آيات من القرآن الكريم

وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ
ﯥﯦﯧﯨﯩ

قال الكلبي: لا يعرفون صلة اليتيم (١). وهذا يحتمل معنيين:
أحدهما (٢): أنهم لا يبرونه، ولا يعطونه، ولا يحسنون إليه.
والثاني: أنهم لا يعطونه الميراث على ما جرت به عادتهم من حرمان اليتيم ما كان من الميراث، ويدل على هذا المعنى قوله: ﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ﴾، ويدل على المعنى الأول: قوله:
١٨ - ﴿وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ قال مقاتل: ولا يطعمون مسكينًا (٣).
والمعنى: لا يأمرون بإطعامه كقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ [الحاقة: ٣٣ - ٣٤].
ومن قرأ: "يحاضون" أراد تتحاضون، فحذف تاء تتفاعلون، والمعنى لا يحض بعضكم بعضًا.
﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ﴾ قال أبو إسحاق: التراث أصله الوُراث (٤)، ولكن التاء تبدل من الواو إذا كانت مضمومة، نحو تُجاه، أصله وُجَاه من واجهت (٥).

(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) وهناك احتمالات أخرى ذكرها الفخر الرازي في "التفسير الكبير" ٣١/ ١٧٣.
(٣) بمعناه في تفسيره: ٢٣٩ ب، "التفسير الكبير" ١٣/ ١٧٣.
(٤) التراث: هو الميراث. قال بذلك الخزرجي في "نفس الصباح" ٧٨١. والمراد بالميراث ما ينقل إلى الغير من قُنْية ومن غير عقد، ولا يجري مجرى العقد وذلك بعد أن يموت مالكها، ولذلك يقال للقِنْية الموروثة ميراث وإرث وتراث أصله وُراث فقلبت الواو ألفًا وتاء. انظر: "المفردات في غريب القرآن" ٥١٨.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٢٣ بتصرف.

صفحة رقم 512

وقوله: ﴿أَكْلًا لَمًّا﴾ قال أبو عبيدة: تقول: لممته أجْمع (١)، أتيت على (٢) آخره (٣).
وقال الليث: اللمَّ: الجمع الشديد، تقول: كتيبة ملْموُمة (٤)، وحجر مَلْمُوم، والآكل يَلُم الثريد (٥) فيجمعه لقمًا، ثم يأكله "أكلًا لمًا" أي شديدًا (٦).
(ويقال: لممت ما على الخوان (٧) ألمه لمًا، إذا أكلته أجمع) (٨).
فمعنى اللمّ في اللغة: الجمع (٩).
والمفسرون (١٠)، وأهل المعاني (١١) يقولون في قوله: ﴿أَكْلًا لَمًّا﴾

(١) في (ع): (جمع).
(٢) (أثبت على) غير واضحة في (ع).
(٣) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٩٨ بنصه.
(٤) في (أ): (مَملْمُومة).
(٥) الثريد لا يكون إلا من لحم غالباً قال بذلك ابن الأثير وأصل الثَّرد الهَشْم ومن قيل لما يُهشَم من الخبز ويُبَل بماء وغيره ثريد انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" ١/ ٢٠٩، "تهذيب اللغة" ١٤/ ٨٨ (ثرد).
(٦) "تهذيب اللغة" ١٥/ ٣٤٣ - ٣٤٤ (لمَّ) باختصار.
(٧) الخوان هو ما يوضع عليه الطعام عند الآكل. "النهاية" ٢/ ٨٩.
(٨) ما بين القوسين عزاه الثعلبي إلى أبي عبيدة في "الكشف والبيان" ١٣/ ٩١ ب، وكذلك ابن عطية عزاه إلى ابن عبيدة في "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٠.
(٩) انظر: "إصلاح المنطق" ص٦١، "تهذيب اللغة" ١٥/ ٣٤٤، "الصحاح" ٥/ ٢٠٣١، "لسان العرب" ١٢/ ٥٤٨، "تاج العروس" ٩/ ٦٢ (لمم).
(١٠) قال بذلك ابن عباس، وقتادة، والضحاك، والسدي. انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ١٨٣ - ١٨٤، "النكت والعيون" ٦/ ٢٧٠، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٣، "الدر المنثور" ٨/ ٥٠٩ - ٥١٠. وبه قال أيضًا: ابن قتيبة في: "تفسير غريب القرآن" ٥٣٧، السمرقندي ٣٠/ ٤٧٧، والثعلبي في "الكشف والبيان" ج ١٣/ ٩١ ب، وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٥، "زاد المسير" ٨/ ٢٤٧، "التفسير الكبير" ٣١/ ١٧٣، "لباب التأويل" ٤/ ٣٧٨.
(١١) الفراء في "معاني القرآن" ٣/ ٢٦٢، وأبو عبيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ١٩٨.

صفحة رقم 513

أي شديدًا. (وهو معنى، وليس بتفسير، وتفسيره أن اللمّ مَصدر جعل نعتًا للأكل، والمراد به الفاعل، أي آكلًا لامًا، أي جامعًا، كأنهم يستوعبونه بالأكل) (١).
قال أبو إسحاق: كانوا يأكلون أموال اليتامى إسرافًا (٢) وبدارًا، فقال الله تعالى: ﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا﴾ أي تراث اليتامى أن تلمون جميعه (٣).
وهذا معنى قول الحسن: يأكل نصيبه، ونصيب صاحبه (٤).
قال ابن زيد: وذلك أنهم كانوا لا يورثون النساء، ولا الصبيان (٥).
قوله: ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾.
(الجم: الكثير، يقال: جَمَّ الشيء يَجُمُّ جُمومًا، يقال ذلك في الماء وغيره، فهو شيء جم، وجام، قال أبو عمرو: يَجِمُّ وَيجُمُّ أي يكثر) (٦).
قال أبو عبيدة (٧)، والفراء (٨)، والكسائي (٩)،

(١) ما بين القوسين: انظر: "التفسير الكبير" ٣١/ ١٧٣.
(٢) بدارًا: أي مبادرة بمعنى عاجلة. "لسان العرب" ٤٠/ ٤٨ (بدر).
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٢٣ بيسير من التصرف
(٤) "جامع البيان" ٣٠/ ١٨٣، "الكشف والبيان" ١٣/ ٩١/ ٢، "التفسير الكبير" ٣١/ ١٧٣، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٣، "الدر المنثور" ٨/ ٥٠٩، وعزاه إلى عبد بن حميد، "فتح القدير" ٥/ ٤٣٩، "تفسير الحسن البصري" ٨/ ٤١٧.
(٥) "جامع البيان" ٣٠/ ١٨٤ بمعناه، "الكشف والبيان" ١٣/ ٩١ ب، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٣.
(٦) ما بين القوسين نقلاً عن "تهذيب اللغة" ١٠/ ٥٢٠ (جم)، وانظر: "لسان العرب" ١٢/ ١٠٥ (جم).
(٧) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٩٨.
(٨) "معاني القرآن" ٣/ ٢٦٢.
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله.

صفحة رقم 514

(والزجاج (١)) (٢) وأهل التفسير (٣): "حبًا جمًا": كثيرًا شديدًا. قال عطاء: يحبون جمع المال (٤).
والمعنى: إنهم يُولعون بجمع المال، فلا ينفقونه في خير، كما ذكر من صفتهم في قوله: ﴿لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ [الفجر: ١٧ - ١٨].
قال الله تعالى: ﴿كَلَّا﴾ (٥) وهو تنبيه وزجر لهم عما هم عليه.
وقال مقاتل: أي لا يفعلون مَا أُمروا في اليتيم، والمسكين (٦). ثم خوفهم مستأنفًا بقوله:
قوله (٧): ﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا﴾.
ذكرنا معنى الدك عند قوله: ﴿جَعَلَهُ دَكًّا﴾ (٨).

(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٢٣.
(٢) ساقط من (أ).
(٣) قال بذلك أيضا ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد. "جامع البيان" ٣٠/ ١٨٥، وإليه ذهب السمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٤٧٧، والثعلبي في "الكشف والبيان" ١٣/ ٩١ ب، وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٥، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٠، "زاد المسير" ٨/ ٢٤٧، "التفسير الكبير" ٣١/ ١٧٣، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٤، "لباب التأويل" ٤/ ٤٧٨.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثله من غير عزو في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٥، "لباب التأويل" ٤/ ٣٧٨.
(٥) ﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا﴾.
(٦) بمعناه في "تفسيره" ٢٣٩ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٥، وقد ورد بمثله من غير عزو في "لباب التأويل" ٤/ ٣٧٨.
(٧) في (أ): (قوله ولا ينتظم الكلام بإثباتها).
(٨) سورة الكهف: ٩٨، ومما جاء في تفسيرها أي دكهُ دكا ويجوز أن يكون المعنى جعله ذا دك.

صفحة رقم 515

قال مقاتل: يعني كسر كل شيء عليها من جبل، أو بناء، أو شجر زلزلت فلم يبق على ظهرها شيء (١).
قال أبو إسحاق: إذا زلزلت فَدَكَّ بعضُها بَعْضًا (٢).
قال ابن قتيبة: دُقَّت جبالها، وأنشازها (٣) حتى استوت (٤).
وقال المبرد: (دكت) معناه ألصقت، وذهب ارتفاعها من قولهم: ناقة دكاء للاصقة السنام (٥).
وقال صاحب النظم: معنى التكرير في قوله: ﴿دَكًّا دَكًّا﴾ أنه دفعات على تأويل دكت الأرض دكًا بعد دك، ولو كان غير مكرر لاشتبه أن يكون دفعة واحدة (٦).
و (قد) (٧) قال الكلبي: دكًا دكًا زلزلة بعد زلزله (٨).
وقال أهل المعاني: الدك: حط (٩) المرتفع بالبسط، [و] (١٠) اندك

(١) بمعناه في تفسيره: ٢٣٩ ب، وقد ورد بمثله من غير نسبة في "التفسير الكبير" ٣١/ ١٧٤، "لباب التأويل" ٤/ ٣٧٨.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٢٣ بنصه.
(٣) أنشازها: مفرد نشز وهو ما ارتفع من الأرض، يقال: قعد على نشز من الأرض، وجمع نشز نشوز. إصلاح المنطق: ٩٥، وانظر: المصباح المنير: ٢/ ٧٤١.
(٤) "تفسير غريب القرآن" ٥٢٧.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) ساقط من (أ).
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٩) غير واضحة في كلا، النسختين.
(١٠) ساقط من كلا النسختين، وأثبت ما ينتظم به الكلام.

صفحة رقم 516

سنام البعير إذا انفرش في ظهره، وناقة دكاء إذا كانت كذلك، ومنه الدكان لاستوائه في الفرش، وكذلك الأرض إذا دكت استوت في الانفراش، فذهبت دورها، وقصورها، وسائر أبنيتها حتى تصير كالصخرة الملساء (١) (٢). وهذا معنى قول ابن عباس: تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم (٣).
وقوله: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ معنى هذا (٤) كمعنى قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ﴾ [البقرة: ٢١٠] وقد مر (٥).

(١) في (أ): (الملساة).
(٢) "التفسير الكبير" ٣١/ ١٧٤.
والدك لغة قال الأزهري: الدك يطلق على الهدم، والدُّكك: الهضاب المفسخة، والدُّكك: النوق المنفضخة الأسمنة، والدك: كسر الحائط، والجبل، والدكاوات من الأرض الواحدة دكاء وهي رواب مشرفة من طين فيها شيء من غلط، "تهذيب اللغة" ٩/ ٤٣٦ - ٤٣٧، وانظر: "لسان العرب" ١٠/ ٤٢٤ وما بعدها وكلاهما تحت (دك).
وفي الغريب: الدَّك الأرض اللينة والسهلة، وقد دكه دكا ثم قال وأرض دكاء مسواة والجمع الدُّك، وناقة دكاء لاسنام لها تشبيهاً بالأرض الدكاء. "المفردات في غريب القرآن" ١٧١، انظر: "تحفة الأريب" ١٢٤.
(٣) "جامع البيان" ٣٠/ ١٨٥ من حديث طويل، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٤.
(٤) في (أ): (هداك).
(٥) ومما جاء في تفسيرها: قال الواحدي في قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ﴾. وجهان:
أحدهما: أن هذا من باب حذف المضاف: أن يأتيهم عذاب الله، أو أمر الله أو آيات الله فجعل الآيات والعذاب مجيئاً له تفخيماً لشأن العذاب وتعظيماً له.
والثاني: المعنى هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بما وعدهم من العذاب والحساب فحذف ما يأتي به وتهويلاً عليهم إذ لو ذكر ما يأتي به كان أسهل عليهم في باب =

صفحة رقم 517

على أن الحسن قد قال في هذه الآية: جاء أمر ربك وقضاء ربك (١)، فيكون هذا من باب حذف المضاف، ونحو هذا روي عن الكلبي: وجاء أمر ربك.
وذكر أهل المعاني في هذا قولين:
أحدهما: أن المعنى وجاء جلائل آياته، لأن هذا يكون يوم القيامة، وفي ذلك اليوم تظهر العظائم، وجلائل الآيات، فجعل مجيئها مجيئًا له تفخيمًا لشأنها.
الثاني: أن المعنى: وجاء ظهوره بضرورة المعرفة، وضرورة المعرفة التي تقوم مقام ظهوره ورؤيته، ولما صارت المعارف في ذلك اليوم بالله تعالى ضرورة، صار ذلك كظهوره، وتجليه (٢) للخلق، فقيل: وجاء ربك، أي زالت الشبهة، وارتفعت الشكوك كما ترتفع (عند) (٣) مجيء الشيء الذي كان يشك فيه (٤).

= الوعيد، وإذا لم يذكر كان أبلغ لأنفسنا وخواطرهم وذهاب ذكرهم في كل وجه. ومثله قوله: ﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾ أي أتاهم بخذلانه إياهم. في قوله: ﴿ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ﴾ وجهان أيضًا:
أحدهما أن العذاب يأتي فيها ويكون أهول كقوله: ﴿عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾.
والثاني: أن ما يأتيهم من العذاب يأتي في أهوال مفظعة فشبه الأهوال بالظلل من الغمام كقوله: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ﴾.
(١) "الكشف والبيان" ١٣/ ٩١ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٦، "زاد المسير" ٨/ ٢٤٧، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٥.
(٢) غير مقروءة في (أ).
(٣) ساقط من (أ).
(٤) "الوسيط" ٣/ ٤٨٥.

صفحة رقم 518

وهذه أوجه في هذه الآية صحيحة (١).

(١) قلت ما ذكره الإمام الواحدي من أوجه للآية واستحسانه لها هو من التأويل وصرف اللفظ عن معناه الحقيقي، وهو قول لايصح، ومخالف لأهل السنة والجماعة. وتفسير هذه الآية على النحو المذكور باطل من وجوه:
أحدها: إنه إضمار ما لا يدل اللفظ عليه بمطابقة ولا تضمن ولا لزوم وادعاء حذف ما لا دليل عليه يرجع لوثوقه من الخطاب، ويطرق كل مبطل على ادعاء إضمار ما يصحح باطله.
الثاني: إن صحة التركيب واستقامة اللفظ لا تتوقف على هذا المحذوف، بل الكلام مستقيم تام قائم المعنى بدون إضمار، فإضماره مجرد خلاف الأصل فلا يجوز.
الثالث: إنه إذا لم يكن في اللفظ دليل على تعيين المحذوف كان تعيينه قولاً على المتكلم بلا علم، وإخباراً عنه بإرادة ما لم يقم به دليل على إرادته وذلك كذب عليه.
الرابع: إن في السياق ما يبطل هذا التقرير وهو قوله: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ﴾. فعطف، مجيء الملك على مجيئه سبحانه يدل على تغاير المجيئين، وأن مجيئه سبحانه حقيقة، كما أن مجيء الملك حقيقة، بل مجيء الرب سبحانه أولى أن يكون حقيقة من مجيء الملك.
الخامس: إن ما ادعوه من الحذف والإضمار إما أن يكون في اللفظ ما يقتضيه ويدل عليه أولاً فإن كان الثاني لم يجز إدعاؤه، وإن كان الأول كان كالملفوظ به وعلى التقدير فلا يكون مجازاً فإن المدلول عليه يمتنع تقديره.
وهناك ردود أخرى. انظر في ذلك "مختصر الصواعق المرسلة" لابن القيم ١٩٥، وعلى ذلك فالواجب حمل الآية على ظاهرها وحقيقتها، قال ابن تيمية: أما الإتيان المنسوب إلى الله فلا يختلف قول أئمة السلف أنه يمر كما جاء وكذلك ما شاكل ذلك فما جاء في القرآن أو وردت به السنة كأحاديث النزول ونحوها وهي طريقة السلامة، ومنهج أهل السنة والجماعة يؤمنون بظاهرها ويكلون علمها إلى الله ويعتقدون أن الله منزه عن سمات الحدث، على ذلك مضت الأئمة خلفاً بعد =

صفحة رقم 519

وقوله تعالى: ﴿وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ قال عطاء: يريد صفوف الملائكة (١).
وقال الضحاك: إن الله تعالى يأمر السماء يوم القيامة فتنشق عمن فيها من الملائكة، فينزلون، فيحيطون بمن في الأرض، ثم يأمر السماء الثانية، حتى ذكر السَابعة، فيكون سبع صفوف بعضها خلف بعض (٢)، ونحو هذا قال مقاتل: وكل أهل سماء صف على حدة (٣)، فمن ثم قال: ﴿صَفًّا صَفًّا﴾، والمعنى: صفًا بعد صف -كما ذكرنا في قوله: ﴿دَكًّا دَكًّا﴾ (٤).
وقوله: ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾.

= سلف كما قال تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾. ثم قال والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص فيثبت ما أثبت الله ورسوله باللفظ الذي أثبته، وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه وهو أن يثبت النزول والإتيان، والمجيء ويتقي المثل والسمي، الكفء، والند.
"مجموع الفتاوى" ١٦/ ٤٠٩، ٤٢٣ - ٤٢٤.
ومعنى الآية على ذلك كما قال الإمام السعدي يجيء الله لفصل القضاء بين عباده في ظلل من الغمام وتجيء الملائكة الكرام أهل السموات كلهم صفاً بعد صف كل سماء يجيء ملائكتها صفاً يحيطون من دونهم من الخلق.
"تيسير الكريم الرحمن" ٥/ ٤١٤.
(١) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٦، "فتح القدير" ٥/ ٤٤٠، وبمثل قوله ذهب قتادة: "جامع البيان" ٣٠/ ١٨٨.
(٢) ورد معنى قوله في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٦، "زاد المسير" ٨/ ٢٤٧، مختصرًا، وبمعناه في "فتح القدير" ٥/ ٤٤٠.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) سورة الفجر: ٢١ راجع ذلك في موضعه.

صفحة رقم 520

قال جماعة المفسرين: جيء بها يوم القيامة مزمومة بسبعين ألف زمام، كل زمَام مع سبعين ألف ملك يجرونها، حتى تنتصب [يسار] (١) العرش (٢).
﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يعني: يوم يجاء (٣) بها.
﴿يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ﴾ يتعظ ويتوب له الكافر.
﴿وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى﴾ قال أبو إسحاق: يُظْهِر التربة، ومن (٤) أين له التوبة (٥)؟ وهذا كقوله: ﴿أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ﴾ [الدخان: ١٣]، وتفسير الذكرى قد سبق في مواضع (٦).
ثم فسر ذكراه بقوله: ﴿يَقُولُ﴾ (٧) يعني الإنسان.
﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ أي: قدمت الخير والعمل الصَالح، فحذف للعلم به.

(١) ما بين المعقوفين ساقط من (أ): وكتب في (ع): (ليسار).
(٢) قال بذلك: قتادة، وابن مسعود، ومقاتل انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٧١، "جامع البيان" ٣٠/ ١٨٨، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٦، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٥، وعزاه الفخر إلى جماعة المفسرين: "التفسير الكبير" ٣١/ ١٧٥.
وهذا القول من المفسرين يصدقه الحديث الذي في "صحيح مسلم" ٤/ ٢١٨٤: ح: ٢٩ كتاب الجنة: باب ١٢ عن عبد الله، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يؤتي بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها.
(٣) في (أ): (جابها).
(٤) في (أ): (من).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٢٤ بيسير من التصرف.
(٦) في سورة الدخان: ١٣، سورة الأعلى: ٩ فليراجع ذلك في سورة الأعلى: ٩.
(٧) ﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾.

صفحة رقم 521

وقوله: ﴿لِحَيَاتِي﴾ قال ابن عباس (١)، (ومقاتل (٢)) (٣)، والمفسرون (٤): لآخرتى التي لا مَوت فيها، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾ (٥).
قال الحسن: عَلم والله أنه صادق هناك حياة طويلة لا موت فيها (٦).
قال الله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾ قراءة العَامة: "يُعذِب"، و"يُوثِقُ" بكسر العين فيهما (٧).
قال مقاتل: فيومئذ لا يعذب عذاب الله أحد من الخلق، ولا يوثق وثاق الله أحد من الخلق (٨).

(١) ورد معنى قوله في "النكت والعيون" ٦/ ٢٧١.
(٢) بمعناه في تفسيره: ٢٤٠ أقال: يا ليتني قدمت في الدنيا لآخرتي.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) قال بذلك: قتادة، ومجاهد.
انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ١٨٩، وبه قال الفراء: "معاني القرآن" ٣/ ٢٦٢، والسمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٤٧٨، وعزاه ابن عطية إلى جمهور المتأولين: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨١، وانظر: "زاد المسير" ٨/ ٤٨٤، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٦، "لباب التأويل" ٤/ ٣٧٨، "فتح القدير" ٥/ ٤٤٠.
(٥) سورة العنكبوت: ٦٤.
(٦) "جامع البيان" ٣٠/ ١٨٩، "الدر المنثور" ٨/ ٥١٢، وعزاه إلى ابن أبي شيبة، "فتح القدير" ٥/ ٤٤٠، "تفسير الحسن البصري" ٢/ ٤١٨.
(٧) أي بكسر الذال في ﴿يُعَذِّبُ﴾ والثاء في ﴿يُوثِقُ﴾ انظر: كتاب "السبعة في القراءات" ٦٨٥، "القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٧٤، "الحجة" ٦/ ٤١١، "المبسوط" ٤٠٨، "حجة القراءات" ٧٦٣، كتاب "التبصرة" ٧٢٦، "النشر" ٤٠٠، "المهذب" ٢/ ٣٣٣.
(٨) بمعناه في "تفسيره" ٢٤٠ أ، "التفسير الكبير" ٣١/ ١٧٦.

صفحة رقم 522

قال أبو عبيد: قد علم المسلمون أنه ليس يوم القيامة معذب سوى الله، (فكيف يكون) (١) لا يعذب أحد مثل عذابه (٢)؟. فزيف (٣) أبو عبيد هذا القول كما ترى (٤).
وقال أبو إسحاق: المعنى لا يتولى يوم القيامة عذاب الله أحد، أي الأمر يومئذ أمره، ولا أمر لغيره (٥).
وقال الحسن: لا يعذب عذابه في السماء أحد، ولا يوثق وثاقه في الدنيا أحد (٦)، وتقدير هذا القول: لا يعذب أحد في الدنيا عذاب الله الكافر يومئذ، ولا يوثق أحد في الدنيا وثاق الله الكَافر يومئذ، والمعنى: مثل عذابه ووثاقه في الشدة والمبالغة.
وذكر الفراء (٧)، والزجاج (٨) هذا القول، (وقرأ الكسائي: "لا

(١) في (أ): (فيكون).
(٢) "التفسير الكبير" ٣١/ ١٧٦، وعزاه إلى أبي عبيدة وهو تصحيف في الاسم.
(٣) غير مقروءة في (أ).
(٤) كما رد الإمام الطبري على أبي عبيدة في ما ذهب إليه في تفسيره من إنكاره لقراءة الكسر، فقال: وهذا من التأويل غلط، لأن أهل التأويل تأولوه بخلاف ذلك، مع إجماع الحجة من القراء على قراءته بالمعنى الذي جاء به تأويل أهل التأويل، وما أحسبه دعاه إلى قراءات ذلك أي بالفتح كذلك إلا ذهابه عن وجه صحته في التأويل."جامع البيان" ٣٠/ ١٨٩ - ١٩٠.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٢٤، ويعتبر قول أبي إسحاق أحد الأوجه عند الفخر في الرد على أبي عبيدة. انظر "التفسير الكبير" ٣١/ ١٧٦.
(٦) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٧١ - ٢٧٢، "جامع البيان" ٣٠/ ١٨٩ وبمعناه في "النكت والعيون" ٦/ ٢٧١، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٦، "تفسير الحسن البصري" ٢/ ٤١٨.
(٧) "معاني القرآن" ٣/ ٢٦٢
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٤.

صفحة رقم 523

يُعَذب"، و"لا يُوثَق" بفتح العين فيهما (١).
واختاره أبو عبيد (٢) لما روى خالد الحذاء عن أبي قلابة عمن سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأهما (٣) بالفتح (٤).
والعذاب في القراءتين بمعنى التعذيب، كما قلنا في السراح (٥)، والأداء، وكما قال (٦):
وبعد عطائك المائة الرتاعَا (٧) (٨)
فجعله موضع الإعطاء، والوثاق أيضًا في موضع الإيثاق، كالعذاب في موضع التعذيب، وهما مضافان إلى الفاعل في قراءة العامة، وهو الله

(١) كتاب "السبعة في القراءات" ٦٨٥، "القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٧٤، "الحجة" ٦/ ٤١١، "المبسوط" ٤٠٨.
(٢) "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٢ ب، "التفسير الكبير" ٣١/ ١٧٦، وعزاه إلى أبي عبيدة، وهو تصحيف، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٧، "فتح القدير" ٥/ ٤٤٠.
(٣) في (أ): (قراءها).
(٤) الحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٢٥٥، كتاب التفسير، قراءات النبي -صلى الله عليه وسلم- وصححه، وقال: والصحابي الذي لم يسمه في إسناده قد سماه غيره: مالك بن الحويرث ووافقه الذهبي، أما ابن جرير فقد رد الحديث واعتبر إسناده واهياً. "جامع البيان" ٣٠/ ١٨٩.
(٥) في (أ): (للسراح).
(٦) القطامي من قصيدة مدح بها زفر بن الحارث وقد سبق ذكرها في سورة الحاقة: ٣٤، وصدره:
أكفراً بعد رد الموت عني
(٧) غير مقروء في (ع).
(٨) ورد البيت أيضًا في "التفسير الكبير" ٣١/ ١٧٧، برواية: "عدائك" بدلاً من: "عطائك" "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨١ برواية "بعض" بدلاً من: "بعد".

صفحة رقم 524

تعالى.
وفي قراءة الكسائي مضاف إلى المفعول به مثل: ﴿مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ﴾ [فصلت: ٤٩].
والمعنى: لا يعذب أحد تعذيب هذا الكافر، وهذا الصنف من الكفار.
ومن قال المراد بالإنسان كافر بعينه (١)، فهو ظاهر يقول: لا يعذب يومئذ أحد تعذيبه، ولا يوثق أحد إيثاقه) (٢)، وهذا قول الفراء (٣)، والزجاج (٤).
وقال أبو عبيد: تفسير هذه القراءة: لا يعذَبُ عذاب الكَافر أحد (٥). فهذه ثلاثة أقوال:
أحدهَا: لا يعذب أحد عذاب ذلك الصنف من الكفار، وهم الذين ذكرهم في قوله: ﴿لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ﴾ (٦) (الآيات) (٧).

(١) والمراد بالإنسان الكافر بعينه هو أمية بن خلف الجمحي، قاله مقاتل: "زاد المسير" ٨/ ٢٤٨، وانظر: "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٢ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٦ وقيل: أبي بن خلف، وقيل: إبليس. انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٦، "فتح القدير" ٥/ ٤٤٠.
(٢) ما بين القوسين نقله عن الحجة ٦/ ٤١١ - ٤١٢ بتصرف.
(٣) "معاني القرآن" ٣/ ٢٦٢.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٣٢٤.
(٥) بمعناه ورد في "التفسير الكبير" ٣١/ ١٧٦، وورد بمثله من غير عزو في "النكت والعيون" ٦/ ٢٧١، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٦.
(٦) سورة الفجر: ١٧ وما بعدها أي من آية ١٧ إلى آية ٢٠.
(٧) ساقط من (أ).

صفحة رقم 525

والثاني: لا يعذب أحد عذاب كافر بعينه، وهو أمية بن خلف (١)، أو غيره (٢) من [الكفار] (٣) على ما قد بينَّا.
الثالث: لا يعذب أحد من الناس عذاب الكَافر. وهذا أولى الأقوال.
وذكر أبو علي الفارسي قولًا آخر في قراءة العَامة، قال: المعنى فيؤمئذ لا يعذب أحدٌ، أحدًا، تعذيبًا مثل تعذيب هذا الكافر المتقدم ذكره؛ فأضيف المصدر إلى المفعول به، كما أُضيف إليه في قراءة الكسائي، ولم يذكر الفاعل، فكان (٤) المعنى في القراءتين سواء، والذي يُراد بأحدٍ الملائكة الذين يتولون تعذيب أهل النار (٥).
قوله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا (٦) النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ) (٧)﴾ قال عطاء عن ابن عباس: بثواب الله (٨).
وقال مقاتل: التي عملت على يقين بما ذكر الله في كتابه (٩).
وقال أبو صَالح: المطمئنة بالإيمان (١٠) (١١).

(١) بياض في (ع).
(٢) في (أ): (غيره).
(٣) في كلا النسختين: الكفر، وأثبت ما رأيت به استقامة المعنى.
(٤) في (أ): (وكأن).
(٥) "الحجة" ٦/ ٤١٢ بيسير من التصرف.
(٦) يايتها: في كلا النسختين.
(٧) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٨) "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٧ من غير ذكر طريق عطاء.
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله، وورد بمثله من غير نسبة في "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٧.
(١٠) بياض في (ع).
(١١) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثله عن مقاتل في "تفسيره" ٢٤٠ أ.

صفحة رقم 526

وقال مجاهد: المنيبة المخبتة التي أيقنت بأن الله (ربها) (١)، وضربت لأمره جأشًا (٢)، الراضية بقضاء الله (٣).
وقال الحسن: المؤمنة الموقنة (٤).
ومعنى هذه الأقوال: المطمئنة إلى وعد الله، المصدقة بما قال.
قال صَاحب النظم: المطمئنة الموقنة اعتبارا بقوله: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ (٥) والطمأنينة: حقيقة الإيمان، فإذا لم تكن طمأنينة كانت وسوسة، وهذه الصفة ثابتة لنفس المؤمن في الدنيا؛ لأنه صَدَّق الله، واطمأن إلى ما ذكر في كتابه (٦).
وقوله: ﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ﴾ قال أبو صالح: هَذا عند خروجها من الدنيا

(١) ساقط من (أ).
(٢) جأشاً: أي قرَّت يقيناً، اطمأنت كما يضرب البعير بصدره الأرض إذا برك وسكن. "تهذيب اللغة" ١١/ ١٣٥ (جيش).
(٣) ورد قوله في تفسير مجاهد: ٧٢٨ مختصرًا، "جامع البيان" ٣٠/ ١٩٠ بنحوه، "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٢ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٦، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٧ بمعناه ولم يذكر الزيادة، "الراضية بقضاء الله". إلا برواية منفصلة عن مجاهد في "الكشف" ١٣/ ٩٣ أ، "زاد المسير" ٨/ ٢٤٨، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٧ وبالنص كاملاً ورد عن عطية بمثله، انظر: "الكشف والبيان"، و"معالم التنزيل". مرجعين سابقين، "الدر المنثور" ٨/ ٥١٥ مختصرًا، وعزاه إلى الفريابي، وعبد بن حميد.
(٤) "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٣ أ، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٦، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٧، "فتح القدير" ٥/ ٤٤٠، تفسير الحسن: ٢/ ٤١٨.
(٥) سورة البقرة: ٢٦٠
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.

صفحة رقم 527

يقال لها: ارجعي إلى الله راضية بالثواب (١)، مرضية عنك (٢)، وهو قول مقاتل (٣) وغيره (٤).
يدل على هذا ما روى أن رجلاً قرأ عند النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الآيات فقال أبو بكر (رضي الله عنه): ما أحسن هذا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أما إن الملك سيقولها لك (٥) (٦).
وقوله (٧): ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ أي في جملة عبادي الصالحين المصطفين، وهذا يقال لها يوم القيامة.
قال أبو صَالح: إذا كان يوم القيامة قيل ادخلي في عبادي وادخلي جنتي (٨).

(١) بياض في (ع).
(٢) ورد معنى قوله في "جامع البيان" ٣٠/ ١١٩، "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٣ أ، "النكت والعيون" ٦/ ٢٧٢، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٧، "زاد المسير" ٨/ ٢٤٩ برواية أبي صالح عن ابن عباس،"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٨، "الدر المنثور" ٨/ ٤١٤ - ٥١٥، وعزاه إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) عزاه ابن الجوزي إلى الأكثرين: "زاد المسير" ٨/ ٢٤٨، وقال به الحسن البصري، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن زيد.
انظر: "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٣ ب، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨١، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٨، "البحر المحيط" ٨/ ٤٧٢.
(٥) بياض في (ع).
(٦) ورد في "جامع البيان" ٣٠/ ١٩١ برواية سيقول لك عند الموت، "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٤ أ، "التفسير الكبير" ٣١/ ١٧٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٠/ ٥٨، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٤٥، وقال عنه مرسل، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨١.
(٧) في (أ): (قوله).
(٨) "جامع البيان" ٣/ ١٩٢، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٧.

صفحة رقم 528

قال صاحب النظم: قوله: ﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾ تكون عند الوفاة، وقبض الروح، ثم نظم به.
قوله: ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾، وهذا لا يكون إلا في الآخرة، فنظم عز وجل خبرًا بخبر في وقت على ظاهره، وهما في وقتين في الباطن (١).
ومن المفسرين من يقول هذا كله، يقال للنفس المطمئنة في الآخرة (٢).
ومعنى "المطمئنة": الآمنة من العذاب (٣)؛ لأن الله أمنها من العذاب يدل هذا على ما ذكر في حرف أبي: (يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة) (٤).
وقوله: ﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ﴾ أي إلى ثواب ربك وكرامته (قاله) (٥) الحسن (٦). قال الفراء: إلى ما أعد الله لك من الثواب (٧)، ثم ينتظم بقوله: ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾.

(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) قال بذلك أسامة بن زيد عن أبيه وكلامه قال: بُشرت بالجنة عند الموت ويوم الجمع وعند البعث.
"جامع البيان" ٣٠/ ١٩١.
(٣) قال بذلك الكلبي، ومقاتل. انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٦، "فتح القدير" ٥/ ٤٤١.
(٤) ورد قوله في "مختصر في شواذ القرآن" لابن خالوية: ١٧٣، "جامع البيان" ٣٠/ ١٩١، "النكت والعيون" ٦/ ٢٧٢، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٨٢.
(٥) في كلا النسختين: (قال).
(٦) "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٤ أب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٧، "زاد المسير" ٨/ ٢٤٩، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٨، "تفسير الحسن البصري" ٢/ ٤١٩.
(٧) "معاني القرآن" ٣/ ٢٦٣ بنصه.

صفحة رقم 529

ومن المفسرين من ذهب إلى أن هذا يقال للنفس المؤمنة عند البعث يقال لها: ﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ﴾ أي إلى صاحبك الذي (١) خرجت منه، وهذا قول عكرمة (٢)، وعطاء (٣)، (والضحاك (٤)) (٥).
يدل على هذا ما روي عن ابن عباس أنه قرأ: فادخلي في عبدي، على التوحيد (٦).

(١) بياض في (ع).
(٢) "جامع البيان" ٣٠/ ١٩١، "الكشف والبيان" ١٣/ ٩٤ أ، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٨٧، "زاد المسير" ٨/ ٢٤٩، "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٥٨.
(٣) المراجع السابقة عدا "جامع البيان".
(٤) المراجع السابقة عدا "جامع البيان"، و"الجامع لأحكام القرآن".
(٥) ساقط من (ع).
(٦) "المحتسب" ٢/ ٣٦٠، "مختصر في شواذ القرآن" ١٧٣.

صفحة رقم 530

المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
سلسلة الرسائل الجامعية
-١١٥ -
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن على بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من سورة البلد إلى آخر المصحف
تحقيق
د. نورة بنت عبد الله بن عبد العزير الورثان
أشرف على طباعته وإخراجه

د. عبد العزير بن سطام آل سعود أ. د. تركي بن سهو العتيبي
الجزء الرابع والعشرون

صفحة رقم 1

المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
سلسلة الرسائل الجامعية
-١١٥ -
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن على بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من سورة البلد إلى آخر المصحف
تحقيق
د. نورة بنت عبد الله بن عبد العزير الورثان
أشرف على طباعته وإخراجه

د. عبد العزير بن سطام آل سعود أ. د. تركي بن سهو العتيبي
الجزء الرابع والعشرون

صفحة رقم 2

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ١٤٣٠ هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الواحدي، علي بن أحمد
التفسير البسيط لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد
الواحدي (ت ٤٦٨)./ نورة بنت عبد الله بن عبد العزيز الورثان،
الرياض ١٤٣٠ هـ.
٢٥ مج. (سلسلة الرسائل الجامعية)
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
٩ - ٨٨٠ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج ٢٤)
١ - القرآن تفسير... ٢ - الواحدي، علي بن أحمد
أ- العنوان... ب-السلسلة
ديوي ٢٢٧. ٣... ٨٦٨/ ١٤٣٠
رقم الإيداع: ٨٦٨/ ١٤٣٠ هـ:
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
٩ - ٨٨٠ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج ٢٤)

صفحة رقم 3

التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
[٢٤]

صفحة رقم 4

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

صفحة رقم 5

التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)

صفحة رقم 6
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية