
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ الْآيَة نزلت فِي قوم من الْمُؤمنِينَ تخلفوا عَن رَسُول الله بِغَيْر عذر، فيهم أَو لبَابَة بن عبد الْمُنْذر وَغَيره، فَلَمَّا قفل رَسُول الله من الْغَزْو، وَقرب من الْمَدِينَة جَاءُوا فربطوا أنفسهم بسوارى الْمَسْجِد وَقَالُوا: لَا نحل أَنْفُسنَا حَتَّى يَتُوب الله علينا، فَدخل رَسُول الله الْمَسْجِد، وَكَانَ من عَادَته أَنه كَانَ إِذا خرج إِلَى سفر صلى رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِد، ثمَّ يخرج، وَإِذا رَجَعَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فصلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ يدْخل منزله، فَلَمَّا دخل الْمَسْجِد وَرَأى هَؤُلَاءِ النَّفر قد ربطوا أنفسهم بالسوارى سَأَلَ وَقَالَ: " مَا شَأْنهمْ؟ فَقيل: إِنَّهُم حلفوا أَلا يحلوا أنفسهم حَتَّى يَتُوب الله عَلَيْهِم، فَقَالَ رَسُول الله: وَإِنِّي أَحْلف أَن لَا أحلّهُم حَتَّى يقْضِي الله فيهم بأَمْره، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة ".
وَقَوله تَعَالَى: ﴿خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا﴾ الْعَمَل السيء هُوَ التَّخَلُّف عَن الْغَزْو بِلَا إِشْكَال، وَأما الْعَمَل الصَّالح فَفِيهِ مَعْنيانِ:
أَحدهمَا: ندامتهم وربطهم أنفسهم بالسوارى.
وَالثَّانِي: الْعَمَل الصَّالح: هُوَ غزواتهم مَعَ رَسُول الله من قبل.
وَفِي الْأَخْبَار، عَن سَمُرَة بن جُنْدُب أَن النَّبِي قَالَ: " أَتَانِي اللَّيْلَة آتيان فَانْطَلقَا بِي إِلَى مَدِينَة مَبْنِيَّة لبنة من الذَّهَب ولبنة من الْفضة، فتلقاني رجال شطر خلقهمْ كأحسن مَا أَنْت رَاء، وَشطر خلقهمْ كأقبح مَا أَنْت رَاء، فَقيل لَهُم: قعوا فِي ذَلِك

﴿رَحِيم (١٠٢) خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا وصل عَلَيْهِم إِن صَلَاتك سكن لَهُم وَالله سميع عليم (١٠٣) ﴾ النَّهر، فوقعوا فِي النَّهر، فَخَرجُوا وَقد ذهب عَنْهُم السوء، فَسَأَلت عَن أُولَئِكَ الْقَوْم، فَقيل لي: أما الْمَدِينَة فَهِيَ الْجنَّة، [وهذاك] مَنْزِلك، وَهَؤُلَاء الْقَوْم خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا؛ فَتَجَاوز الله عَنْهُم ".
وَأما قَوْله تَعَالَى: ﴿عَسى الله أَن يَتُوب عَلَيْهِم﴾ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَغَيره: عَسى من الله وَاجِب. فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة أَمر رَسُول الله أَن يحل أُولَئِكَ الْقَوْم من السوارى.
وَرُوِيَ عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ أَنه قَالَ: أرجي آيَة فِي الْقُرْآن هَذِه الْآيَة.
﴿إِن الله غَفُور رَحِيم﴾.