آيات من القرآن الكريم

فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ
ﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤ

ثم قرر فخامة الأشياء التي أقسم بها قبل، وكونها أهلا لأن تعظم فقال:
(هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) الحجر (بكسر الحاء وسكون الجيم) العقل، ويقولون: فلان ذو حجر: إذا كان قاهرا لنفسه، ضابطا لها، مضيّقا عليها.
والمراد أن من كان ذا لبّ وعقل يفطن إلى أن فى القسم بهذه المخلوقات المشتملة على باهر الحكمة، وعجيب الصنعة، الدالة على وحدانية صانعها- مقنعا أيّما مقنع، وكفاية أعظم كفاية.
وجاء الكلام بصورة الاستفهام لتأكيد المقسم عليه وتقريره، كما تقول لمن يحاجّك فى أمر ثم تقيم له الحجة الناصعة التي تثبت ما تدّعى: هل فيما ذكرت لك كفاية، ومرادك أنى قد ذكرت لك أقوى الحجج وأبينها، فلست تستطيع جحد ما قلت بعد هذا.
وجواب القسم محذوف يدل عليه قوله بعد: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ» الآية، ويقدر بنحو قوله إن ناصية المكذبين بيدي، ولئن أمهلتهم فلن أهملهم، ولآخذنهم أخذ الأمم قبلهم، وقد ترك لتسترسل نفس القارئ فى تأمل ما مضى وما يتبع ليجد الجواب بينهما، فيتمكن المعنى لديه فضل تمكن.
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ٦ الى ١٤]
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠)
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤)
شرح المفردات
عاد: جيل من العرب البائدة يقولون إنه من ولد عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، ويلقب أيضا بإرم، وذات العماد: أي سكان الخيام، وكانت منازلهم بالرمال والأحقاف إلى حضر موت.

صفحة رقم 142

وثمود: قبيلة من العرب البائدة كذلك وهى من ولد كاثر بن إرم بن سام، ومنازلهم بالحجر بين الشام والحجاز، جابوا الصخر: أي قطعوه ونحتوه، بالواد: أي الوادي الذي كانوا يسكنون فيه، وفرعون: هو حاكم مصر الذي كان فى عهد موسى عليه السلام، والأوتاد: المبانى العظيمة الثابتة، والطغيان: تجاوز القدر فى الظلم والعتوّ، وصب: أي أفرغ وألقى، وسوط عذاب: أي أنواعا من العقوبات التي أنزلها عليهم جزاء طغيانهم، والمرصاد: هو المكان الذي يقوم فيه الرصد، والرصد من يرصد الأمور: أي يترقبها ليقف على ما فيها من الخير والشر، ويطلق أيضا على الحارس الذي يحرس ما يخشى عليه.
المعنى الجملي
بعد أن أقسم سبحانه أنه سيعذب الكافرين جزاء كفرهم وإصرارهم على مخالفة أوامره- شرع يذكر بعض قصص الأمم السالفة ممن عاندوا الله ورسوله ولجوا فى طغيانهم فأوقع بهم شديد العذاب وأخذهم أخذ العزيز الجبار، ليكون فى ذلك زجر لهؤلاء المكذبين. وتثبيت للمؤمنين الذين اتبعوا الرسول وناصروه، وتطمين لقلوبهم بأن أعداءهم سيلقون ما يستحقون من الجزاء.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ؟) أي ألم تعلم أيها الإنسان، كيف أهلك ربك عادا الأولى الذين كانوا أشد الناس أجساما وأطولهم قامة، وأرفعهم مكانة، والذين لم يخلق فى البلاد كلها مدينة كمدينتهم.
(وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) أي وثمود الذين قطعوا الصخر ونحتوه وبنوا منه القصور والأبنية العظيمة كما قال فى آية أخرى: «وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ».

صفحة رقم 143

وفى هذا دليل على ما أنعم الله به عليهم من القوة والعقل وحسن التدبير.
(وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) أي وفرعون ذى المبانى العظيمة التي شادها هو ومن قبله من فراعنة مصر فى قديم الأزمان كالأهرام وغيرها وما أجمل التعبير عما تركه المصريون من الأبنية الباقية بالأوتاد، فإن شكل هياكلهم العظيمة شكل الأوتاد المقلوبة، إذ يبتدئ البناء عريضا وينتهى بأدق مما بدأ.
ثم وصف من سبق ذكرهم بأقبح الأوصاف فقال:
(الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) أي هؤلاء الذين سلف ذكرهم من عاد وثمود وفرعون قد استعملوا سلطانهم وقوتهم فى هضم حقوق الناس، واغتروا بعظيم قدرتهم، فكانوا سببا فى إفساد البلاد.
ذاك أن من اغتر بنفسه وتهاون بحقوق غيره واعتدى عليها، وأخذ ما ليس له ولم يعط الذي عليه- يكون قد فكك شمل الجماعة وأفسد فى البلاد، فيختل نظام العمران، ويقف دولاب التعامل، ويوجس كل امرئ خيفة من بنى جلدته، ولا شك أن أمما هذه حالها تكون عاقبتها الخراب والدمار، ومن ثم ذكر عاقبة أمرها فقال:
(فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) أي فأنزل الله تعالى بهم ألوانا من البلاء، وشديد العقاب.
وقد شبه سبحانه ما أوقعه بهم من صنوف العذاب، وما صبّه عليهم من ضروب الهلاك- بالسوط، من قبل أن السوط يضرب به فى العقوبات، والله يوقع العذاب بالأمم عقوبة لها على ما يقع منها من أنواع التفريط فى أوامر دينه.
ثم ذكر العلة فى تعذيبه لهم فقال:
(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) أي إن شأن ربك ألا يفوته من شئون عباده نقير

صفحة رقم 144
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية