آيات من القرآن الكريم

إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ
ﭦﭧ ﭩﭪ ﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤ

فطوّل، فصلّى في ناحية المسجد، ثم انصرف، فبلغ ذلك معاذا، فقال: منافق، فذكر ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسأل الفتى، فقال: يا رسول اللَّه، جئت أصلي معه، فطوّل علي، فانصرفت وصليت في ناحية المسجد، فعلفت ناقتي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «أفتّان يا معاذ؟ أين أنت من: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَالشَّمْسِ وَضُحاها، وَالْفَجْرِ، وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى».
حتمية عذاب الكفار وجزاء بعضهم في الدنيا
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ١ الى ١٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤)
هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩)
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤)
الإعراب:
وَالْفَجْرِ، وَلَيالٍ عَشْرٍ... هذا قسم، وجوابه: إما قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ أو محذوف مقدر تقديره: لتبعثن. والأولى أن يكون جواب القسم محذوفا وهو ليعذبن، كما ذكر في الكشاف (٣/ ٣٣٥) أي وربّ هذه الأشياء ليعذبن الكفار، وقد دلّ عليه: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ.. إلى قوله: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ.
كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ، إِرَمَ إِرَمَ: مجرور على البدل، أو عطف البيان، ولا يجوز أن يكون وصفا أو نعتا لأنه ليس مشتقا. وإِرَمَ: ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، ودليل التأنيث وصفها بقوله: ذاتِ الْعِمادِ.

صفحة رقم 221

البلاغة:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ استفهام تقريري، لتفخيم شأن الأمور المقسم بها.
الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ بينهما طباق.
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ استعارة، شبّه العذاب الشديد النازل بهم بالسوط المؤلم، واستعمل الصبّ للإنزال.
وَلَيالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ سجع رصين غير متكلف، وكذا قوله:
وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ، وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ، الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ.
المفردات اللغوية:
وَالْفَجْرِ قسم بالوقت الذي ينبلج فيه نور الصبح كل يوم لتبديد حجب الظلام، وظهور النور وما يتبعه من الاستعداد والذهاب لقضاء الحوائج وتحقيق المنافع وطلب الرزق، وهو مثل القسم في قوله تعالى: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ [التكوير ٨١/ ١٨] وقوله: وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ [المدثر ٧٤/ ٣٤].
وَلَيالٍ عَشْرٍ عشر ذي الحجة، وتنكيرها للتعظيم. وَالشَّفْعِ الزوج. وَالْوَتْرِ الفرد من تلك الليالي، والمراد: والأشياء كلها شفعها ووترها، وكلمة «الوتر» : بفتح الواو وكسرها. يَسْرِ أي يسري بمعنى إذا يمضي، كقوله: وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ [المدثر ٧٤/ ٣٣].
هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ أي هل في ذلك القسم بهذه الأشياء قسم مقنع لكل ذي عقل؟ كأنه يقول: إن هذا لقسم عظيم عند ذوي العقول، فمن كان عاقلا أدرك أن ما أقسم اللَّه به من هذه الأشياء فيها دلالة على توحيده وقدرته. وجواب القسم محذوف، أي لتعذبن أيها الكفار.
والحجر: العقل، سمي بذلك لأنه يمنع من الوقوع فيما لا ينبغي.
أَلَمْ تَرَ ألم تعلم يا محمد. بِعادٍ هي قبيلة عربية بائدة، من أولاد عاد بن عوض بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، قوم هود عليه السلام، سموا باسم أبيهم كما سمي بنو هاشم باسمه، وتلقب عاد بإرم أيضا.
إِرَمَ عطف بيان لعاد على تقدير مضاف، أي سبط إرم، وإِرَمَ: هي عاد الأولى. ذاتِ الْعِمادِ ذات البناء الرفيع، سكان الخيام العالية، وهذا كناية عن الغنى والبسطة، وكانت منازلهم بالرمال في الأحقاف بلاد الرمال بين عمان وحضرموت جنوب جزيرة العرب. لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ في بطشهم وقوتهم.

صفحة رقم 222

وَثَمُودَ قبيلة من العرب البائدة أيضا من ولد كاتر بن إرم بن سام، كانت تسكن بالحجر بين الشام والحجاز، وهم قوم صالح عليه السلام. جابُوا الصَّخْرَ قطعوا الصخر ونحتوه واتخذوه بيوتا. بِالْوادِ وادي القرى. وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ حاكم مصر في عهد موسى عليه السلام، صاحب المباني العظيمة الثابتة ثبوت الأوتاد: جمع وتد، وهو ما يدق في الأرض.
طَغَوْا تجبروا في البلاد وتجاوزوا الحد في الظلم، صفة للمذكورين: عاد وثمود وفرعون.
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ بالقتل والتعذيب والمنكرات. فَصَبَّ أفرغ وألقى وأنزل بهم العقوبة متتابعة. سَوْطَ عَذابٍ أي نوع عذاب ينزل بهم، وأصل السوط: الجلد الذي يضفر ليضرب به. لَبِالْمِرْصادِ أي يرصد أعمال العباد فلا يفوته شيء منها، ليجازيهم عليها. وأصل المرصاد:
مكان الرصّد أو الراصد، والرصّد: من يرصد الأمور، أي يترقبها ليعرف ما فيها من خير أو ضرر، ويطلق أيضا على الحارس، ويطلق على الواحد والجمع والمؤنث، والترصد: الترقب.
التفسير والبيان:
وَالْفَجْرِ، وَلَيالٍ عَشْرٍ أي قسما من اللَّه بالفجر، أي الصبح الذي يظهر فيه الضوء، وينبلج النور لأنه وقت انفجار الظلمة عن الليل، كل يوم، وما يترتب عليه من اليقظة والاستعداد لجلب المنافع وتحقيق المصالح بالانتشار في الأرض وطلب الرزق من الإنسان والحيوان، كما في قوله تعالى: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ [التكوير ٨١/ ١٨]، وقوله: وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ [المدثر ٧٤/ ٣٤].
وقيل: المراد: القسم بصلاة الفجر.
وقسما بالليالي العشر من ذي الحجة ذات الفضيلة
ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس مرفوعا: «ما من أيام العمل الصالح أحبّ إلى اللَّه فيهنّ من هذه الأيام- يعني عشر ذي الحجة- قالوا: ولا الجهاد في سبيل اللَّه؟ قال:
ولا الجهاد في سبيل اللَّه، إلا رجلا خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء»
.
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ أي والزوج والفرد من كل الأشياء، ومنها هذه الليالي، أي بما حوته من زوج وفرد.

صفحة رقم 223

وقيل: الشفع يوم النحر لأنه عاشر الأيام، والوتر يوم عرفة لأنه تاسع الأيام، وقيل: الشفع: يوما التشريق الأول والثاني اللذان يجوز التعجل فيهما بالنفر من منى، والوتر: اليوم الثالث.
وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ وقسما بالليل إذا جاء وأقبل ثم ذهب وأدبر، كقوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ [المدثر ٧٤/ ٣٣]، وقوله: وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ، [التكوير ٨١/ ١٧] أي أقبل ظلامه، أو أدبر، فكما في إقبال الصبح من عظيم النفع، في الظلام نفع أيضا، حيث تهدأ النفوس، وتستريح من عناء العمل، ثم في ذهابه نفع أيضا حيث يستعان بالراحة التي ارتاحها الجسم للعمل في النهار، ومجابهة المتاعب والأعمال.
هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ أي أليس في القسم بهذه الأشياء قسم مقنع لكل ذي عقل أو لبّ؟ والحجر: العقل، فمن كان ذا عقل ولبّ، علم أن ما أقسم اللَّه به من هذه الأشياء حقيق بأن يقسم به.
ثم ذكر اللَّه تعالى بعض قصص الأمم السالفة للمثل والعبرة، فقال:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ، إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ أي ألم تعلم أيها الإنسان المخاطب، كيف أهلك اللَّه قبيلة عاد الأولى، وهم ولد عاد بن حوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، وتلقب أيضا بإرم، فإرم: اسم آخر لعاد الأولى، كما قال تعالى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى [النجم ٥٣/ ٥٠]، ويقال لمن بعدهم عاد الأخرى. ومساكنهم الأحقاف بلاد الرمال بين عمان وحضرموت، ونبيهم هود عليه السلام.
وقد كانوا أهل عمد وخيام عالية في الربيع، ثم يرجعون إلى منازلهم إذا هاج النبت، وكانوا طوال القامة، ذوي أجسام قوية شديدة، وأشد الناس في زمانهم خلقة، وأقواهم بطشا، ولم يوجد في البلاد كلها مدينة محكمة البنيان ذات

صفحة رقم 224

أعمدة طوال منحوتة كمدينتهم، والصواب لم يوجد مثل تلك القبيلة في الطول والشدة والقوة كما قال تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ، وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً، فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأعراف ٧/ ٦٩]، وقال سبحانه: فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَقالُوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ، هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فصّلت ٤١/ ١٥].
وجواب القسم المبدوء به في أول السورة محذوف تقديره: لتعذبن يا كفار أهل مكة وأمثالكم، وقد دلّ على الجواب هذه الآية: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ؟ وما بعدها.
وضمير لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها على الصواب عائد على القبيلة، أي لم يخلق مثل عاد تلك القبيلة في البلاد، يعني في زمانهم، وليس على العماد لارتفاعها كما قال ابن زيد لأنه لو كان المراد ذلك لقال: التي لم يعمل مثلها في البلاد، وإنما قال: لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ «١».
وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ أي وقبيلة ثمود قوم صالح عليه السلام الذين قطعوا الصخر ونحتوه، وبنوا بالأحجار بيوتا يسكنون فيها، وقصورا وأبنية عظيمة، في الحجر ما بين الشام والحجاز، أو وادي القرى، كما جاء في قوله تعالى: وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ [الشعراء ٢٦/ ١٤٩]، وقوله سبحانه: وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ [الحجر ١٥/ ٨٢].
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ أي وحاكم مصر في عهد موسى عليه السلام، الذي هو صاحب المباني العظيمة، ومنها الأهرام التي بناها الفراعنة لتكون قبورا

(١) تفسير ابن كثير: ٤/ ٥٠٧

صفحة رقم 225

لهم، وسخّروا في بنائها شعوبهم. وقيل: الأوتاد: الجنود والعساكر والجموع والجيوش التي تشدّ ملكه.
والتعبير بالأوتاد عن الأبنية يشير إلى هياكلهم العظيمة التي لها شكل الأوتاد المقلوبة، فهي عريضة القاعدة، ثم تصير رفيعة دقيقة في رأسها.
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ أي هؤلاء الذين سبق ذكرهم وهم عاد وثمود وفرعون الذين تجاوزوا في بلادهم الحدّ في الظلم والجور، وتمردوا وعتوا، واغتروا بقوتهم، وأكثروا الفساد فيها بالكفر والمعاصي وظلم العباد.
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ أي فأنزل اللَّه تعالى على تلك الطوائف نوعا من العذاب الشديد، مشبها ما أوقعه بهم بالسوط المؤلم الذي يستعمل في تطبيق العقوبات. وقد ذكر نوع عقوباتهم تفصيلا في سورة الحاقة [الآيات: ٥- ١٠].
ثم ذكر اللَّه تعالى سبب العذاب وهو الجريمة، فقال:
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ أي إن اللَّه يرصد عمل كل إنسان، فلا يفوته شيء، حتى يجازيه عليه بالخير خيرا، وبالشر شرّا، ولا يهمل منه شيئا قلّ أو كثر، صغر أو كبر. والمرصاد: المكان الذي يرقب فيه الرصد.
والغرض من تكرار هذه القصص في مواضع مختلفة من القرآن الكريم هو التذكير بها، والعظة والعبرة منها، إما بالاستدلال على قدرته تعالى، وإما ببيان قهره العباد، وإما بإنذارهم وتخويفهم، ليدركوا أن ما جرى على شخص أو قوم، يجري على النظير والمثيل.

صفحة رقم 226

فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- حتمية عذاب الكفار، فقد أقسم اللَّه تعالى بالفجر أي الصبح أو بصلاة الفجر، وبالليالي العشر من ذي الحجة، وبالشفع والوتر أي الزوج والفرد من الأشياء كلها لأن الموجودات لا تخلو من هذين القسمين، فتكون كقوله:
فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ [الحاقة ٦٩/ ٣٨- ٣٩]، وبالليل إذا يسري أي يمضي كقوله: وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ [المدثر ٧٤/ ٣٣] والمراد عموم الليل كله، أقسم اللَّه بهذه الأشياء على أنه ليعذبن الكفار.
وإقسام اللَّه تعالى بهذه الأمور ينبئ عن شرفها، وأن فيها فوائد دينية ودنيوية، مثل كونها دلائل باهرة على التوحيد، أو توجب الحثّ على الشكر «١». قال القرطبي: قد يقسم اللَّه تعالى بأسمائه وصفاته لعلمه، ويقسم بأفعاله لقدرته كما قال تعالى: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى [الليل ٩٢/ ٣] ويقسم بمفعولاته، لعجائب صنعه كما قال: وَالشَّمْسِ وَضُحاها [الشمس ٩١/ ١]، وَالسَّماءِ وَما بَناها [الشمس ٩١/ ٥]، وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ [الطارق ٨٦/ ١] «٢».
٢- أكّد اللَّه تعالى ما أقسم به وأقسم عليه بقوله: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ أي بل في ذلك مقنع لذي لبّ وعقل، فالمراد بالاستفهام تقرير أن هذه المذكورات لشرفها وعظم شأنها يحق أن يؤكد بمثلها المقسم عليه، وهو تعذيب الكفار، كمن ذكر حجة باهرة، ثم قال: هل فيما ذكرته حجة؟ يريد أنه

(١) تفسير الرازي: ٣١/ ١٦١
(٢) تفسير القرطبي: ٢٠/ ٤١

صفحة رقم 227

لا حجة فوق هذا. ومن هنا قال بعضهم: فيه دليل على أنه تعالى أراد ربّ هذه الأشياء، ليكون غاية في القسم.
٣- ذكر اللَّه تعالى للعبرة، ولتسلية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قصة ثلاث فرق على سبيل الإجمال لأنهم أعلام في القوة والشدة والتجبر، وهم عاد الأولى أو إرم ذات الأبنية المرفوعة على العمد، ومعنى إرم: القديمة، والتي لم يخلق مثل تلك القبيلة في زمنها في البلاد، قوة وشدة، وعظم أجساد، وطول قامة.
وثمود قوم صالح عليه السلام الذين قطعوا الصخر ونحتوه، وبنوا به البيوت العظيمة بوادي القرى، قال المفسرون: أول من نحت الجبال والصور والرخام:
ثمود، فبنوا من المدائن ألفا وسبع مائة مدينة كلها من الحجارة، ومن الدور والمنازل ألفي ألف وسبع مائة ألف، كلها من الحجارة.
وفرعون حاكم مصر ذو الأوتاد أي صاحب الأبنية الشاهقة، أو الجنود الكثيرة أو الأوتاد الأربعة لتعذيب الناس.
٤- هؤلاء الطوائف الثلاث: عاد وثمود وفرعون طغوا في البلاد، أي تجاوزوا الحدّ في الظلم والعدوان، وتمرّدوا وعتوا، فأكثروا فيها الفساد، أي الجور والأذى، فعاقبهم اللَّه عقابا شديدا، وصبّ عليهم سوط عذاب، أي أفرغ عليهم وألقى نوعا من العذاب الشديد عليهم لأن الجزاء من جنس العمل.
وفيه إشارة إلى أن عذاب الدنيا بالنسبة إلى عذاب الآخرة كالسوط بالنسبة إلى القتل مثلا، ثم أشار إلى عذاب الآخرة أو إليه مع عذاب الدنيا بقوله:
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ أي يمهل ولكنه لا يهمل، ويرصد عمل كل إنسان حتى يجازيه به.

صفحة رقم 228
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية