آيات من القرآن الكريم

وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ

فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ، يعني: يقتلون العدو ويقتلهم العدو. قرأ حمزة والكسائي فَيَقْتُلُونَ بالرفع وَيُقْتَلُونَ بالنصب على معنى التقديم والتأخير، وقرأ الباقون يُقْتَلُونَ بالنصب وَيُقْتَلُونَ بالرفع. وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا، يعني: واجباً لهم ذلك، بأن يفي لهم ما وعد، وبين لهم ذلك فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ، يعني: ليس أحد أوفى من الله تعالى في عهده وشرطه، لأنه عهد أن مَنْ قتل في سبيل الله، فله الجنة، فيفي عهده ذلك وينجز وعده.
ثم قال: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وهذا إعلام لهم أنهم يربحون في مبايعتهم.
ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، يعني: الثواب الوافر والنجاة الوافرة.
قوله تعالى: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ إلى آخره يعني: لهم الجنة، ويقال: هم التائبون، ويقال: صار رفعاً بالابتداء وجوابه مضمر، قرأ عاصم التّائبين العابدين يعني: اشترى من المؤمنين التائبين العابدين إلى آخره، ويقال: اشترى من عشرة نفر أولهم الغزاة، ومن التائبين الذين يتوبون عن الذنوب، والذين هم الْعَابِدُونَ، يعني: الموحدون، ويقال: المطيعون لله تعالى في الطاعة والجهاد. الْحامِدُونَ، الذين يحمدون الله على كل حال، السَّائِحُونَ، قال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والحسن: يعني الصائمين، وأصله: السائح في الأرض، لأن السائح في الأرض يكون ممنوعاً عن الشهوات، فشبّه الصائم به. وذكر عن بعضهم أنه قال: هم الذين يصومون شهر الصبر وهو شهر رمضان، وأيام البيض الرَّاكِعُونَ، يعني: الذين يحافظون على الصلوات السَّاجِدُونَ، الذين يسجدون لله تعالى في الصلوات. الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، يعني: يأمرون الناس بالتوحيد وأعمال الخير. وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ، الذين ينهون الناس عن الشرك والأعمال الخبيثة وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ، يعني: العاملين بما فرض الله عليهم. وذكر عن خلف بن أيوب: أنه أمر امرأته في بعض الليل أن تمسك الرضاع عن الولد، فقالت: لم؟ فقال: لأنه قد تمت سنتان. فقيل له: لو تركتها حتى ترضع تلك الليلة، وأيش يكون؟ فقال: أين قول الله تعالى وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ، ثم قال: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ، يعني: المصدقين بهذا الشرط والعاملين به.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١١٣ الى ١١٤]
مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤)
قوله تعالى: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا، يعني: ما ينبغي وما جاز للنبي والذين آمنوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ. وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: «سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت له: أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟» فقال: ألم يستغفر إبراهيم

صفحة رقم 90

لأبويه وهما مشركان؟ فذكرت ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فنزل مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ. وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى، يعني: ذا قرابة في الرحم. مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ، يعني: أهل النار وماتوا على الكفر وهم في النار.
ويقال أراد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يستغفر لأبويه وهما مشركان، واستأذن منه المسلمون أن يستغفروا لآبائهم، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، وقال: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ. وروى مسروق عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخرجنا معه، حتى انتهينا إلى قبر فجلس إليه فناجاه طويلاً، ثم رفع رأسه باكياً، فبكينا لبكاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثم إن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أقبل إلينا، فتلقاه عمر رضي الله عنه فقال: «ما الذي أبكاك يا رسول الله؟» فأخذ بيد عمر وأقبل إلينا، فأتيناه فقال: «أفْزَعَكُمْ بُكَائِي» ؟ فقلنا: نعم يا رسول الله. فقال:
«إنَّ الْقَبْرَ الَّذِي رَأَيْتُمُونِي أُنَاجِيهِ قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتُ وَهْبٍ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَإنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي بِالاسْتِغْفَارِ لَهَا، فَلَمْ يَأْذَنْ لي، فأنزل الله تعالى مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ فَأَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ الْوَلَدَ لِلْوَالِدَيْنِ مِنَ الرِّقَّةِ، فذلك الَّذِي أبْكَانِي» «١».
وروى أبو هريرة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِوَالِدَيَّ، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاْستَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهُمَا، فَأَذِنَ لِي» «٢» فنزلت هذه الآية مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الآية.
ثم قال تعالى: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ وذلك أن أباه وعد إبراهيم أن يسلم، فكان يستغفر له رجاء أن يسلم. وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: «ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات، فَلَمَّا مات، تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ يعني: ترك الدعاء ولم يستغفر له بعد لأنه مات على الكفر» «٣». وللآية هذه وجه آخر: روي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه المسيب بن حرب قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أمية، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبي طالب: «يَا عَمِّ، قُلْ لا إله إِلا الله كَلِمة النَّجَاةِ، أشْهَدْ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله تَعَالَى». فقال أبو جهل: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل النبي صلّى الله عليه وسلّم يعرضها عليه ويعانده أبو جهل بتلك المقالة، حتى قال أبو

(١) عزاه السيوطي: ٤/ ٣٠٢ إلى ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل، وابن ماجة (١٥٧١) والحاكم ٢/ ٣٣٦ وأصله في مسلم (٩٧٦) (١٠٨) وأبي داود (٣٢٣٤) وابن ماجة (١٥٧٢) والبيهقي: ٤/ ٧٦.
(٢) حديث أبي هريرة: أخرجه مسلم (٩٧٦) وأبو داود (٣٢٣٤) والنسائي: ٤/ ٩٠ وابن ماجة (١٥٧٢) والبيهقي ٤/ ٧٦ وأحمد ٢/ ٤٤٢ والبغوي (١٥٥٤).
(٣) عزاه السيوطي: ٤/ ٣٠٠ إلى الطيالسي وأحمد وابن أبي شيبة وأبي يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم والترمذي والنسائي وابن مردويه.

صفحة رقم 91
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية