه ﴿وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ﴾، أي: كتب لهم أجر عملهم ﴿لِيَجْزِيَهُمُ الله﴾، أي: فعل ذلك ليجزيهم أحسن عملهم، أي: يجزيهم جزاء كأحسن ما يجزيهم على أحسن أعمالهم التي كانوا يعملونها وهم مقيمون في منازلهم.
قوله: ﴿وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً﴾ إلى قوله: ﴿مَعَ المتقين﴾.
المعنى: لم يكن لهم ليفعلوا ذلك، فظاهره خبر ومعناه نهي، أي: ما كان لهم أن يفعلوا ذلك، أي: لا يفعلوه، وذلك أن رسول الله ﷺ، بعث قوماً، ليعلموا الناس الإسلام، فلما نزل قوله: ﴿مَا كَانَ لأَهْلِ المدينة وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ الأعراب أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ الله﴾، الآية، رجع أولئك من البوادي إلى النبي عليه السلام، خشية أن يكونوا ممن تخلف عنه.
فأنزل الله، تعالى، عذرهم: ﴿وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً﴾، وكره انصرافهم من البادية إلى المدينة، قال ذلك مجاهد.
ثم قال تعالى: ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ﴾، هَلاَّ أتى للخروج من

صفحة رقم 3189

هؤلاء الذين يعلمون الناس ﴿مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ﴾، ويبقى الباقون ليتفقه أهل البوادي في الدين ﴿وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ﴾، أي: يخبرونهم بما تعلموا ﴿لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾، مخالفة أمر الله، سبحانه.
وقال ابن عباس المعنى: ما كان المؤمنون لينفروا في غزوهم جميعاً، ويتركوا نبيهم عليه السلام، ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ﴾، يعني: السرايا، فلما رجعت السرايا، ونزل بعدهم قرآن، تعلمه القاعدون من النبي عليه السلام، قالوا للسرايا: إن الله تعالى، قد أنزل على نبيكم عليه السلام، قرآنا بعدكم/ وقد تعلمناه. فتمكث السرايا يتعلمون مما أنزل بعدهم، ويمضي الآخرون الذين كانوا مقيمين للسرايا، فذلك قوله:

صفحة رقم 3190

﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدين﴾.
فمعنى الكلام: فهلاَّ نفر من كل فرقة طائفة لتيفقه المتخلفون في الدين ﴿وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رجعوا إِلَيْهِمْ﴾، أي: ليعلم القاعدون القادمين من السرايا ما تعلموا في مغيبهم، وهو قول قتادة.
وقال: هذا في الجيوش أمره الله [أن] لا يُعَرُّوا نبيهم عليه السلام، وأن تقيم طائفة مع رسول الله ﷺ، تتفقه في الدين وتنطلق طائفة تدعو قومها إلى الله سبحانه، فإذا رجعوا علمهم المقيمون ما نزل بعدهم.
ومثل ذلك قال الضحاك.
وعن ابن عباس أيضاً: أنها ليست في الجهاد، ولكن لما دعا النبي عليه السلام، [على مُضر]

صفحة رقم 3191

بالسنين أجدبت بلادهم، فكانت القبيلة منهم تُقبل بأسرها إلى المدينة يعتلون في إقبالهم بالإسلام وليس كذلك، إنما بهم الجَهْد الذي نزل بهم، فأخبر الله، تعالى، نبيه عليه السلام، أنهم ليسوا من المؤمنين، وأنهم لو كانوا مؤمنين ما أتوا بأجمعهم، ولكن يأتي بعضهم يتفقه في الدين، ويعود فينذر من بقي لعله يحذر ما حرم الله سبحانه، فإتيانهم بجماعتهم يدل على أنهم إنما أتوا من أجل الجَهْد لا من أجل الإيمان.
وقال عكرمة: إنما هو تكذيب للمنافقين، وذلك أنه لما نزل: ﴿مَا كَانَ لأَهْلِ المدينة وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ الأعراب أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ الله﴾، الآية، قال المنافقون: هلك من تخلف، فألحقوا من عذره الله في التخلف بمن لم يعذره الله سبحانه، فأنزل الله تعالى، عذراً ثانياً لمن تخلف من الأعراب بعذر، فقال ﴿وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً﴾.
وقال الحسن: المعنى: لتتفقه الطائفة الغائبة، بما يؤيدهم الله تعالى، من

صفحة رقم 3192

الظهور على المشركين، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.
أي: يخبر الغائبون في الجهاد الحاضرين، بما فتح الله تعالى، عليهم فيزداد إيمانهم، وهو اختيار الطبري. قال: تتفقه الطائفة النافرة بما ترى من نصر الله تعالى، ﴿ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رجعوا إِلَيْهِمْ﴾ أي: يخبرونهم بما فتح الله سبحانه عليهم فيحذرونهم أن ينزل بهم بأس الله، سبحانه.
ف: " قومهم " على هذا القول: من بقي من أهليهم مشركين، يحذرونهم ليؤمنوا، وهو قول الحسن.
وهذا الآي دليل على جواز قبول خبر الواحد.
وقد رُوي: أنها نزلت في أعرابٍ قدموا على رسول الله ﷺ، المدينة فَعَلَوْا الأسعار، وملأوا الطرق بالعَذِرَة فنزلت: ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ﴾.

صفحة رقم 3193

ثم قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مِّنَ الكفار﴾.
والمعنى: أنَّها تحضيض من الله، تعالى، للمؤمنين، أن يبدأوا بقتال الأقرب فالأقرب من الكفار، والغلظة عليهم. والمراد به يومئذ: الروم، لأنهم كانوا سكاناً بالشأم، والشأم أقرب إلى المدينة من العراق. والفرض على أهل [كل] بلد أن يقاتلوا من يليهم دون الأبعد منهم، إلا أن يضطروا إلى ذلك، فيقاتلون الأبعد دون الأقرب.
وقد سئل ابن عمر عن قتال الروم والدَّيْلَم.
فقال: الروم أولى.
وكذلك قال الحسن.

صفحة رقم 3194
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية