
إِرَمَ، يُخَوِّفُ أَهْلَ مَكَّةَ يَعْنِي كَيْفَ أَهْلَكَهُمْ، وَهُمْ كَانُوا أَطْوَلَ أَعْمَارًا وَأَشَدَّ قُوَّةً مِنْ هَؤُلَاءِ، واختلفوا في إرم فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ: دِمَشْقُ، وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ، وَقَالَ الْقُرَظِيُّ هِيَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ أُمَّةٌ. وَقِيلَ: مَعْنَاهَا الْقَدِيمَةُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: هُمْ قَبِيلَةٌ مِنْ عَادٍ.
قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ فِيهِمُ الْمُلْكُ وَكَانُوا بِمَهَرَةَ وَكَانَ عَادٌ أَبَاهُمْ فَنَسَبَهُمْ إِلَيْهِ وَهُوَ إِرَمُ بْنُ عَادِ بن شيم بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ جَدٌّ عَادٍ وَهُوَ عَادُ بْنُ عَوْصِ بْنِ إِرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِرَمَ هُوَ الَّذِي يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ نَسَبُ عَادٍ وثمود [وأهل السواد] [١] وَأَهْلِ الْجَزِيرَةِ، كَانَ يُقَالُ: عَادُ إِرَمَ وَثَمُودُ إِرَمَ، فَأَهْلَكَ اللَّهُ عَادًا ثُمَّ ثَمُودَ وَبَقِيَ أَهْلُ السَّوَادِ وَالْجَزِيرَةِ، وَكَانُوا أَهْلَ عُمُدٍ وَخِيَامٍ وَمَاشِيَةٍ سَيَّارَةٍ فِي الرَّبِيعِ، فَإِذَا هَاجَ الْعُودُ رَجَعُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ، وَكَانُوا أَهْلَ جِنَانِ وَزُرُوعٍ وَمَنَازِلُهُمْ بِوَادِي الْقُرَى، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ فِيهَا.
الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨)، وَسُمُّوا ذَاتَ الْعِمَادِ لِهَذَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ عُمُدٍ سَيَّارَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالْكَلْبِيِّ، وَرِوَايَةُ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُمُّوا ذَاتَ الْعِمَادِ لِطُولِ قَامَتِهِمْ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي طُولَهُمْ مِثْلَ الْعِمَادِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ طُولُ أَحَدِهِمُ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا. وَقَوْلُهُ: لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ، أَيْ لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ فِي الطُّولِ وَالْقُوَّةِ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت: ١٥]، وَقِيلَ: سُمُّوا ذَاتَ الْعِمَادِ لِبِنَاءٍ بناه بعضهم فشيد عمده، وَرَفَعَ بِنَاءَهُ، يُقَالُ: بَنَاهُ شَدَّادُ بْنُ عَادٍ عَلَى صِفَةٍ لَمْ يُخْلَقْ فِي الدُّنْيَا مِثْلُهُ وَسَارَ إِلَيْهِ فِي قَوْمِهِ، فَلَمَّا كَانَ مِنْهُ عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بعث الله عليه وعلى قومه صَيْحَةً مِنَ السَّمَاءِ فَأَهْلَكَتْهُمْ جَمِيعًا.
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ٩ الى ١٠]
وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠)
وَثَمُودَ، أَيْ وَبِثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ، قطعوا الحجر، صخرة واحداتها بِالْوادِ، يَعْنِي وَادِي الْقُرَى كَانُوا يقطعون الجبال فجيعلون فِيهَا بُيُوتًا، وَأَثْبَتَ ابْنُ كَثِيرٍ وَيَعْقُوبُ الْيَاءَ فِي الْوَادِي وَصْلًا وَوَقْفًا عَلَى الْأَصْلِ، وَأَثْبَتَهَا وَرْشٌ وَصْلًا وَالْآخَرُونَ بِحَذْفِهَا فِي الْحَالَيْنِ على وفق رؤوس الْآيِ.
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠)، سُمِّي بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يُعَذِّبُ النَّاسَ بِالْأَوْتَادِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ (ص).
«٢٣٣٦» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا ابْنُ فنجويه ثنا مخلد بن جعفر ثنا الحسين بن علويه ثنا إسماعيل بن عيسى ثنا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ عَنِ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ فِرْعَوْنَ إِنَّمَا سُمِّيَ «ذي الأوتاد» لأنه كانت له امرأة، وهي امرأة خازنة حزقيل [٢]، وَكَانَ مُؤْمِنًا كَتَمَ إِيمَانَهُ مِائَةَ سَنَةٍ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ مَاشِطَةُ بِنْتِ فرعون.
- إسناده ساقط، إسحق بن بشر أبو حذيفة صاحب كتاب «المبتدأ» كذاب يضع الحديث، قاله أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وأبو زرعة والدارقطني وغيرهم، وتقدم ذكره، وتفرد به عن ابن عباس بهذا السياق، وشيخه ابن سمعان عبد الله بن سمعان متروك.
- وهذا الخبر من الإسرائيليات.
- وقد تقدم ذكر خبر ماشطة فرعون في سورة ص.
(١) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٢) تكرر في المخطوط «حزبيل».

فَبَيْنَمَا هِيَ ذَاتَ يَوْمٍ تُمَشِّطُ رَأْسَ بِنْتِ فِرْعَوْنَ [١] إِذْ سَقَطَ الْمُشْطُ مِنْ يَدِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، فَقَالَتْ بِنْتُ فِرْعَوْنَ: وَهَلْ لَكِ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُ أَبِي؟ فَقَالَتْ: إِلَهِي وَإِلَهُ أبيك وإله السموات وَالْأَرْضِ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَقَامَتْ فَدَخَلَتْ عَلَى أَبِيهَا وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: الْمَاشِطَةُ امْرَأَةُ خَازِنِكَ تَزْعُمُ أَنَّ إلهك وإلهها وإله السموات وَالْأَرْضِ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: صَدَقَتْ، فَقَالَ لَهَا: وَيْحَكِ اكْفُرِي بِإِلَهِكِ وَأَقِرِّي بِأَنِّي إِلَهُكِ، قَالَتْ: لَا أَفْعَلُ فَمَدَّهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَوْتَادٍ ثُمَّ أَرْسَلَ عَلَيْهَا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ، وَقَالَ لَهَا: اُكْفُرِي بالله وَإِلَّا عَذَّبْتُكِ بِهَذَا الْعَذَابِ شَهْرَيْنِ، فَقَالَتْ لَهُ: وَلَوْ عَذَّبَتْنِي سَبْعِينَ شَهْرًا مَا كَفَرْتُ بِاللَّهِ، وَكَانَ لَهَا ابْنَتَانِ فَجَاءَ بِابْنَتِهَا الْكُبْرَى فَذَبَحَهَا عَلَى قُرْبٍ مِنْهَا، وَقَالَ لَهَا: اُكْفُرِي بِاللَّهِ وَإِلَّا ذَبَحْتُ الصُّغْرَى عَلَى قَلْبِكِ، وَكَانَتْ رَضِيعًا، فَقَالَتْ: لَوْ ذَبَحْتَ مَنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عَلَى فِيِّ مَا كَفَرْتُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَتَى بابنتها الصغرى فلما اضطجعت عَلَى صَدْرِهَا وَأَرَادُوا ذَبْحَهَا جَزِعَتِ الْمَرْأَةُ فَأَطْلَقَ اللَّهُ لِسَانَ ابْنَتِهَا فَتَكَلَّمَتْ وَهِيَ مِنَ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ تكلموا أطفالا، فقالت: يَا أُمَّاهُ لَا تَجْزَعِي فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ بَنَى لَكِ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، اصْبِرِي فَإِنَّكِ تُفْضِينَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَذُبِحَتْ فَلَمْ تَلْبَثْ أَنْ مَاتَتْ فَأَسْكَنَهَا اللَّهُ الْجَنَّةَ.
قَالَ: وَبَعَثَ فِي طلب زوجها حزقيل فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَقِيلَ لِفِرْعَوْنَ: إنه قد رؤي في موضع كذا فِي جَبَلِ كَذَا، فَبَعَثَ رَجُلَيْنِ فِي طَلَبِهِ فَانْتَهَيَا إِلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي وَيَلِيهِ صُفُوفٌ مِنَ الْوُحُوشِ خَلْفَهُ يُصَلُّونَ، فَلَمَّا رَأَيَا ذَلِكَ انصرفا، فقال حزقيل: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كَتَمْتُ إِيمَانِي مِائَةَ سَنَةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ على أحد فأيما هذان الرَّجُلَيْنِ كَتَمَ عَلَيَّ فَاهْدِهِ إِلَى دِينِكَ وَأَعْطِهِ مِنَ الدُّنْيَا سُؤْلَهُ، وَأَيُّمَا هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَظْهَرَ عَلَيَّ فَعَجِّلْ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَاجْعَلْ مَصِيرَهُ فِي الْآخِرَةِ إِلَى النَّارِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلَانِ إِلَى فِرْعَوْنَ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَاعْتَبَرَ وَآمَنَ، وَأَمَّا الْآخَرَ فأخبر فرعون بالقصة على رؤوس الملاء، فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: وَهَلْ كَانَ مَعَكَ غَيْرُكَ؟
قَالَ: نَعَمْ فُلَانٌ، فَدَعَا بِهِ فَقَالَ: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: لَا مَا رَأَيْتُ مِمَّا قَالَ شَيْئًا فَأَعْطَاهُ فِرْعَوْنُ وَأَجْزَلَ وَأَمَّا الْآخَرُ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ صَلَبَهُ، قَالَ: وَكَانَ فِرْعَوْنُ قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهَا آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ فَرَأَتْ مَا صَنَعَ فِرْعَوْنُ بِالْمَاشِطَةِ، فَقَالَتْ: وَكَيْفَ يَسَعُنِي أَنْ أَصْبِرَ عَلَى مَا يَأْتِي فِرْعَوْنُ وَأَنَا مُسْلِمَةٌ وَهُوَ كَافِرٌ؟ فَبَيْنَمَا هِيَ كَذَلِكَ تُؤَامِرُ نَفْسَهَا إِذْ دَخَلَ عَلَيْهَا فِرْعَوْنُ فَجَلَسَ قَرِيبًا مِنْهَا، فَقَالَتْ: يَا فِرْعَوْنُ أَنْتَ شَرُّ [٢] الْخَلْقِ وَأَخْبَثُهُمْ عَمَدْتَ إِلَى الْمَاشِطَةِ فَقَتَلْتَهَا، قَالَ: فَلَعَلَّ بِكِ الْجُنُونَ الَّذِي كَانَ بِهَا قَالَتْ مَا بِي مِنْ جُنُونٍ، وإن إلهي وإلهك وإله السموات وَالْأَرْضِ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَمَزَّقَ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا وَضَرَبَهَا وَأَرْسَلَ إِلَى أَبَوَيْهَا فَدَعَاهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا: ألا تريان أن الجنون كَانَ بِالْمَاشِطَةِ أَصَابَهَا، قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ إِنِّي أَشْهَدُ أن ربي وربك ورب السموات وَالْأَرْضِ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، فقال أَبُوهَا: يَا آسِيَةُ أَلَسْتِ مِنْ خير نساء العالمين]
وزوجك إله العالمين [٤] ؟ قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ حَقًّا فَقُولَا لَهُ أَنْ يُتَوِّجَنِي تَاجًا تَكُونُ الشَّمْسُ أَمَامَهُ وَالْقَمَرُ خَلْفَهُ وَالْكَوَاكِبُ حَوْلَهُ، فَقَالَ لَهُمَا فِرْعَوْنُ: اخْرُجَا عَنِّي، فَمَدَّهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَوْتَادٍ يُعَذِّبُهَا فَفَتَحَ اللَّهُ لَهَا بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ لِيُهَوِّنَ عَلَيْهَا مَا يَصْنَعُ بِهَا فِرْعَوْنُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَتْ: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التَّحْرِيمِ: ١١]، فَقَبَضَ اللَّهُ روحها وأسكنها الجنة.
(٢) في المطبوع «أشر».
(٣) في المطبوع وط «العماليق» والمثبت عن المخطوطتين.
وفرعون ليس من العماليق أصلا.
(٤) في المطبوع وط «العماليق» والمثبت عن المخطوطتين.