آيات من القرآن الكريم

وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ
ﭦﭧ ﭩﭪ ﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الفجر
وهي مكية عند جمهور المفسرين، وحكى أبو عمرو الداني في كتابه المؤلف في تنزيل القرآن عن بعض العلماء أنه قال: هي مدنية، والأول أشهر وأصح.
قوله عز وجل:
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ١ الى ١٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤)
هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩)
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤)
قال جمهور من المتأولين: الْفَجْرِ هنا المشهور الطالع كل يوم، قال ابن عباس: «الفجر» النهار كله، وقال ابن عباس أيضا وزيد بن أسلم: «الفجر» الذي أقسم الله به، صلاة الصبح، وقراءتها هو قرآن الفجر، وقال مجاهد: إنما أراد فجر يوم النحر، وقال الضحاك: المراد فجر ذي الحجة، وقال مقاتل:
المراد فجر ليلة جمع، وقال ابن عباس: أيضا: المراد فجر أول يوم من المحرم، لأنه فجر السنة، وقيل المراد فجر العيون من الصخور وغيرها. وقال عكرمة: المراد فجر يوم الجمعة. واختلف الناس في «الليالي العشر» فقال بعض الرواة: هي العشر الأولى من رمضان، وقال الضحاك وابن عباس: هي العشر الأواخر من رمضان، وقال بنان وجماعة من المتأولين: هي العشر الأولى من المحرم، وفيه يوم عاشوراء، وقال مجاهد وقتادة والضحاك والسدي وعطية العوفي وابن الزبير رضي الله عنه: هي عشر ذي الحجة، وقال مجاهد: هي عشر موسى التي أتمها الله له، وقرأ الجمهور «وليال»، وقرأ بعض القراء «وليالي عشر» بالإضافة وكأن هذا على أن العشر مشار إليه معين بالعلم به، ثم وقع القسم بلياليه فكأن العشر اسم لزمه حتى عومل معاملة الفرد، ثم وصف ومن راعى فيه الليالي قال العشر الوسط، واختلف الناس في الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ فقال جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: الشَّفْعِ يوم النحر وَالْوَتْرِ يوم عرفة وروى أيوب عنه ﷺ قال: «الشفع يوم عرفة ويوم الأضحى، والوتر ليلة النحر»، وروى عمران بن حصين عنه عليه السلام أنه قال: «هي الصلوات منها الشفع ومنها الوتر»، وقال ابن الزبير وغيره:
الشَّفْعِ اليومان من أيام التشريق، وَالْوَتْرِ، اليوم الثالث، وقال آخرون: الشَّفْعِ، العالم

صفحة رقم 476

وَالْوَتْرِ، الله إذ هو الواحد محضا وسواه ليس كذلك، وقال بعض المتأولين: الشَّفْعِ آدم وحواء، والْوَتْرِ الله، وقال ابن سيرين ومسروق وأبو صالح: الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ شائعان الخلق كله، الإيمان والكفر والإنس والجن وما اطرد على نحو هذا فهي أضداد أو كالأضداد، وترها الله تعالى فرد أحد. وقيل الشَّفْعِ: الصفا والمروة، وَالْوَتْرِ البيت، وقال الحسن بن الفضل: الشَّفْعِ أبواب الجنة لأنها ثمانية أبواب، وَالْوَتْرِ أبواب النار لأنها سبعة أبواب، وقال مقاتل: الشَّفْعِ الأيام والليالي، وَالْوَتْرِ يوم القيامة لأنه لا ليل بعده، وَالْوَتْرِ اتحاد صفات الله تعالى، عز محض وكرم محض ونحوه، وقيل:
الشَّفْعِ، قرآن الحج والعمرة، وَالْوَتْرِ الإفراد في الحج، وقال الحسن: أقسم الله تعالى بالعدد لأنه إما شفع وإما وتر، وقال بعض المفسرين: الشَّفْعِ حواء وَالْوَتْرِ آدم عليه السلام. وقال ابن عباس ومجاهد: الْوَتْرِ صلاة المغرب والشَّفْعِ صلاة الصبح، وقال أبو العالية: الشَّفْعِ الركعتان من المغرب وَالْوَتْرِ الركعة الأخيرة. وقال بعض العلماء: الشَّفْعِ تنفل الليل مثنى مثنى وَالْوَتْرِ الركعة الأخيرة المعروفة. وقرأ جمهور القراء والناس «والوتر» بفتح الواو، وهي لغة قريش وأهل الحجاز، وقرأ حمزة والكسائي والحسن بخلاف وأبو رجاء وابن وثاب وطلحة والأعمش وقتادة: «والوتر» بكسر الواو، وهي لغة تميم وبكر بن وائل، وذكر الزهراوي أن الأغر رواها عن ابن عباس وهما لغتان في الفرد، وأما الدخل فإنما هو وتر بالكسر لا غير، وقد ذكر الزهراوي أن الأصمعي حكى فيه اللغتين الفتح والكسر، وسرى الليل ذهابه وانقراضه، هذا قول الجمهور، وقال ابن قتيبة والأخفش وغيره: المعنى إذا يسري فيه فيخرج هذا الكلام مخرج ليل نائم ونهار بطال. وقال مجاهد وعكرمة والكلبي: أراد بهذا ليلة جمع لأنه يسرى فيها، وقرأ الجمهور: «يسر» دون ياء في وصل ووقف، وقرأ ابن كثير: «يسري» بالياء في وصل ووقف، وقرأ نافع وأبو عمرو بخلاف عنه «يسري» بياء في الوصل ودونها في الوقف وحذفها تخفيف لاعتدال رؤوس الآي إذ هي فواصل كالقوافي، قال اليزيدي: الوصل في هذا وما أشبهه بالياء، والوقف بغير ياء على خط المصحف. ووقف تعالى على هذه الأقسام العظام هل فيها مقنع وحسب لذي عقل. و «الحجر» العقل والنهية، والمعنى فيزدجر ذو الحجر وينظر في آيات الله تعالى، ثم وقف تعالى على مصانع الأمم الخالية الكافرة وما فعل ربك من التعذيب والإهلاك، والمراد بذلك توعد قريش ونصب المثل لها. و «عاد» قبيلة لا خلاف في ذلك، واختلف الناس في إِرَمَ فقال مجاهد وقتادة: هي القبيلة بعينها، وهذا على قول ابن الرقيات: [المنسرح]

مجدا تليدا بناه أوله أدرك عادا وقبله إرما
وقال زهير: [البسيط]
وآخرين ترى الماذي عدتهم من نسج داود أو ما أورثت إرم
قال ابن إسحاق: إِرَمَ هو أبو عاد كلها، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وقال: هو أحد أجدادها، وقال جمهور المفسرين: إِرَمَ مدينة لهم عظيمة كانت على وجه الدهر باليمن، وقال محمد بن كعب: هي «الإسكندرية»، وقال سعيد بن المسيب والمقري: هي دمشق، وهذان القولان

صفحة رقم 477

ضعيفان، وقال مجاهد إِرَمَ معناه القديمة، وقرأ الجمهور «بعاد وإرم» فصرفوا «عادا» على إرادة الحي ونعت ب إِرَمَ بكسر الهمزة على أنها القبيلة بعينها، ويؤيد هذا قول اليهود للعرب: سيخرج فينا نبي نتبعه نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فهذا يقتضي أنها قبيلة، وعلى هذه القراءة يتجه أن يكون إِرَمَ أبا لعاد أو جدا غلب اسمه على القبيل، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «بعاد إرم» بترك الصرف في «عاد» وإضافتها إلى إِرَمَ، وهذا يتجه على أن يكون إِرَمَ أبا أو جدا وعلى أن تكون مدينة، وقرأ الضحاك «بعاد أرم» بفتح الدال والهمزة من «أرم» وفتح الراء والميم على ترك الصرف في «عاد» والإضافة، وقرأ ابن عباس والضحاك «بعاد إرم» بشد الميم على الفعل الماضي بمعنى بلي وصار رميما، يقال ارم العظم وأرم وأرمه الله تعدية رم بالهمزة، وقرأ ابن عباس أيضا: «ارم ذات» بالنصب في التاء على إيقاع الإرمام عليها، أي أبلاها ربك وجعلها رميما، وقرأ ابن الزبير: «أرم ذات العماد» بفتح الهمزة وكسر الراء، وهي لغة في المدينة، وقرأ الضحاك بن مزاحم «أرم» بسكون الراء وفتح الهمزة وهو تخفيف في «ارم» كفخذة وفخذ، واختلف الناس في قوله تعالى: ذاتِ الْعِمادِ فمن قال إِرَمَ مدينة، قال العماد أعمدة الحجارة التي بنيت بها، وقيل القصور العالية والأبراج يقال لها عماد، ومن قال إِرَمَ قبيلة قال الْعِمادِ إما أعمدة بنيانهم وإما أعمدة بيوتهم التي يرحلون بها لأنهم كانوا أهل عمود ينتجعون البلاد، قاله مقاتل وجماعة.
وقال ابن عباس: هي كناية عن طول أبدانهم، وقرأ الجمهور: «يخلق» بضم الياء وفتح اللام «مثلها» رفعا، وقرأ ابن الزبير «يخلق» بفتح الياء وضم اللام «ومثلها» نصبا، وذكر أبو عمرو الداني عنه أنه قرأ «نخلق» بالنون وضم اللام «مثلها» نصبا، وذكر التي قبل هذه عن عكرمة، والضمير في مِثْلُها يعود إما على المدينة وإما على القبيلة، وقرأ يحيى بن وثاب «وثمودا» بتنوين الدال، وجابُوا الصَّخْرَ معناه خرقوه ونحتوه، وكانوا في أوديتهم قد نحتوا بيوتهم في حجارة، و «الوادي» ما بين الجبلين وإن لم يكن فيه ماء، هذا قول كثير من المفسرين في معنى جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ. وقال الثعلبي: يريد بوادي القرى، وقال قوم:
المعنى جابوا واديهم وجلبوا ماءهم في صخر شقوه، وهذا فعل ذوي القوة والآمال، وقرأ ابن كثير «بالوادي» بياء، وقرأ أكثر السبعة «بالواد» دون ياء واختلف في ذلك نافع، وقد تقدم هذا، وَفِرْعَوْنَ هو فرعون موسى، واختلف الناس في أوتاده فقيل أبنيته العالية العظيمة، قاله محمد بن كعب، وقيل جنوده الذين بهم يثبت ملكه وقيل المراد أوتاد أخبية عساكره وذكرت لكثرتها ودلالتها على غزواته وطوفه في البلاد، قاله ابن عباس ومنه قول الأسود بن يعفر:
في ظل ملك ثابت الأوتاد وقال قتادة: كان له أوتاد يلعب عليها الرجال بين يديه وهو مشرف عليهم، وقال مجاهد: كان يوتد الناس بأوتاد الحديد يقتلهم بذلك يضربها في أبدانهم حتى تنفذ إلى الأرض، وقيل إنما فعل ذلك بزوجته آسية، وقيل إنما فعل بماشطة ابنته لأنها كانت آمنت بموسى، والطغيان تجاوز الحدود، والصب يستعمل في السوط لأنه يقتضي سرعة في النزول، ومنه قول الشاعر في المحدودين في الإفك:

فصبت عليهم محصرات كأنها شآبيب ليست من سحاب ولا قطر
ومن ذلك قول المتأخر في صفة الخيل:

صفحة رقم 478
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية