آيات من القرآن الكريم

وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ

مَرَنُوا عَلَيْه، ولَجُّوا فيه «١»، وقيل غير هذا ممَّا هو قريبٌ منه.
وقال ابن زَيْد: قاموا عليه، لَمْ يَتُوبوا كما تاب الآخَرُون، والظاهر مِنَ اللفظة أنَّ التمرُّد في الشيء أو المُرُود عليه إِنما هو اللَّجَاج والاشتهار به، والعتوُّ على الزاجر، ورُكُوبُ الرأسِ في ذلك، وهو مستعملٌ في الشر لا في الخَيْر ومنه: شَيْطَانٌ مَرِيدٌ وَمَارِدٌ، وقال ابن العربيّ في «أحكامه» «٢» : مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ: أي: استمروا عليه، وتحقَّقوا به.
انتهى، ذكَره بعد قوله تعالى: الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً [التوبة: ١٠٧].
ثم نفى عزَّ وجلَّ عِلْمَ نبيِّه لهم على التعْيين.
وقوله سبحانه: سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ: لفظ الآية يقتضي ثَلاَثَ مواطِنَ مِنَ العَذَابِ، ولا خلافَ بين المتأوِّلين أن العذاب العظيم الذي يُرَدُّون إِليه هو عذابُ الآخرةِ، وأكثرُ النَّاس أن العذاب المتوسِّط/ هو عذاب «٣» القبْر، واختُلِفَ في عذاب المَرَّة الأولَى: فقال ابنُ عبَّاس: عذابهم بإِقامة حدود الشَّرْع عليهم، مع كراهيتهم فيه «٤».
وقال إسحاق: عذابُهم: هو هَمُّهم بظهورِ الإِسْلاَمِ، وَعُلُوِّ كَلِمَتِهِ «٥». وقال ابْنُ عباسٍ أيضاً- وهو الأشهر عنه-: عذابُهم هو فَضِيحَتُهُمْ وَوَصْمُهُمْ بالنِّفَاقِ «٦». وقيل غير هذا.
وقوله عزّ وجلّ:
[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٢]
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢)
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ الآية. قال ابْنُ عَبَّاسٍ، وأبو عثمان: هذه الآية في

(١) ذكره ابن عطية (٣/ ٧٥).
(٢) ينظر: «الأحكام» (٢/ ١٠١٢).
(٣) استدل على عذاب القبر من القرآن بقوله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ عطف عذاب يوم القيامة على عرض النار صباحا ومساء، فعلم أنه غيره، وما هو إلا عذاب القبر، لأن الآية وردت في حق الموتى، والأحاديث الصحيحة الدالة على عذاب القبر أكثر من أن تحصى بحيث تواتر القدر المشترك بينها في إثباته.
ينظر: «نشر الطوالع» (٣٧١).
(٤) ذكره ابن عطية (٣/ ٧٦).
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦/ ٤٥٨) برقم: (١٧١٥٠)، وذكره ابن عطية (٣/ ٧٦).
(٦) ذكره ابن عطية (٣/ ٧٦).

صفحة رقم 209
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية